محمد صلاح البدري يكتب : كما قال الأستاذ!

١
لم يكن الأمر يحتاج إلى كثير من الذكاء ليفهم أنهم لن يستجيبوا لنصائحه التى يحاول أن يلقنها لذلك المريض فى استقبال المستشفى الجامعى، فالهمس يدور بين أقاربه أنهم سيذهبون به فى الصباح الباكر إلى أحد المراكز الطبية الخاصة باهظة التكاليف والذى تملأ إعلاناته شاشات التلفاز.انهم يشاهدون برامج التوك شو التي تملأ الفضائيات كل ليلة و يعرفون كم أن أطباء الإستقبال في كل المستشفيات العامة جهلة و يقتلون المرضي!..مازال صوت ذلك المذيع الشهير في آذانهم و هو يتحدث في إستنكار و أسف عن الإهمال الذي يضرب المستشفيات العامة كلها!

يشعر بالإحباط يملأه وهو فى بداية حياته العملية. يستمر فى إلقاء التعليمات على المريض، ولكن دون حماس هذه المرة. سيلقون بالورقة التى بها الدواء فى أقرب سلة قمامة. لا بأس، فقد قام بما يرضى ضميره. المشكلة أنهم لا يرون ذلك على الإطلاق. سيتحدثون عن إهمال الأطباء وجهلهم غداً صباحاً.. وسيلعنون كل الأطباء (ما عدا الطبيب الذى سيذهبون إليه فى عيادته غداً بالطبع) لا بأس، فقد اعتاد ذلك.

٢
“طبيب يضع عصا خشبية في فم طفل بحجة الكشف عن لوزه!”
تقرأ مدام ماجي ذلك المنشور علي موقع التواصل الإجتماعي الشهير وهي تحتسي مشروبها الساخن علي الفراش..فيرتفع حاجباها من الدهشة.. و يعتريها الغضب الشديد.. ثم تبدأ في التعليق تحت الخبر عن مدي السادية التي وصل اليها هؤلاء المتوحشون!.. يرد عليها أحد الأطباء الشباب ليحاول إقناعها في هدوء أن الخبر ساخر من الأساس.. وأن الكشف علي الحلق يستلزم وضع تلك العصا الصغيرة بالفعل.. و لكنها ترد عليه في حدة أنه بلا قلب.. وأن همه الأول هو جمع الأموال من جيوب الفقراء .. يرد عليها أنه مازال طبيباً صغيراً حديث الخبرة و لا يملك سوي مرتبه الذي لا يكفيه اصلاً..ولكنها لا تقتنع.. بل تطالب في منشور منفصل أن يتم القبض علي امثاله جميعاً الذين نزعوا الرحمة من قلوبهم.. !

يجيبها الأستاذ كمال الذي يضع صورته ذات الشارب الفخيم علي صفحته الشخصية بأنها محقة تماماً .. و أنه يري أن الدولة تتساهل كثيراً مع هؤلاء المجرمين.. ثم يبعث لها برسالة خاصة أنه يقدر رقتها و عدم قدرتها علي احتمال كل تلك البشاعة .. و يستأذنها أن يتبادلا الحديث تليفونياً.. فتبتسم إبتسامة عابثة.. قبل ان توافق و تبعث له برقمها الذي ابتاعته خصيصاً لهذا الغرض.. فلا تلبث ان تغلق الحاسب لتبدأ في مكالمة طويلة من نوع خاص!!

٣
إنه ذلك المذيع الشهير مرة أخرى.. الحلقة تدور حول الإهمال الطبى، هناك مريض قد تعرض لنزيف اثناء إجراءه جراحة بالبطن في أحد المراكز الطبية الخاصة..! إلى هنا والأمر يخص النيابة العامة التى تستعين بأطباء متخصصين لبيان إذا ما كان هناك إهمال من الطبيب أو من طاقم العمل ام لا..ولكن المذيع الشهير يجب أن يترك بصمته التي ستجعل الحلقة ساخنة، سيستضيف اهل المتوفي ليسألهم عن شعورهم حينما توفي مريضهم.. و يتحدث مع الطبيب تليفونياً ليهاجمه و يتهمه انه مجرم خائن!

سيحاول الطبيب ان يقنعه ان المضاعفات الطبية في مثل هذا النوع من الجراحات واردة.. و لكنه لن يدع له فرصة للحديث اصلاً ..سوف تذاع الحلقة، وستجد نسبة مشاهدة عالية! فالإعلانات أمر ينبغى أن نأخذه فى الاعتبار حين نحقق فى حادثة من هذا النوع !!

٤
ربما كان الأمر خاص هذه المرة أكثر من اللازم.. و لكنني أعتقد أنه قد خرج من نطاق الخصوصية منذ فترة ليست بالقصيرة.. ليصبح شأنا عاماً يحتاج أن يعرفه الناس .. بل و يصبح لهم رأي فيه ايضاً..!
إنها تلك الحملة الاعلامية الشرسة علي الاطباء.. و في كل الوسائل الإعلامية المسموعة و المرئية و المقروءة..، والتي تزامنت مع تلك المعركة التي تخوضها النقابة دفاعاً عن أعضائها من الإهانة علي يد بعض “البلطجية” الذين يحتمون بزي رسمي!!
الأمر واضح لا لبس فيه.. إنها حملة ممنهجة لإستعداء الشعب ضد تلك الفئة التي يتم ظلمها بانتظام مستفز..والواقع أنني لا اعرف من المستفيد منها و لا الي متي ستستمر..و لكنها نوع من اللعب بالنار إذا كنا سنتحدث بحياد تام!

سأجد من يقول ان هناك من الأطباء من يخطيء .. بل و يقوم بارتكاب العديد من الجرائم بحق المرضي.. فأجيبهم أنني أوافقكم و بشدة.. بل وأستطيع أن أزيدك من الشعر بيتاً أن الكثير من هذه الجرائم لا يكتشفها احد.. بل و ستجد المريض يدعو للطبيب شاكراً ما فعله به.. فقط يحتاج الأمر الي أن يكون الطبيب موهوباً في النصب!
الفكرة هي التعميم الذي يأخذ العاطل بالباطل.. فيشعر الطبيب أنه متهم قبل أن يبدأ في الكشف علي مريضه..
و الفكرة ايضا هي أن تتم مناقشة تلك الاخطاء من غير المتخصصين.. فلا يعرف احدهم إن كان ما حدث سليم طبياً أم لا..فتصبح الحقيقة الوحيدة هي ما اقتنعت به مدام ماجي والأستاذ كمال..أو ما قاله الأستاذ المذيع اللامع!!

اقـرأ أيـضـًا:

محمد صلاح البدري يكتب : كلام جرايد.. !!

محمد صلاح البدري يكتب : عن فن إساءة الأدب!

محمد صلاح البدري يكتب : حين يرهقنا التظاهر بالحياد!

محمد صلاح البدري يكتب : في الروضة.. حيث ترى الحقيقة!

محمد صلاح البدري يكتب:مغامرات ميكروفون الجزيرة!!

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا