محمد صلاح البدري يكتب : حين يرهقنا التظاهر بالحياد!

يقول صديقي: ينبغي أن تعلن إنحيازاتك منذ البداية.. التظاهر بالحياد لا يفيد في معظم الأحوال.. الكل منحاز لرأي ما من حولك.. وأنت لست إستثناء بكل تأكيد.. فلماذا تحاول أن تخدعني و تمثل أنك متعادل؟!

ثم إستطرد قائلا: ينبغي أن أعرف أولا هل توافقني في الرأي أم لا قبل أن تحاول إقناعي وأنت تتقمص دور الزاهد المتجرد! لماذا تجبرني أن أقرأ لك أو أستمع إليك علي شاشة التلفاز و أنا لا أعرف ما يدور في ذهنك!.. لماذا تجعلني أبذل جهداً لإستنتاج معسكرك الذي تنتمي إليه.. كف عن هذا التدليس!

والواقع أنه لم يخطئ كثيراً.. فقط نحن نعشق أن نبدو علي غير حقيقتنا.. إنها نظرية “المرايا” الشهيرة التي يتحدث عنها الأطباء النفسيون.. هل تعرفها؟! .. الكل يمثل طوال الوقت و كأن هناك كاميرا تراقبه و تصوره..ربما كان السبب هو مواقع التواصل الإجتماعي اللعينة ..الكل يحاول أن يتجمل و يتصف بصفات ملائكية غير موجودة علي ظهر الأرض من الأساس ..فضلا عن أن البعض قد يتصف بها..!

الكل يتذكر أن يدعو ربه صباحاً و كأنه راهب متعبد ..الكل يشاهد مباريات الأهلي و يشجعه و كأنه لاعب قديم و مشجع عتيد.. – الكل يشجع الاهلي بالمناسبة حتي الذين يتظاهرون بتشجيع المنافسين- .. الكل ينهي يومه و هو يبدي أراؤه الشخصية في ناموس الكون كأي فيلسوف يحترم نفسه..  ثم يغلق حاسوبه الشخصي و هو راض عما قدمه لخدمة البشرية .. فقط ليفكر كيف سيتخلص من منافسه في العمل.. أو كيف سيخون زوجته.. أو حتي متي سيتناول كل الأطعمة و المشروبات التي حذر الناس من أضرارها منذ قليل..

ربما لو أعلنا عن إنحيازاتنا في البداية لنجحنا في شيئ ما من الذي نجاهد لنفعله طوال اليوم.. ربما لوجدنا بعضنا سريعاً.. و لتكونت المعسكرات و الأحزاب و الإئتلافات بصورة سوية محترمة.. ربما لشفينا من محاولات التظاهر التي تقتلنا ببطء..

يقول صديقي” لماذا لا تحاول أن تعلن عن رأيك الشخصي صريحاً في بداية النقاش.. لماذا لا تبدأ كتاباتك بالإعلان عن منطقك ورأيك واضحاً .. ثم تترك لي الحق في إستكمال القراءة أو لبدء النقاش من عدمه..ربما كنت قد وفرت عليِ آلاف الساعات التي قضيناها في محاولة إقناع البعض بأشياء لن نقتنع بها أبدا.. ربما لوفرت علي آلاف السطور التي قرأتها لك و لغيرك.. ربما لم أكن سأرتدي العوينات التي تجعلني أبدو عبقرياً دون وجه حق!!

أعتقد أنني سأحاول أن أستمع لرأيه هذه المرة.. سأتخلص من هذه العادة الذميمة ..سأحاول ألا أتظاهر بالحياد الزائف بعد الان.. سأعلن عن إنحيازي في البداية.. ثم أحاول أن أشرح حيثيات إقتناعي من عدمه.. ربما نجحت في ما فشلت فيه طوال الفترة السابقة!
سوف أتوقف عن الحديث بهذا المنطق المتجرد الذي يرهقني نفسياً.. سأعلن للجميع رأيي الذي ينحاز لأمر ما دوماً.. سأجاهد لأشفى من هذا المرض اللعين.. و سأبدأ من الأن ..

فقط ينبغي ألا يعرف أحد أنني أحب ذلك السياسي الذي سأكتب عنه غداً.. ينبغي أن أبدو محايدا و أنا أكتب عن آرائه السياسية الغريبة في الفترة الاخيرة..أنا مقتنع بما يقول تماماً.. و لكنه يواجه معارضة شديدة من البعض.. لا بأس ..سأحاول أن أبدو متجرداً حتي يصبح كلامي موضوعياً.. هكذا سأبدو حكيماً مثقفاً محايداً .. و هكذا سيصدقني الناس ..المهم ألا يظهر في ما سأكتبه ما يدل علي أنه صديقي..ولا أنني منحاز لما  يقول..فلا تخبروا احداً .. أنا أثق فيكم!

اقـرأ أيـضـًا:

محمد صلاح البدري يكتب : في الروضة.. حيث ترى الحقيقة!

محمد صلاح البدري يكتب:مغامرات ميكروفون الجزيرة!!

محمد صلاح البدري يكتب: البرلمان المصري.. مش هتقدر تغمض عينيك!! 

محمد صلاح البدري يكتب: باسم يوسف.. والعجوز التي لا تضحكني ابداً..! 

محمد صلاح البدري يكتب: الموت الذي نكرهه!! 

محمد صلاح البدري يكتب: حين تتظاهر بالحياة!!

محمد صلاح البدري يكتب:باسم يوسف..والذين أصابتهم لعنة الضحك!

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا