محمد حمدى سلطان يكتب: عن عودة شيكابالا الذي لا يعود أبدًا

( 1 )

ولكن أين شيكابالا .. ؟

منتصف موسم 2009 – 2010 .. كان الوضع في الزمالك كارثيًا بمعنى الكلمة، الإدارة غائبة واللاعبون تائهون والجماهير مذهولة مما يحدث .. فالهزائم تتوالى بشكل غير مسبوق، لم يعد الفريق عاجزًا عن تحقيق الفوز فقط بل أصبح عاجزًا حتى عن تسجيل ولو هدف وحيد لأكثر من مباراة على التوالىي.. الزمالك العريق في المركز الرابع عشر والدور الأول من مسابقة الدوري يقترب من النهاية .. وصل الحال بالزمالك بأن أصبحت جماهير الأهلي تتوقع هبوطه إلى الدرجة الثانية بل وصل الحال به أن يخرج جمال مبارك في تصريح شهير وقتها ليقول (الزمالك كبير ولن نسمح بهبوطه) لم يكن أحد يفهم كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة، كان الفريق شبه خاليًا من النجوم بل كان خاليًا بالفعل من النجوم فحازم إمام قد اعتزل وحسام حسن رحل منذ سنوات وجمال حمزة لم يعد موجودًا وعمرو زكي يُصاب أكثر مما يلعب وأحمد حسام ميدو الذي أذهلنا بعودته المفاجئة من أوروبا في بداية هذا الموسم أذهلنا أكثر بأنه لم يستطع أن يفعل شيئاً – قبل أن يغادر سريعًا مرة أخرى – ولكن أين .. أين شيكابالا؟

( 2 )

كان شيكابالا يبكي ..

الزمالك يواجه اتحاد الشرطة .. كعادته وقتها كان متأخرًا بهدف وكعادته أيضاً كان عاجزًا عن التعويض .. النتيجة 1 – 0 للشرطة ومازالت المباراة لم تنتهِ بعد و رغم ذلك كان كل الزملكاوية متيقنين من أنها هزيمة أخرى جديدة – وهو ما حدث بالفعل – الجماهير تهتف في غضب، اللاعبون عاجزون عن فعل أى شىء، والكاميرا تقترب من شيكابالا، شيكابالا ينفجر فجأة في البكاء كطفل صغير، يحاول أن يخفي دموعه المنهمرة بيده، يقترب منه حازم إمام الصغير ليواسيه فيبكي معه .. مشهد لا يُنسى ابدًا ومحفور في ذاكرة كل الزملكاوية ولا أتصوَّر أن هناك زملكاوى حقيقى لم يبكِ يومها مع شيكا بكل حُرقة .. كان المشهد عفويًا جدا وشديد التأثير ، لحظة درامية قد تُلخِّص كل شىء من الممكن أن نقوله أو نحكيه عن ذلك الفتى الأسمر الموهوب والمُتفرد .. محمود عبد الرازق فضل الله والشهير بشيكابالا والذي أراد ان يبكي فبكى أمام الملايين .. ومنذ متى أراد شيكابالا أن يفعل شيئاً ولم يفعله، يفعله دون أن يفكر في أى عواقب أو يعبأ بأحد.

( 3 )

شيكابالا لا يصنع الحدث، دائمًا هو الحدث ..

مرَّ عام والوضع اختلف تمامًا، جاء العميد الأسطوري حسام حسن ليدرِب الزمالك وليُعيد اليه الروح، وبالفعل نجح في تحقيق معجزة حقيقية بكل المقاييس فالزمالك الآن متصدر للدوري – موسم 2010 – 2011 – ويواجه الأهلي وهو يسبقه بستّ نقاط كاملة .. كان شيكابالا وقتها نجمًا للشباك، كان يصول ويجول كما لم يفعل من قبل، كان أفضل لاعب في مصر وقتها بلا منازع فقد نجح في خطف الأضواء من الجميع بتألق غير مسبوق ، وكانت جماهير الزمالك التي تتغَنَّى باسمه تنتظر هذه المباراة تحديدًا بفارغ الصبر فمنذ سنوات ليست قليلة تأتي القمة لأول مرة والزمالك في وضع أفضل نسبيًا من الأهلي الذي كان يمر بأوقات صعبة، فقد خسر من الاسماعيلي بالتلاتة وأُقيل حسام البدري وجاء زيزو مدرباً مؤقتا للفريق قبل القمة بأيام قليلة .. كان الكل يراهن على شيكابالا فهذه أيامه وهذا عصره الذهبي وحتمًا سيقدم أقصى ما لديه امام الغريم التقليدي .. حتما سيُسجل ويحقق للزمالك انتصارًا على الأهلي طال انتظاره .. جاءت المباراة وقدَّم الزمالك اداءً باهتًا عكس المنتظر وانتهت بالتعادل السلبي 0 – 0 ولم يقدم شيكابالا بالفعل شيئًا سوى الصفر فقد كان مشغولاً بمواجهة جماهير الأهلي أكثر من مواجهة الأهلي نفسه ! من المؤكد أن شيكابالا كان يعلم قبل المباراة أن جماهير الأهلي ستهاجمه بضراوة لتخرجه عن تركيزه ومن المؤكد انه نال نصائح عديدة من الجميع بألا يلتفت لذلك وأن يكون رده الوحيد عليهم بداخل أرض الملعب فقط من خلال تحقيق الفوز لفريقه ومن المؤكد أيضاً انه نزل إلى أرض الملعب وهو ينوى ذلك بالفعل ، ألا يستسلم لاستفزازت الجماهير ، ولكنه بمجرد تعرُّضه للسِّباب على أرض الواقع نسِى كل شىء .. لم يعد يرى الكرة أو يفكر فى المباراة، كان الطفل الذي بداخله يفكر فقط في كيفية الرد على تلك الإهانة وبعد نهاية المباراة لم يستطع ان يغادر الملعب قبل ان يرفع حذاءه فى وجه الجماهير وبعدها أعلن اعتزاله اللعب الدولى وعاد فى قراره فيما بعد ، كان واضحًا لكل ذى عينين ان هذا شخصًا تقوده نفسه ولا يستطيع ان يقودها وكلما حاول ان يتحكم فى مشاعره زادت سطوتها وتحكمت هى فيه أكثر .. اما ما لم يفهمه احد على الإطلاق ان شيكابالا لم يكن بحاجة فى اى مرة الى أن يصنع الحدث ، دائمًا هو الحدث ..!

( 4 )

شيكابالا هو اللحن الذى لا يكتمل ابدًا

وفى ذلك تكمُن سر عظمته فلو اكتمل

سيصبح مجرد لحن جميل آخر مثل غيره

من الألحان ولكنه لحن متفَرِّد وعبقرى

لأنه لا يكتمل ابدًا ..

( 5 )

كنت فى الاستاد وشاهدت لحظة ميلاده ..

يناير 2003 ، الزمالك يواجه غزل المحلة فى احد الادوار الاولى لمسابقة كأس مصر ، كان الفريق متخمًا بالنجوم ويحصد الالقاب ، اثناء المباراة ترى الجماهير لاعبًا شابًا صغيرًا اسمر اللون يستعد للنزول الى أرض الملعب .. يبدأ الجميع فى التساؤل مَن هذا الناشىء ؟ يبدو صغيرًا جدًا فكيف سيلعب ؟ ياترى هيعرف يعمل حاجة ؟ وبدأت الإجابات تتوالى من بعض العالمين ببواطن الأمور ..

– ده ولد هايل اسمه شيكابالا

– شيكابالا ! نستغرب الاسم جدًا

– ده مكسر الدنيا فى فرق الناشئين

– بس يا جماعة الناشئين حاجة واللعب للفريق الاول حاجة تانية خالص

– ده حريف جدًا ومهارى بيرَقَّص طوب الارض

– ياريت يبقى كويس احنا نكره

– مش بس كويس ده هيبقى مستقبل الزمالك .

شعرت ببعض المبالغة من هذه الجملة الاخيرة بالتحديد ولكن لم يمر وقت طويل حتى جاءت الإجابة الحاسمة على كل تساؤلاتنا من شيكابالا نفسه ، فالفتى البالغ من العمر وقتها 15 عامًا و8 شهور وفى أول مشاركة له مع الكبار يسجل أول أهدافه وهدف الفوز الوحيد فى مباراة عصيبة واى هدف ، كان هدفًا خياليًا ولا يُنسى فقد راوغ أكثر من لاعب وانفرد بالحارس ووضع له الكرة فى سقف الشبكة ومن زاوية صعبة .. منذ هذه اللحظة امتلك شيكابالا قلوبنا الى الابد ‘ وُلِد نجمًا وببداية اسطورية بداية تليق به جدًا ولم تكن لتناسبه سواها فهو ليس من نوعية الابطال التقليديين الذين قد يكافحون سنوات من أجل الوصول للقمة وعندما يصلون اليها يتشَبَّثون بها الى الأبد او يختفون كثيرا ثم يظهرون فى اللحظات الحاسمة لينقذوا الموقف فيخطفون الأضواء كلها .. هو قد يصل للقمة فى لحظة ويتركها بعد لحظة ولا يشغل باله كثيرا بذلك ، يظهر وقتما أراد وبطريقته الخاصة ولايكترث بانقاذ الموقف قدر اكتراثه بالمتعة فهو من نوعية الأبطال المجانين غريبى الأطوار الملفتين دائما للانتباه والذين لديهم استعداد فطرى للمغامرة بكل شىء .. وهذه النوعية من الابطال لا يوجد فى قاموسها كلمة حلول وسط فإما السماء و إما الأرض .. إما خسائر كارثية وفادحة ولا تُعوَّض وإما نجاحات ساحقة وأسطورية وغير مسبوقة .. تيَقَّنَت جماهير الزمالك يومها من أنها كسِبت نجمًا جديدًا وان هذا المراهق الأسمر الصغير سيكون له شأنٌ عظيم ولكنَّها لم تكن تعلم أنه سيظل مراهقًا الى الأبد وأنه يمتلك بداخله روح طفل لا يكبُر ابدًا .. عندما انتهت المباراة وجاء شيكابالا ليحيِّى الجماهير ورغم انه كان يبتسم رأيت فى عينيه لأول مرةٍ نظرة الحزن الغريبة التى تصاحبه دائمًا ولم أكن افهم وقتها أننى بالفعل أنظر فى عينيه الى مستقبل الزمالك ..

( 6 )

لماذا نحب شيكابالا ؟
رغم كل ما مر على الزمالك من أساطير فى عالم اللعبة ، فنادرًا ما أحببنا لاعبًا مثلما أحببنا شيكابالا ، لا .. نحن بالفعل لم نحب لاعبًا مثلما أحببنا شيكابالا ، لم نتعاطف مع لاعب ونلتمس له الأعذار ونغفر له كل خطاياه مثلما فعلنا مع شيكابالا ، لا يوجد لاعب زملكاوى فى التاريخ صرَّح او لمَّح او أعلن رغبته بالانتقال إلى الأهلى او انتقل له بالفعل ونسيَت له جماهير الزمالك ذلك الموقف – اسألوا جمال حمزة وطارق السعيد – اما شيكابالا فقد وقَّع للأهلى ثم ذهب الى نادى الزمالك باكيًا ليطلب من مسئولى النادى انقاذه من هذه الورطة فهو لا يعلم كيف فعل ذلك ، عندما فوجئ مسئولو الأهلى ان لاعبهم الجديد الذى وقَّع لهم منذ ساعات يجلس الآن بداخل نادى الزمالك ولا يرغب بالانتقال اليهم تصرَّفوا بما يحفظ كبرياءهم وكان ردهم : ( ونحن لا نريد من لا يريدنا ، اعتبروا تلك العقود كأن لم تكن ) حاسمًا للمشكلة قبل أن تبدأ ، وهو نفس ما فعلته جماهير الزمالك فقد أسقطت تلك الواقعة تمامًا من ذاكرتها وكأنها لم تكن ، لأنها تحب .. ومن يحب يسامح ويغفر وينسى وحب جماهير الزمالك لشيكابالا ليس مرتبطًا ببطولات كان سببًا فى إحرازها ، فهو لم يحقق منها الكثير ، ولكنها تعشقه لأنه يشبه تمامًا لناديهم الذى يذوبون فى عشقه ، هو ابنٌ حقيقىٌ للزمالك يحمل نفس جيناته من البهجة الممزوجة بالألم والفرحة قصيرة العمر والغير مكتملة .. شيكابالا يتفنَّن فى تدمير نفسه مثلما أبدع الزمالك كثيرًا فى خسارة بطولات ومباريات كانت تسعى إليه سعيًا فيرفضها .. نعشقه لأنه لم يطربنا وينتزع آهاتنا وإعجابنا أحدٌ مثلما فعل هو ، لم يجعل أحدٌ أحلامنا تصل إلى عنان السماء ولم يحوِّل أحدٌ تلك الأحلام إلى كوابيس مثلما فعلا شيكابالا ، ذلك الجواد الذى أدمَنَّا الرهان عليه ، وكلما خذلنا كلما ازددنا تمسُّكًا به وراهنَّا عليه أكثر من ذى قبل .. نراهن عليه ونحن نعلم أنه لا يعبأ بنا ولا برهاناتنا ، ونحن أيضًا لا نعبأ بخسائرنا لأنه يمنحنا ما قد يكون أهم من الرِّبح ، يمنحنا المتعة والجنون ولحظات لا تُعوَّض من الدراما .. دائمًا ما كنا شغوفين بشيكابالا ودائمًا ما كان شغوفًا بشغفنا .. ولهذا نُحبُّه ..

( 7 )

انا اللى بالأمر المحال اغتوى
شفت القمر نطِّيت لفوق ف الهوا
طُلتُه ما طلتوش إيه انا يهمِّنى
وليه ما دام بالنشوة قلبى ارتوى

.. شيكابالا يكاد يتجسَّد فى كل حرف من هذه
الرُّباعية للعظيم الراحل : صلاح جاهين ..

( 8 )

يغيب فيحضُر .. ويحضُر فننتظر عودته ..!

ومتى غاب عنَّا شيكابالا حتى يعود ؟ انه يكون أكثر حضورًا عندما يغيب ولكننا فى نفس الوقت دائمًا ما ننتظر عودته ، ترك الزمالك وهو صغير وهرب للاحتراف فى اليونان وعاد ، ثم ترك الزمالك مرةً أخرى وذهب فى إعارة للوصل الإماراتى بعد خلافه الشهير مع حسن شحاتة وعاد ، ثم صمَّم على الاحتراف مرةً أخرى ورحل لسبورتينج لشبونة البرتغالى وعاد بعد إعارة قصيرة للاسماعيلى فى منتصف الطريق .. يعود شيكابالا للمرة التالتة ولعلَّها تكون ( التَّابتة ) والأخيرة بالفعل ، فى كل مرة رحل فيها كنا متيقنين من أنه حتمًا سيعود مرةً أخرى وأن هذه ليست نهاية حكاية شيكا مع الزمالك وكنا ننتظر عودته .. حتى وهو فى الزمالك كنا دائمًا ما ننتظر عودة شيكابالا ، عودته من الإيقاف ، عودته من الإصابة ، عودته لمستواه ، عودته إلى صوابه .. شيكابالا دائمًا على وصول ودائما لا يصل ، ودائما ما ننتظره بلا يأس وفى كل مرة يتملكنا نفس الإحساس الغريب بأنه سيفعلها هذه المرة ويعود .. فلتفعلها يا شيكا ، ولتَعُد فنحن بانتظارك كما اعتدنا دائمًا

سألنا هؤلاء الإعلاميين : تحب تستضيف مين في 2016؟

من هو أفضل إعلامي شاب في 2015؟ ‎ للمشاركة اضغط هنـا

حصاد إعلام.أورج لأهم الاحداث في 2015

اقـرأ أيـضـًا:

تفاصيل اغتصاب فتاة 3 سنوات

مفاجأة.. تتر “أنا مصر” من إنتاج 2007

أبرز 20 صورة من حفلات رأس السنة

فلاح الفرافرة المزيف: ليس لي علاقة بالزراعة

موجز 2015 في 24 رقم

قائمة الأحداث التي شغلت الرأي العام في 2015

بائع الفريسكا.. أخذ المنحة وترك هذه التناقضات

إعلام.أورج يرصد أبرز 93 حدثاً إعلامياً في 2015

عمرو قورة : نسعى للوصول بالنجوم العرب للعالمية

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا