عمرو منير دهب يكتب: قوة الضعف الأنثوي.. الفصل الثامن من كتاب "جينات أنثويّة"

تحت العنوان الفرعي: "النساء المستبدّات، الغضوبات والعدوانيّات" تقول سيلفي تيننباوم Sylvie Tenenbaum في كتباها "لسنَ جميعاً ملائكة"، الترجمة العربية للأصل الفرنسي Toutes ne sont pas des anges، تقول: "من التلطُّف في التعبير القول إن لذة الاستبداد، لدى بعض النساء، تزيد عن حدّها، بل تصل بهنّ إلى حدّ التحوّل إلى طاغيات... الاستبداد المتطرّف عند هؤلاء النساء يظهر سامّاً حين يتّخذن أنفسهنّ مرجعاً لذواتهنّ: لا يحترمن قيم الآخرين ولا حججهم. لا يثقن إلّا بأنفسهنّ. في أفضل الأحوال، يُقال إنّ شخصيّاتهنّ قوية. لكنّهنّ يعانين انتفاخاً في الأنانية يعزلهنّ عن الجماعة البشرية. وهنّ مهيبات أكثر منهنّ محبوبات إذ يجمعن بين الثقة والعدوانية".

بعدها، وتحت عنوان فرعي آخر: "المتلاعبات الصغيرات"، تقول سيلفي: "لا يمكن مقارنتهن بالنساء النرجسيّات المنحرفات (عنوان فرعي في موضع لاحق من الكتاب الذي يستعرض فئات متعددة من النساء غير الملائكيّات)... تلاعباتهن أضيق نطاقاً بكثير وخالية من القسوة، لكن اختبارها ليس ممتعاً. تصادفهنّ في كل أشكال العلاقات. لِمَ التلاعب؟ للحصول على ما يرغبن فيه، بكل بساطة، وذلك مع بقائهن مبتسمات، فاتنات، وعطوفات بحسب رغبتهنّ... فالابتسامة واللطف ليسا سوى أدوات لنيل ما يردنه. هؤلاء النساء يستخدمن مسارات "التلاعب" التقليدية".

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: هل تدعم حواء خلسةً الاستمرار في وضعها كأقلّيّة؟.. الفصل السابع من كتاب "جينات أنثويّة"

تنتبه المؤلفة في بداية تمهيدها للكتاب إلى الدهشة التي قد تصيب البعض (من النساء على الأرجح): "قد يُعجب البعض لتأليفي كتاباً عن التصرّفات السامة لبعض النساء بعد ذاك الذي أصدرتُه عن تاريخ النسويّة (والنسوية بالتأكيد ليست مرادفاً لكره الرجال) والضرورة المطلقة لمواصلة هذه المعركة". ولكن مهما يكن الغرض من "لسنَ جميعاً ملائكة"، فإن ما يعنينا في سياقنا هذا – وكتابنا بأكمله – يدور حول سمات حواء العامة وليس تصنيف النساء رجوعاً إلى أيٍّ من المعايير النفسية.

الفئة الأولى التي اقتطفناها عن كتاب المعالجة النفسية الفرنسية تعكس صنفاً من النساء مختلفاً تماماً عن ذلك الذي تعكسه الفئة الثانية التي تبدو سماتها أقرب إلى ما نريده في هذا المقال؛ غير أننا على كل حال نودّ الحديث عن الضعف الأنثوي بوصفه أبرز أدوات "القوة" – لا الجمال فحسب كما في القول الشائع - لدى المرأة، وذلك بعيداً عن خصوصيات استخدام الضعف من قبل بعض "المتلاعبات" من النساء، وبطبيعة الحال بمنأى تماماً ممّا يعكسه سلوك النساء على الطرف المقابل في غضون فئة تبدو أشدّ قوّة إلى حدّ الاستبداد والعدوانية بما يكاد ينفي عن المنتميات إلى تلك الفئة أية "شبهة" ضعف أنثوي.

وعلى الرغم من أن الضعف الأنثوي ظل على مدى التاريخ ذريعة يتوارى خلفها الرجل من أجل تبرير سيطرته على نطاق الحياة العامة (دون ممانعة من حوّاء بالضرورة، بل بمباركتها في كثير من الأحيان)، فإن ذلك لم يمنع سحر حواء من أن يظل فعّالاً عبر ضعفها، بل إن الضعف الأنثوي بدا كما لو كان المَنفذ الذي ينسرب منه سحرُ حواء بصورة أساسية مخترقاً صنوها اللدود آدم.

لم يكن الضعف الأنثوي إذن مجردة ذريعة ذكورية للسيطرة، وإنما برز بموازاة ذلك بوصفه أداة أنثوية من أجل الاستمالة/الاستعطاف/الإغواء العفيف في الغالب (وأرجو أن تجوز المفارقة في التعبير الأخير). بذلك، وجد الطرفان (حواء وآدم) ما يمكن وصفه بالمنفعة المتبادلة في غضون ذلك الإقرار الضمني بالضعف الأنثوي الذي يشتمل على الكثير من الدلالات شديدة المراوغة، دلالات من ذلك القبيل الذي يضع على لعبة القط والفأر/المرأة والرجل (ولا غاية بعينها من هذا الترتيب) التوابلَ اللاذعة التي ظلّت تمنح اللعبة الأزلية خصوصيتها الفريدة.

والحال كتلك، لم يكن الجمال وحده هو ما يبحث عنه الرجل في ضعف المرأة وإنما سحرها بأسره، دون أن يعلم تلك الحقيقة على الأرجح. أمّا حواء، فقد ظلّت مدركة تماماً أن ضعفها الأنثوي هو مكمن قوّتها إزاء آدم خصوصاً، وربما حصرياً؛ إذ قلّما يعمل سحر الضعف الأنثوي عندما تنفثه حواء على حواء.

وإذا كان معلوماً أن أبرز مظاهر الضعف الأنثوي الشائعة في خيال/وجدان الناس هي الضعف الجسدي بصفة عامة، فإن حواء تبلغ في هذا السياق مبلغاً فريداً من الدهاء عندما تستخدم سلاح الضعف الأنثوي النفسي/المعنوي بما لا يقلّ (كمّاً ونوعاً) عن استخدامها سلاحَ الضعف الأنثوي الجسدي؛ فحوّاء تبدو أقوى من الناحية النفسية في غير قليل من الصُّعُد، ولكنها تعمد إلى تأكيد ضعفها النفسي/المعنوي في مختلف المواقف بحيث يتآزر الضعفان الأنثويان (الجسدي والنفسي/المعنوي) فيشدّ كلٌّ منهما الآخر ترسيخاً لصورة ضعفها العام الذي تريد له أن يظلّ نافذ السحر لا تشوبه شائبة قوّة.

حتى على الصعيد الجسدي المحض، تُظهر حواء قدرات مذهلة على احتمال الألم بما لا يقلّ عمّا يبديه الرجال (خوفاً من الشماتة) بل وبما يفوقهم في كثير من الأحوال، ولكنها لا تتباهى بتلك القدرات الجسدية على احتمال الألم تباهياً فجّاً حرصاً منها على ألّا تجرح كبرياء صنوها الرجل ضمن المنطقة التي يزهو بقوته فيها؛ والأهم لأنها من الفطنة بحيث لا تدع تلك القوة (المستفزّة) تفسد عليها خطة دفاعها الوجودية المبنية أساساً على ترسيخ وترويج صورة الضعف الأنثوي الساحر على الصعيدين الجسدي والنفسي/المعنوي على حدّ سواء.

وحين تطالب حواء بحقها في خوض المجالات التي تتطلّب القوة الخالصة، فإن لسان حالها يبدو كما لو كان يقول: لا أحد يفرض عليّ ضعفي، أنا قوية وقادرة، ولا يملك غيري أن يرسّخ عنّي صورة الضعف كما يريد؛ سأنتزع حقي وأبرز قوتي ثمّ أروّجها بوصفها ضعفاً ساحراً على النحو الذي ينفعني ويرضيني.