عمرو منير دهب يكتب: هل تدعم حواء خلسةً الاستمرار في وضعها كأقلّيّة؟.. الفصل السابع من كتاب "جينات أنثويّة"

"ليس صحيحاً أن النساء جميعهنّ ملائكة، ولا وسط مستثنى من ذلك الصنف، حتى عائلتك. وهو صنف يؤذي الاحتكاكُ به صحتَك العقلية والنفسية والجسدية، إذ يعيق عملية تحقيقك لذاتك... هؤلاء النساء لا يستهلكن طاقتنا فحسب، بل يُثرنَ فينا إعصاراً من انفعالات هي مزيج من الحزن، الغضب، الإحباط، الشعور بالذنب، الخجل، والعجز. حتى إنّ بإمكاننا التحدّث هنا عن احتجاز عاطفي... قد لا يصف معظم المواقع والكتب عن التصرفات السامة سوى الرجال، لكن بعض النساء لا ينجو من هذا التوصيف. فقد نلتقي بالعديد من محترفات فن التلاعب اللواتي يستطعن إلحاق الأذى بك لفترة طويلة قبل أن تُسقط أقنعتهنّ. من الضروري إذن أن تتعلّم كشف هويتهنّ لكي تحمي نفسك منهن، فالأضرار التي يلحقنها بحياتك النفسية بعيدة عن أن تكون غير مؤذية. والسمّيّة تتخذ وجوهاً متعددة".

لا يخلو الكتاب الجريء المقتطف عنه من العديد من الفوائد النفسية والفكرية العميقة، لكن تمهيد مؤلفته له يبرزه في قالب كتب تطوير الذات المغلّفة بالوعود البرّاقة التي يمكن إجمالها في إغراء القارئ بمنحه مفتاح باب التغيير الجذري فيما يتعلّق بأيٍّ من جوانب حياته التي تؤرّقه، بل حتى تلك التي لا تؤرّقه ولكنه لا ينتبه إلى آثارها "المدمّرة في صمت".

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: المرأة بوصفها منتمية إلى أقلّيّة.. الفصل السادس من كتاب "جينات أنثويّة"

سنقف لاحقاً على نحو أطول مع "لسنَ جميعاً ملائكة"، بحسب الترجمة العربية الصادرة عن دار نوفل ببيروت سنة 2023 للأصل الفرنسي Toutes ne sont pas des anges للكاتبة والمعالجة النفسية الفرنسية Sylvie Tenenbaum سيلفي تيننباوم؛ فما يهمّنا هنا ليست صفات حواء الشيطانية (التي لا يسلم منها الرجال بطبيعة الحال) وإنما مسألة أشدّ دقة وخصوصية تتمثّل في دهاء حواء عبر تأكيد وضعها كأقلية والمنافحة من أجل الحصول على "حقوقها كاملة"، ثم العمل ببراعة/مكر/تحايل من أجل استمرار "تفعيل وضعية الأقلية" للإفادة من "الامتيازات" العديدة التي تحصل عليها جرّاء تلك الوضعية. إذن، وكما في السؤال عنوان هذا المقال، هل تدعم حواء بالفعل خلسةً الاستمرار في وضعها كأقلية أم أن ذلك محض خيال ومجرد افتراء من قبل البعض (من الرجال تحديداً) لا ينهض على أساس متين؟

قبل الإسراع من قِبل أيّ طرف إلى محاولة إثبات التهمة على المرأة أو نفيها عنها، قد يكون من الحكمة أن نتساءل عن مسؤولية الرجل على هذا الصعيد: هل يساهم الرجال في إبقاء النساء على وضعهن كأقلّيّة سواء عمداً أو من حيث لا يشعرون؟ تبدو الإجابة "نعم" بدرجة أو أخرى، فالرجل مهما يكن مدافعاً عن حقوق المرأة، بل خصوصاً عندما يكون من المؤمنين بقوّة بدعاوى المساواة بين الجنسين، يمنح المرأة دعماً عظيماً ويستمر في دعمه هذا كما لو كان قدَراً يجب ألّا ينقطع (أي ضرورة دعم المرأة باستمرار من أجل حصولها على المزيد من الحقوق التي تبدو كما لو كانت ضائعة/ناقصة إلى الأبد، وليس فقط على صعيد الحفاظ على الحقوق المكتسبة). ألا يشير هذا الصنيع (التلقائي في معظم الأحوال) إلى أن دعاوى المساواة نفسها غير دقيقة/غير متروّية (لا نقول غير منطقية أو غير مستحقة)؟ إذ ربما كان الأفضل لحواء نفسها أن تحظى بقسط أدنى من مسؤولية النهوض بشؤون الحياة العملية مقابل امتيازات عديدة تحصل عليها في المقابل أهمّها أن نهوضها بأيِّ من المسؤوليات على الصعيد العملي يُنعم عليها بأقدار مضاعفة من الثناء والتقدير قياساً بما يناله الرجل على الصعيد نفسه، والأكثر أهميّة أنها تحافظ على امتيازات الطرف المستضعف كاملةً لاضطلاعها بدور فاعل في الحياة العملية بموازاة مسؤوليتها العائلية في البيت.

والحال كتلك، وبصرف النظر عن السؤال حول مَن المسؤول عن استمرار الوضع على ما هو عليه، ما الذي يدفع المرأة إلى التخلّي عن هذا الوضع الحافل بالمزايا: تنال حواء الفرصة كاملة للقيام بكل ما يقوم به الرجل خارج المنزل، وتحصل في الوقت نفسه على امتيازات (مادية أو معنوية) فوق ما يناله الرجال لأنها تنهض أيضاً بمسؤولية الأعباء المنزلية، تلك الأعباء التي تنادي دعاوى المساواة بين الجنسين إلى اقتسامها مناصفة بين المرأة والرجل داخل البيت؟

ولكن حواء ليست ساذجة أو قليلة الحيلة بحيث تقف مكتوفة اليدين أمام أيٍّ من الأسئلة السابقة، فدفاعها التلقائي عن نفسها مفاده أن الرجل مهما يدّعِ الإيمان بالمساواة في النهوض بأعباء الحياة المنزلية/العائلية فإنه لا يقوم بالمشاركة الفاعلة بحيث ينجز "النصف" الذي يخصّه من مسؤولية الأعمال المنزلية على الوجه المطلوب، وإذا جاز أن الرجل في بعض الأحيان يصرّ على (أو يُدفع دفعاً إلى) إتمام النصف الذي يخصه من أعمال المنزل "كاملاً" فإنه ينجزه شكلاً بحيث يحتاج ذلك النصف إلى إعادة إنجاز من قبل المرأة، إن لم يكن بصورة شاملة فعلى الأقل بصورة واسعة النطاق؛ وبصفة عامة قلّما تسلم مساهمات الرجل في النهوض بالأعباء المنزلية من تدخلات حواء، على الأقل من أجل التصحيح/الضبط الدقيق fine-tuning، وذلك بحسب وجهة نظر المرأة بطبيعة الحال، ولكنها وجهة نظر لا يبدو أن الرجل يملك ما يلزم من الحجج ومن الإرادة ابتداءً للرد عليها.

وإذا كان معروفاً أن العدل هو الكلمة الأدق في الإشارة إلى توزيع الحقوق على النحو الأمثل، باعتبار أن كلمة العدل لا تشير حرفياً إلى المناصفة – كما تفعل كلمة المساواة – وإنما تعني اكتساب كل طرف ما هو مستحق ومستعد له استناداً إلى وضعه/طبيعته/فطرته، فإن المرأة لا تقاوم أمراً على هذا الصعيد مثل مقاومتها هذا المنطق؛ ليس لأنها ابتداءً تراه فاسداً بل لأنها تخشى أن تكون تلك "كلمة حق يراد بها باطل"؛ فحواء تخشى أن يستغل الرجال ذلك المنطق فيقنّنون سلبها الكثير من "حقوقها" باعتبارها غير مهيّأة لها فطرياً.

حتى اللحظة، وبرغم كل ما تحقّق على صعيد اكتساب/انتزاع المرأة الكثيرَ من حقوقها التي افتقدتها على مرّ القرون، فإن الجدال لا يزال حامياً في هذا الصدد بدرجة أو أخرى باختلاف المجتمعات وبما لا يسلم منه مجتمع مهما يبلغ من التقدّم، وذلك بموازاة تداول السؤال الذي يجسّده عنوان هذا المقال خلسةً: هل تسعى حواء إلى تأجيج معركة المساواة بين الجنسين لاستمرار الإفادة من الامتيازات التي تعود عليها من وضعها كطرف مستضعف لا يزال ينافح من أجل حقوقه في أتون تلك المعركة؟ ربما كانت الإجابة على هذا السؤال أسهل على كل حال عبر الإجابة على السؤال التالي: ألا يبدو الجانب الأعمق من جمال/قوة/سحر المرأة كامناً في ضعفها؟