نتفليكس تقدم "كل الضوء الذي لا يراه" أطفال غزة!

في مطلع نوفمبر، طرحت منصة "نتفليكس" للبث التدفقي مسلسلًا قصيرًا بعنوان "كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته - all the light we cannot see" المستوحى من الرواية الحائزة على جائزة "بوليتزر"، للكاتب أنتوني دور، والتي تحمل نفس الاسم، وتحمل في طياتها الكثير من المشاعر النبيلة الداعمة للطفولة والسلام والحب، والمُدينة لكل من يمس بأحلام الطفولة، ناهيك عن أرواحهم!


أطفالنا وأطفالهم يستحقون الضوء!

تدور الرواية حول طفلين فتاة فرنسية عمياء، وصبي ألماني يتيم، يكبران على صوت "الأستاذ" الذي يبث الأمل والعلم عبر المذياع على موجة لا تصل إليها أيادي النازية الكارهة للعلم والتفكير والسلام، وعلى عكس ما يدور حولهم من كراهية بين البلدين بسبب الاحتلال النازي لمدينة الفنون، تنشأ بينهما قصة حب رابطها معلمهم الذي يموت ويترك بداخلهم الكثير من المعاني الإنسانية التي زرعها بداخلهم دون قصد منهم.

المسلسل يعرض بالتزامن مع دعوات مقاطعة المنصة المناهضة لإسرائيل، للدولة المارقة التي تسير على كتاب التعليمات النازية للتطهير العرقي لأطفال غزة، وتظهر خلال الأحداث الكثير من الملامح المتشابهة تمامًا لما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية من تدمير دولة وقتل مواطنيها، وحتى محاولات التعتيم على الحقيقة وفصلهم عن العالم كي لا يتحدث عنهم أحد، ومحاولات المقاومين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لنقل الحقيقة كما كانت تفعل "ماري" و"الأستاذ" عبر المذياع.

الفيلم يدين بشكل واضح قتل النساء والعجائز والأطفال، ففي مشهد صريح، حاولت إحدى عضوات حركة المقاومة الفرنسية قتل الجندي الألماني الذي كان طفلًا من أشهر قبل تجنيده لبراعته في فك وتركيب آلات البث، على الرغم من انقلابه على قائده وقتلهم إيمانًا منه بضرورة حماية حياة "ماري" التي كانت تبث عبر نفس الموجة التي تربى عليها على صوت الأستاذ، وكفرًا منه بآلات الحرب وأسبابها.

لم تغفر المقاومة للجندي تسببه في قتل الأطفال حيث سألته المحققة معه "كم طفلًا وامرًاة ومسن قتلت؟ لقد كنت سببًا في الوصول إلى مئات الفرنسيين وإعدامهم"، ولولا القصف البري للقوات الأمريكية الذي تصادف مع ضغطها على الزناد كان مات بأيدي المقاومة، التي لها كل الحق في الدفاع عن بلدها.

لنجد هنا أنفسنا أمام سؤال هام.. هل أطفالهم غير أطفال غزة؟ هل تؤمن المنصة بأن أرواح الأطفال الطاهرة غالية ويجب الحفاظ عليها وتوقف الحروب وتصويب دانات المدافع اتجاههم جميعًا؟ أم أن لأرواح أطفالهم أثمانًا أغلى؟ أليس ذلك هو الفكر النازي الذي تحاربه المنصة في مسلسلها القصير؟ والكثير من الأعمال الأخرى؟

"فوضى" و"فرحة".. وازدواجية المعايير

لعل تلك ليست المرة الأولى التي تزدوج فيها معايير المنصة فيما تقدمه ضمن عروضها سواء كانت الأصلية أو المشتراة، ففي أزمة شهيرة حدثت بين المنصة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول للحرب الإسرائيلية على سكان غزة، غامرت الشبكة بطرح فيلم "فرحة" الذي يعكس الحقيقة المخزية للجنود الإسرائيليين بأنهم وحوش وقتلى، ففرحة فتاة فلسطينية قروية كانت شاهدة على مذابح الإسرائيليين لأهلها وقت النكبة، والجرائم التي ارتكبوها ضد النساء والأطفال والشيوخ، وذلك عكس ما تصوره المنصة عبر سنوات عن "الجندي الإسرائيلي الإنسان"، و"المواطن الفلسطيني الإرهابي".

نرشح لك: "فرحة".. قصة حقيقية من قلب المعاناة الفلسطينية

عرض "نتفليكس" لـ"فرحة" وبعدها عرض "MO" الذي يتحدث عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين في أمريكا، أوقد فتيل أزمة بين الإسرائيليين والمنصة، والتي تداركتها سريعًا، باعتذار غير رسمي، تضمن إضافة عدد كبير من البرامج والمسلسلات والعروض الأصلية الإسرائيلية، التي تعكس الفكر الإسرائيلي، وتغرس أفكارهم في عقول المشاهدين، مما جذب مواطني إسرائيل لإعادة الاشتراكات من جديد على المنصة، بعدما كانوا قد عطلوها اعتراضًا على عرض المنصة للرواية الفلسطينية حتى وإن كان عرضًا هزيلًا، لا ينقل 1% من الجرائم التي تُرتكب يوميًا ضد الفلسطينيين على أرضهم من المحتل.

نتفليكس أصبحت إسرائيلية رسميًا!

وتلك العروض ليست غريبة على نتفليكس، فالغريب كان عرض وجهة النظر الأخرى التي تفند الرواية الإسرائيلية الكاذبة، والتي عملت على نشرها لسنوات، فـ"نتفليكس" منصة إسرائيلية الهوى، فبالبحث عن كلمة إسرائيلي أو إسرائيل ستجد المئات من الأعمال التي تتحدث عن الدولة المظلومة وسط العرب! واليهود المنبوذين وسط جيرانهم، وبالطبع ذكريات الهولوكوست الأليمة! وسنوات الشتات والاضطهاد.

فمثلًا المسلسل الإسرائيلي الأكثر شعبية على "نتفليكس" والذي تم إتاحته لـ190 دولة، يمكن لسكانها مشاهدته، منها الدول العربية جميعًا حيث تم تقديمه بعدة ترجمات ومنها العربية، يصور المقاومة الفلسطينية على أنها مجموعة من الإرهابيين، وليس المقاومة فقط الحقيقة، بل كافة المواطنين الفلسطينيين، إما إرهابيين أو مواليين للحكومة ويرفضون المقاومة!

وتدور أحداث "فوضى" حول فرقة "المستعربون" وهم فريق عمليات خاصة تابع لجهاز الأمن الإسرائيلى، يتقنون اللغة العربية ويعيشون كعرب، يصطنعون "الفوضى" داخل الأحياء الفلسطينية للقبض على أفراد المقاومة المشاغبين أو "الإرهابيين" كما يصورهم العمل، وكغيره من الأعمال الإسرائيلية، تركز الأحداث على استعراض إنسانية الجندي الإسرائيلي مقابل توحش المواطن العربي، والأمر نفسه في "الجاسوس" الذي يتناول قصة حياة إيلي كوهين، وكذلك "منتجع البحر الأحمر للغوص" الذي يتناول مساهمات الموساد الإسرائيلي في تهريب عدد من اليهود الأثيوبيين والأفارقة لأوروبا لحمايتهم من التنكيل في بلدانهم!

كل تلك العروض، وأكثر، من التسهيلات التي تقدمها "نتفليكس" لمشاهدتها المحبب في إسرائيل، دفعتها للاعتراف في مرة بإسرائيليتها، عبر موقعها الرسمي، في عنوان مقال تضمن محتواه بعض تسهيلات المنصة لمشاهدة سعيدة لمحتواها في إسرائيل، وكانت الترويسة "الآن.. نتفليكس أصبحت حقًا إسرائيلية".

إلى نتفليكس.. هل لا يستحق أطفال غزة الضوء؟

في الختام، وبالتزامن مع دعوات المقاطعة العربية المتصاعدة ضد نتفليكس، نتساءل لم لا يحق لأطفال غزة رؤية: "كل الضوء الذي لا نراه"؟ ولم لا يعبر العمل الفني البديع حقًا، في حواره وتصويره وحتى التمثيل، عنهم أيضًا؟ لم تدعم المنصة أطفال الحروب الأخرى ولا تدعم من يموت منهم مائة ونيف كل ساعة؟