"فرحة".. قصة حقيقية من قلب المعاناة الفلسطينية

رباب طلعت

وسط غضب عارم من الإسرائيليين، طرحت “نتفليكس” الفيلم الأردني “فرحة”، على منصتها، والذي يتحدث عما فعله جيش الاحتلال في القرويين الفلسطينيين إبان النكبة عام 1984.

فيلم “فرحة” للمخرجة الأردنية ذات الجذور الفلسطينية دارين سلام، ومن إنتاج ديمة عازر وآية جردانه، وبطولة كرم الطاهر، مؤدية شخصية فرحة، بجانب أشرف برهوم، علي سليمان، تالا قموه، سميرة الأسير ومجد عيد.

نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: فضل ونعمة.. كوميديا تبحث عن التريند

والفيلم يمثل المملكة الأردنية في الدورة الـ95 لجوائز الأوسكار لعام 2023، وقد حصد العديد من الجوائز أبرزها، جائزة لجنة التحكيم في مهرجان مالمو بالسويد، وجائزة العمل الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي لأفلام البحر المتوسط، وجائزة الاتحاد الأوروبي كأفضل فيلم يورو متوسطي يتناول قضايا المرأة من دول الإتحاد الأوروبي وحوض البحر المتوسط، بالإضافة إلى 3 جوائز في مهرجان أسوان الدولي بمصر، وهي أفضل مخرجة وفيلم وممثلة، كما حاز الفيلم أيضاً على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2021، وغيرهم، حيث جال أكثر من 40 مهرجانًا دوليًا.

فرحة.. قصة وطن مغدور

فرحة، تلك الفتاة الصغيرة البالغة من العمر 15 عامًا، وتجسدها كرم الطاهر، التي تخوض تجربتها الفنية الأولى من خلال تلك الفتاة الريفية المليئة بالأمل والحماس والطموح، تسعى لأن تكسر قواعد القرية في تزويج الفتيات ومنعهن في التعليم، وتطمح لأن تتعلم في المدينة لتعود وتفتح مدرسة للفتيات فقط، وترفض الزواج من ابن عمها لأجل ذلك، تنهار أحلامها فجأة ويتبدل واقعها وعالمها الواسع الذي ترسمه في خيالها إلى غرفة ضيقة مغلقة عليها تصارع فيها وحدة موحشة وانعزال قاتل.

نفس ذلك التبدل في الأحوال، كانت فلسطين المنكوبة، فلسطين التي ودعت الاحتلال الإنجليزي بأمل كبير جسدته المخرجة، في مشهد فرحة والأطفال وهم يلقون الحجارة على قوات “الإنجليز” كما وصفوهم فرحين بطردهم من وطنهم الذين ظنوا أنه حر كـ”فرحة” تمامًا، إلا أن الحال يتبدل ويغتال اقتحام الصهاينة للقرى الفلسطينية أحلام الوطن الذي بات أسيرًا في غرفة الاحتلال المظلمة، يصارع الموت.

ثقب الغرفة المظلمة.. شاهد على العصر

في تلك الغرفة المغلقة بباب خشبي يخفيه طبقة أسمنتية صنعها والد “فرحة” المختار الذي قرر أن يحمي ابنته به، من بطش المحتل الغادر الذي ينتهك الأرواح والأعراض والأرض، تحاول فرحة فتحه، ولكنها تفشل إلا بإحداث ثقب شاهدت من خلاله عملية إبادة لأسرة دخلت للاحتماء في حوش منزلها، ليساعد زوجته على وضع وليدها بمساعدة ابنتيه، فيقتحم أفراد من قوات الهاجاناه المنزل، بحثًا عن الأسلحة، فيغتالون الأسرة برصاصهم، تاركين ورائهم الرضيع على الأرض يصارع الموت جوعًا، لتحاول فرحة بكل ما أوتيت من قوة كسر ذلك الحاجز لإنقاذه وتهدهد له بأغنية من التراث الفلسطيني إلا أن صوته يختفي معلنًا موته، ولكن أمل فرحة لا يموت، فخرجت من مخبأها، لتشق طريقها هاربة من قريتها التي سكنها أشباح أهلها، وقبل أن تذهب، ذهبت لمرجوحتها المفضلة جلست عليها قليلًا، وكأنها دلالة على تأرجح أحوالها، وسارت إلى أن وصلت للأراضي السورية، لتروي قصتها لجدة مخرجة العمل، التي روته لابنتها، وأخيرًا وصلت القصة للحفيدة دارين سلام والتي قررت أن تنقلها للعالم كي لا تموت قصة فرحة الشاهدة على جرائم الاحتلال.

الخيانة مرتين!

فرحة، لم تشاهد فقط جرائم الاحتلال من ثقب غرفتها، ولكنها شاهدت الخيانة أيضًا، فمن قاد الجنود إلى منزل والدها المختار، كان شقيق زوجته التي حلت محل أمها بعد وفاتها، ذلك الرجل الذي كانت تنظر له بتقدير كبير، لأنه كان يحاول إقناع والدها بتلبية رغبة ابنته وتحقيق حلمها في التعليم، مادحًا إياها ومشيدًا بذكائها، لتعتبره مصدر أمان لها، وسندًا وعونًا، ولكنها لم تتخيل أنه هو من غدر بها وبأحلامها أولاً وخان أحلام وطنها كله ثانيًا، فهو من كان يقودهم إلى مخابئ الأسلحة في القرية التي كان يحتفظ بها المناضلين ضد احتلال وطنهم.

سلاح فرحة!

عند خروج فرحة من مخبأها، كانت قد وجدت الكثير من الأسلحة وسط المؤن، التي ساعدتها الأطعمة المجففة بها أن تحافظ على حياتها لأيام، فأخذت معها سلاحًا لتحمي نفسها، ولكن الحقيقة أن ما حمى فرحة هو الأمل، فليس السلاح هو من أمن خروجها من وراء الجدار الأسمنتي، ولا هو من أوصلها إلى أرض سوريا، ولكنه الأمل وحده الذي لا يموت في فرحة، وفي وطنها.