فرقة مسرح رمسيس.. 5 علامات مهدت الطريق للريادة

مسرح رمسيس

نقلا عن مجلة الهلال

محمد عبد الرحمن

رقم المائة جذّاب ولا شك، أن يمر 100 عام على إطلاق كتاب شهير أو ميلاد مثقف بارز أو تكوين فرقة مسرحية أو تأسيس كياني فني، هو أمر يستحق الانتباه لكن الاحتفاء لا يكون إلا لمن حقق الريادة وظل صدى صوته يتردد بين جنبات الحياة الفنية والثقافية حتى لو انتهى المشروع على الورق ورحل مؤسسوه.

وهو ما يطرح السؤال الأساس الذي نحتفي بناء على إجابته بمئوية فرقة مسرح رمسيس: ما الذي اختلف في طريقة تكوين هذه الفرقة فجعلها تؤثر في تاريخ المسرح المصري ومن ثمّ شارع الفن بكل روافده حتى بعد مرور 100 عام على فتح أول ستارة؟ ولماذا لم نحتف بنفس القدر بفرق مسرحية سبقت يوسف وهبي ورفاقه، وربما لن نكترث لمئويات مقبلة لفرق ظهرت بعد 11 مارس 1923، حيث تاريخ العرض الأول لمسرحية “المجنون” أولى إنتاجات فرقة مسرح رمسيس على خشبة مسرح سينما “راديوم” بعماد الدين؟

نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: رومانسية “كمال وروقة” التي لم يفهمها “الفيمينست”

الذي اختلف فيما يخص تكوين فرقة “مسرح رمسيس” يمكن رصده عبر 5 علامات أساسية ميّزت هذا المشروع منذ بدايته، رصدها الدكتور علي الراعي في كتابه القيّم “المسرح في الوطن العربي” – عالم المعرفة 248 – وتناولها أيضا الدكتور حسن عطية في مقال له نشرته مجلة “الكواكب” واطلعنا عليه عبر الموقع الرسمي لأكاديمية الفنون، بالإضافة لحوار إذاعي نادر للفنان الكبير يوسف وهبي.

أولا: نبدأ بعلامة قد يقول البعض الآن إنها “بديهية” لكن القائل يغفل تاريخ نشأة هذه الفرقة، حيث بدايات عام 1923 وقتها لم تكن الفرق المسرحية والترفيهية قد عرفت نظام الإدارة المحكم، وهو ما جعل د.علي الراعي يصف فرقة رمسيس بأنها “أول فرقة نظامية”، حيث صمّم يوسف وهبي العائد من دراسة المسرح في ميلانو على تطبيق قواعد المسرح الصارمة سواء على الجمهور أو أعضاء الفرقة، أي الافتتاح في المعاد المعلن وإضفاء القدسية على الدقات الثلاث الشهيرة، وبالتالي لا بد من إدارة مُحكمة تسيطر على كل الفنانين وتلزمهم بالتواجد في الموعد المحدد، الأمر الذي يشير إلى أن الفرق المسرحية قبل “رمسيس” لم تكن تحترم المواعيد، وكانت تعمل بشكل عشوائي ربما يناسب نوعية الجمهور، فيما نجح يوسف وهبي ورفاقه في جذب فئات مختلفة من الجمهور، وهو ما ساهم في وصول العروض العالمية ونجاح تمصيرها وتكوين حركة نقدية مناسبة لما تقدمه فرقة رمسيس.

 

ثانيا: شدد يوسف وهبي أكثر من مرة على أنه اهتم للغاية بالملابس والديكور والإضاءة والموسيقى (كانت الفرقة هي الأولى التي يستمع الجمهور لعزف موسيقي حي قبل بدء العروض)، الأمر الذي يجعلنا نتخيل كيف كان شكل عروض الفرق الأخرى إذا كان عميد المسرح العربي يتفاخر في مذكراته وحواراته الإذاعية بأنه حرص على أن تكون العناصر الفنية المختلفة للعرض في أبهى صورة ومتمتعة بأكبر قدر من الاحترافية، وهي علامة تجعل فرقة مسرح رمسيس رائدة في وضع الأسس الفنية السليمة لفن المسرح في مصر، كما كانت رائدة فيما يتعلق بالجانب الإداري واحترام الجمهور حسب ما جاء في أولا.

 

ثالثا: عندما نقرأ أسماء الممثلين الذين انتقاهم يوسف وهبي وعزيز عيد في البداية ومن انضموا لهم لاحقا، نقف عند علامة أساسية وهي حسن اختيار أعضاء الفرقة من أبرز المواهب التمثيلية التي كانت متواجدة في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الفن المصري؛ أسماء مثل روز اليوسف، وحسين رياض، وأحمد علام، وفاطمة رشدي، وزينب صدقي، وأمينة رزق، وانضم لفترة مؤقتة جورج أبيض ودولت أبيض، وستيفان روستي، ومختار عثمان، وحسن فايق، وحسن البارودي، وغيرهم ممن سطع نجمهم في السينما المصرية خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات، ما يؤكد تكاملية الفريق وعدم الاعتماد على نجومية وكاريزما يوسف وهبي بمفرده، وهو ما تأكد عندما تعثرت الفرقة وتم تكوين الفرقة القومية للتمثيل (فرقة المسرح القومي فيما بعد) بالاستعانة بمعظم عناصر فرقة رمسيس المسرحية، أي أننا أمام فرقة هي النواة الأولى لفن المسرح الدرامي الجاد في مصر، وبالتالي في المنطقة العربية كلها.

رابعا: من بين الممثلين الذين رصدهم مؤرخو المسرح المصري كعضو في فرقة رمسيس “إدمون تويما” الذي اشتهر في السينما المصرية بشخصية الخواجة، ولمن يريد أن يتذكره نرجعه لمشهد وظيفة عازف البيانو الشهير بفيلم “الأيدي الناعمة” مع أحمد مظهر، هنا ينطلق سؤال: هل كل عروض الفرقة كان تحتاج لشخصية “خواجة”؟ غير أن تاريخ الفرقة يجيب بأن “تويما” لم يكن مجرد ممثل، وإنما عضو في لجنة القراءة والتمصير، أي أن فرقة رمسيس تكوّن بداخلها لجنة قراءة هي الأولى في تاريخ المسرح المصري كان لها جناحين؛ أولهما إعداد النصوص الأجنبية الصالحة للتمصير، والثاني وهو من مهام إديمون تويما أيضا السفر إلى باريس كل عام لمشاهدة العروض الجديدة التي لم تصل نصوصها بعد لشارع عماد الدين، لتكون هذه العلامة دلالة على أن الفرقة لم تقدم نصوصها بعشوائية وبدون خطة مسبقة، ولهذا لا نتعجب رقم 300 مسرحية الذي قدمته الفرقة في حوالي 10 سنوات، وتحول العديد منها إلى “كلاسيكيات” تعيد الفرقة تقديمها في مصر وخارجها كلما طلب الجمهور ذلك.

خامسا: يضاف لكل ما سبق استحداث طرق دعاية لم يعرفها جمهور المسرح المصري قبل فرقة رمسيس سواء كانت هذه الدعاية في الصحف والمجلات، أو ملصقات الشوارع، إلى جانب عرض صور الممثلين بالفانوس السحري في مدخل صالة المسرح الذي تمتع بنظافة فائقة حيث منع دخول المأكولات والمشروبات إلا في أماكن مخصصة. وتوازى مع ذلك استقطاب عدد من المفكرين والمثقفين ليكونوا نقادا للفرقة وداعمين لها في الصحف الكبرى في ذلك الحين، من أمثال الدكتور طه حسين والدكتور محمد حسين هيكل وعباس العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني ومحمد التابعي. وبالتزامن مع انطلاق الفرقة صدرت مجلات متخصصة في النقد المسرحي منها التياترو ومجلة المسرح.

بناء على كل ما سبق، نحن لا نحتفل بمئوية فرقة مسرح رمسيس لأن مؤسسها هو يوسف وهبي النجم الساطع طوال معظم عقود القرن العشرين، ولا لأنها قدمت عروضا ناجحة لا يزال معظمها لامعا في ذاكرة المسرح المصري رغم مرور 100 عام، وإنما لأنها بالأساس نموذج مثالي لدليل عنوانه “كيف تؤسس فرقة مسرح ناجحة” كما أكدت العلامات الخمس أعلاه.

نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: أفلام العيد لن تمثلنا في الأوسكار

مسرح رمسيس