السحر الأونلاين.. التكنولوجيا تصل للدجالين والإعلاميين!

إيمان مندور التكنولوجيا التكنولوجيا التكنولوجيا

“الدنيا اتطورت حتى السحر شكله اتطور.. يعني دلوقت ممكن شخص يسحر لشخص عن طريق مكالمة أو رسالة نصية أو صورة على الواتساب أو أي وسيلة تواصل، بتبقى الرسالة في داخلها السحر وبتؤذي الإنسان بمجرد ما يقرأها ولو بعينيه.. مش شرط باللسان”.

ما سبق هو محتوى فيديو شاهدته قبل قليل لأحد الإعلاميين عبر حسابه على تيك توك، حيث استضاف شيخًا (غير معروف) يتحدث عن السحر وطرقه الحديثة، وكيف أن التكنولوجيا ساهمت في الأمر وسهّلت اصطياد الضحايا بالسحر الأونلاين!

@tamershaltout أغرب من الخيال…أصعب انواع السحر عن طريق رسايل الموبيل!!!شاهد أسرار تكشف لأول مره#تامر_شلتوت #trend #explor #tiktok #مصر #كفى_تنمرا_حاور ♬ الصوت الأصلي – tamer shaltout

وبمتابعة ردود فعل الجمهور على الفيديو، نجدها متباينة كالعادة، فالبعض يؤيد ذلك، ويصدقه، ويستعذ بالله من أصحابه، وهو أمر متوقع بالطبع نتيجة طبيعة المجتمع وعلاقته المتأصلة بالحسد والسحر والشعوذة، بينما البعض الآخر لم يخل الأمر لديهم من الفكاهة المعتادة للمصريين، فتساءل بعضهم ساخرًا: هل في حال وضع السحر داخل فلاشة سوداء يصبح سحرًا أسودًا؟ والبعض الآخر انشغل بمدى إمكانية إرسال السحر بالإيميل لفريق العمل بالكامل أم يشترط إرساله منفردًا لكل شخص بما فيهم المدير، وأيهم مفعوله أقوى السحر بصيغة pdf أم word أم صورة jpg؟ وهل رسائل فيس بوك أقوى في جلب الحبيب أم إنستجرام وستوريهاته الجذابة من المصيف؟!

بقدر ما يدعو الأمر للضحك والسخرية بقدر ما يدعو للأسى في الوقت ذاته، لأن ما فعله تامر شلتوت، صاحب الفيديو المشار إليه – وصاحب الموهبة المحدودة في الإعلام والتمثيل – ما هو إلا تدرج منطقي لثقافة السحر والخرافات التي يروج لها كثير من الفنانين في السنوات الماضية، وبعض الإعلاميين في مقدمتهم صاحبة حلقات فتيات الجن الشهيرة، وبعض الرياضيين في مقدمتهم رئيس النادي الذي لا تخل مبرراته لهزائم الفريق من الحديث عن الدجل والسحر والشعوذة والتضليل والفضائح.

الفيديو المشار إليه عن أحدث صيحات الموضة في السحر الأونلاين، يكشف مدى مواكبة الدجالين لتطورات العصر وأدواته، ومدى اختلاف الناس في تصديق الغرائب والأعمال السفلية بشكل لا تكاد تميز فيه عالم من جاهل، غني من فقير، مشهور من مغمور، الجميع يفاجئونك بحقيقة إيمانهم بمثل هذه الأمور، فقد تجد مشهورًا مثقفًا (أو هكذا نعتقد) يؤيد ما ورد في فيديو الشيخ والإعلامي ولا يستبعده، بينما المواطن العادي قد لا يقتنع بالأمر على الإطلاق.

وبعيدًا عن الجانب الفكاهي في رد فعل الجمهور، والذي يعد الإيجابية الوحيدة في الأمر، إلا أن هذه التطورات العبثية في الواقعة لا يمكن تناولها قبل الإشارة لأمرين..

الأول: شجاعة محدودي الموهبة

فلو أن هناك مقياسًا واحدًا لجودة تقدم المجتمعات لكان مدى انتشار محدودي الموهبة على رأس المجالات المختلفة، فكلما زاد الانتشار كلما قلَّ التقدم والعكس، لأن المجتمعات الحقيقية لا تُبنى على أنصاف المواهب. وبالتالي ما يفعله هذا الإعلامي محدود الموهبة يضر أكثر مما ينفع، فبمتابعة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي نجدها تحوَّلت في الآونة الأخيرة لفيديوهات ولايفات عن حوادث وجرائم وتريندات بنفس طريقة أداء بعض المواقع الإلكترونية، فيما يتم انتقاده تحت مسمى “فوضى البث المباشر”.

لذلك وسط كل القضايا السياسية والاقتصادية والصحية والفنية والرياضية والاجتماعية والدينية التي تتصدر المشهد المصري في الآونة الأخيرة، عندما نجد مشاهير بعينهم يركزون على أمور الدجل والشعوذة، فلا يمكن أن نسمي الأمر إلا “سفاهة مهنية”. الأمر لا يرقى للوصول لدرجة “خطأ مهني”، بل هو سفاهة البحث عن تريند بالخرافات.

الثاني: استمرار جدلية السحر والغيبيات

في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي وصلنا له حتى الآن، وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها العالم، وليست مصر فحسب، ينبغي أن يكون التفكير في مثل هذه الأمور شيئًا يخجل منه المرء. إنسان القرن الواحد والعشرين يفترض أن يكون خلاصة لمسيرة إنسانية طويلة، يكون ذهنه فيها قد نما بما يتناسب مع إنجازاته التكنولوجية الهائلة، لا أن يقول فلان ربطني وعلان فكني، وجن لبسني وجن مسني!

والمشكلة لا تكمن أبدًا في فكرة الإيمان بالشيء من عدمه بل في نتائج هذا الإيمان، لو كانت النتائج تصل بك للحد الذي تقتنع فيه بأن أحدهم يمكنه تدمير حياتك بمس ولبس وفك وربط، فأنت في خطر لن ينته إلا بتغيير طريقة تفكيرك أو بالتوجه لأقرب طبيب نفسي.

وللأسف المجتمع لا يزال غارقًا في هذه الأمور بلا خجل. ولا يبدو أن الأمر مرتبط بالمستوى الاجتماعي والثقافي، لأن انتشار الحديث عن السحر والشعوذة بين المشاهير في البرامج واللقاءات الصحفية يدل على أن الأمر أكبر من فكرة ربطه بمستوى أو فئات معينة، خاصة أنه أصبح يتم استغلاله لجذب المشاهدات والتريند بشكل فج.

في النهاية، الفيديو المشار إليه عن السحر الأونلاين يصلح لأن يكون مؤشرًا مهمًا لأمور كثيرة، أهمها إدراك العلاقة الطردية بين الإيمان بالخرافات والقضاء على الإبداع، والعلاقة ذاتها بين الإيمان بالله من جهة والإيمان بالسحر وكشف الطالع والبحث عن الغيب في قراءة الرمل والحجر من جهة أخرى، فكلما انعدم إيمان المرء بالله كلما زاد إيمانه بما سواه من هذه الأمور.. حتى وإن ادعى أمام الجمهور أنه مثقف أو إعلامي أو فنان!

نرشح لك: في اليوم الأول لقمة التعليم الإبداعي.. نقاش حول أهمية التكنولوجيا في العملية التعليمية