فادي عاكوم يكتب: المقاومة الجميلة

كان من حسن حظي أو هدية من الرب عز وجل، أن تتوطد صداقتك بأحد معارفي، لكني تفاجات وبعد أشهر من لقائنا الأول بأنها تعاني من مرض السرطان اللعين الذي تحاول مقاومته منذ عقدٍ وأكثر، فحمدته حمدا جميلا لأن الصداقة التي جمعتنا كانت قبل معرفتي بالأمر وإلا لكانت العلاقة تحولت إلى نوعًا من التعاطف أو الدعم.

مع الوقت وجدت أنني أمام امراة مقاومة، نعم فالمراة المقاومة ليست فقط من تحمل سلاحا أو تدعم فصيلا أو قضية لتحقيق هدف ما، لا فالمقاومة الحقيقية هي مقاومة واقع فرض إنسانيا وجسديا وحتى اجتماعيا، وتأكدت من فكرتي حين تيقنت أنها خلال فترة قصيرة جدا استطاعت تحويل حياتها من انكسار مزمن إلى تطلع إلى الغد المشرق رغم كل شيء.

نرشح لك: الجمع بين مجالين: الفصل الثامن والعشرون من كتاب لوغاريتمات الشهرة

واتيقن يوما بعد يوم أن هذه الإنسانة صاحبة القلب الصافي والروح الراقية تحاول القيام بكل ما هو جميل، كالكتابة والرسم وتطوير الذات للتعويض عما فات، وبالفعل نشرت عملين أدبيين ورسمت غلافات كتب وتقوم بتطوير مهاراتها بشكل يومي لتصل الى هدف حددته بنفسها لم يحدده لها أحد أو يجبرها عليه.

تظن “هي”، أني ومجموعة من الأصدقاء نشكل لها فريقا للدعم في حربها مع المرض اللعين، لكنها لا تعرف أنها هي التي تشكل عاملا نفسيا داعما لنا في تخبطاتنا اليومية والتي قد تسيطر علينا وقد تكسرنا وتحبطنا في الكثير من الأحيان، وجميعنا بصحة جيدة ووضع نفسي واجتماعي يعتبر مقبولا على أقل تقدير.

تختفي لأيام خلال معاركها مع تداعيات المرض والجلسات الأسبوعية مع العلاج، وتكون خلالها تعاني من أقسى ألم قد يتصوره إنسان وأقصى درجة للاحتمال تتحملها بشغف، ورغم قلقنا على حالتها إلا أنها تنهض من تحت ركام الأدوية التي تحاصرها بعد اتصال أنها بخير، لتظهر بابتسامة بريئة رقيقة وأحاديث لا تنتهي حتى تدفعك للظن والشك إذا ما كانت فعلا تدعي المرض أو تعاني منه، في وقت نمر جميعا بأيام قاتمة وسوداوية تسيطر علينا فيها الأفكار الحالكة، فتدفعك طوعا إلى تغيير مسار تفكيرك للاقتصاص من الحياة والاستفادة من كل ثانية تمر في عطاء وفرح وبذل كل ما هو مستطاع لتنفيذ كل الطموحات والآمال مهما كان حجمها ونوعها وهدفها.

لا أعلم تحديدا لماذا لا أريد أن أكتب اسمها لارفق كلماتي بسيرتها الذاتية الرائعة، ربما لأني أريد منها أن تكون أيقونة جميلة ليس فقط للنساء اللواتي يعانين من أمراض وضغوط ومصاعب، بل لكل إنسان يظن أنه وصل إلى نهاية الطريق، فأنا مثلا ربما كنت استسلمت رغم عشقي الكبير للحياة.

فيا صديقتي أنا احترمك وأجل كل ما تقومين به، وأشكرك من أعماق قلبي على ما قمتي به من أجلي ومن أجل غيري ممن يتواصلون معك لنطمئن على حالتك ومعرفة أخبارك، فأنت أصبحتِ أيقونتنا الجميلة التي نُجمل بها يومنا مع طلوع كل فجر جديد يطل علينا، والذي قد يكون الفجر الجديد الاخير.

علمتيني أن أشكر الرب على كل يوم جديد وأحمده على الهدية وأسعى للاستفادة منها لأنها قد تكون الأخيرة، فانجز ما أحلم به وأسعى إليه حتى لا يفوتني الوقت القصير الذي نعيشه.

شكرا لك صديقتي
والرب معك في معاركك الأسبوعية على أمل الانتصار في الحرب.