مصر التي في خاطري بعيون محمد دياب

مروة سامي
محمد دياب
النهاردة هو موعد عرض الحلقة الأخيرة من “فارس القمر.. Moon Knight”. مشاعر مختلفة معقدة تجتاح عقلي وقلبي عندما أشاهد حلقات المسلسل من إنتاج ستوديوهات مارفل، دهشة، فضول، فخر، متعة، ترقب، وإحباط كمان لانتهاء عرض المسلسل.

عمري ما حبيت أفلام ومسلسلات استوديوهات مارفل باستثناء “واندا فيجين” لأسباب يمكن طرحها بمقال منفصل.. بعكس ابني (16 سنة) هو وكل جيله من عشاق أعمال مارفل.. محاولاته المستمرة عشان أتفرج معاه كانت دايما بتفشل.. حتى مع عرضه المغري بأنه يغسل المواعين لم أكن أتحمل أكثر من مشاهدة 50 دقيقة (بحكم السن يمكن) من أي فيلم لمارفل بالكتير أوي يعني.

نرشح لك: أبرز 10 أفلام عالمية عن الأساطير المصرية القديمة

أثار فضولي لما قالي إن مخرج مصري أخرج آخر أعمال مارفل وقفل البيعة لصالحه لما قالي إن الشخصيات المستوحاه من الكوميكس من رموز الميثولوجيا المصرية (خنصو نتر القمر) Khunshu.. كمثال، أنا كدا اشتريت.. من غير أي عروض إضافية بغسل المواعين أو توضيب أوضته.. توكلنا على الله.. كوكتيل حماس وفضول وهيبرة شبه حالة مشاهدة مو صلاح في مباريات الدوري الإنجليزي بل ويزيد بحبة حلوين.

حبييت جدا فضول ابني لمعرفة الشخصيات التاريخية المقدمة في المسلسل (بالرغم من عكننة وإفساد متعة المشاهدة بسبب التوقف كثيرا للشرح والأسئلة)، ودا بالتأكيد حصل لشباب كتير في سنه.. أسعدني أكثر نقاشنا بعد كل حلقه.

من أول ثانية في أول حلقة لقيتني مركزة ومتحمسة وكيف لا.. والمشهد مليان تماثيل وآثار مصرية قديمة في متحف بلندن.. عشقي للتاريخ المصري وكل ما يمثله ويرمز له بياخد عقلي وقلبي.. بس بردو قفشتني متحفزة وبتلكك قبل استكمال الحلقة الأولى.. صوت داخلي بيقوللي أكيد هيعرضوا التاريخ المصري باستخفاف ومجرد عرض سطحي بدون عمق أو بحث زي ما بنشوف دايما في أي أفلام كتير قدمت شخصيات تاريخية مصرية بشكل هزلي مستفز.. وكانت لي “كبسةٌ” كما أقر عبد المنعم مدبولي في فيلم “الحفيد”.

رموز الميثولوجية تم توظيفها بامتياز يفوق التوقعات.. اهتمام بأدق التفاصيل ومن المؤكد أن العمل يسبقه بحث دقيق من فريق متخصص أضاف مصداقية تحفظ هيبة التاريخ المصري القديم و تعرضه بما يليق بعظمته.

كل ذلك هذا ولم تكن أغنية نجاة “بحلم معاك” قد ظهرت بعد.. خفق قلبي لمجرد سماعها وشعرت بحنين جارف لكل أغاني الزمن الجميل. أكاد أجزم أن هذا ما حدث لكل مصري عاصر تلك الأغاني وأثرت في وجدانه.. وأكاد أجزم بردو أن كل من لا يعرف اللغة المصرية قد بدأ في البحث عن أصلها وأثارت اهتمامه من مجرد مرورها ثوان في المشهد.. سواء تراكات نجاة، وردة، صباح أو حتى مهرجان عنبة.. وهو أثرُ لو تعلمون عظيم.

حالة الشغف والرقي والمتعة الفنية محصلتش من وقت موكب الممياوات وأنشودة إيزيس، موسيقى هشام نزيه تسربت لوجداني وعشت نفس الحالة من التناغم الفني تتسق مع المتع البصرية والذهنية الكفيلة بمنح المشاهد جرعة محترمة من الدوبامين وطبعا الأدرينالين في لحظات الغموض والترقب والنقلات الصادمة السلسة جدا في نفس ذات اللحظة ما بين الأزمنة، الشخصيات، الأماكن.. حالة من الشحن والتركيز والدهشة لا يتخللها فيمتو ثانية من الملل.

لكن الأثر الأعمق والأقوى تاثيرا بالتأكيد هو إحياء رموز الهوية المصرية في أذهان أجيال تلقت رصيدها المعرفي عن الحضارة المصرية من كتاب الوزارة الذي يصف أهرامات الجيزة بأنها مقابر للملوك! يتوجها الجملة الأعذب والأكثر طربا في رأيي في المسلسل في الحلقة الأخيرة.. سؤال طفلة صغيرة لليلي “مي القلماي”: انتي سوبر هيرو مصرية؟.. يا خراشي يا جدعان.. مزيكا الجملة دي لوحدها.

كل الخيوط ممسوكة جيدا بيد محمد دياب. الحركة، التكوين، الصوت، الجرافيك. أداء الممثلين السلس المبهر اللي لازم نتوقف عنده حبة حلوين.. أوسكار أيزاك “الحرباء” الذي يغير جلده في جزء من الثانية ويقفز بين الشخصيات بلا تغيير في ملابس أوماكياج أو أي مؤثرات سوى صوته وتعبيرات وجهه.. التي لم نخطئها أبدا لنعرف أي شخصية يجسدها الآن.. أحمد داش ظهوره لم يتعد دقيقة إجمالا.. فاجأ المشاهدين بأداء مبهر ومؤثر جدا.

قبل Moon Knight كنا راضيين بقليلنا.. بنتفرج بلا شغف على أعمال مسلوقة مهروسة كأكل العيانين.. “فارس القمر” أعلى سقف التوقعات لما سيأتي بعده محلياً كان أوعالميا.. لا بد أن يوضع في حسبان صناع أي عمل فني.. أنا على يقين من أنه سيحدث أثر الفراشة في اللاوعي الجمعي.. وبالتأكيد سوف يظهر هذا التأثير في نسب المشاهدة والتفضيلات لما هو آت.

أخيرا وليس آخرا.. الرسائل الفلسفية والباطنية داخل المسلسل كثيرة لمن يقرأ ما وراء الصورة وتثير التساؤلات والتأمل منها رأيي المتواضع مثالا لا حصرا: كيف يمكن للأنسان أن يشفي من جروح غائرة بماضيه.. هل يحتاج لقوة خارقة ليتعافى؟

هل تلك القوة بداخله أم خارجه؟.. ما هو تعريف الخير والشر؟ ومن المؤهل للحكم على هذا أوذاك؟.. أبشع الجرائم يمكن أن تغلف بنوايا طيبة وصبغة تريح الضمائر بأنها تكليف من قوى أعلى من البشر؟.. “هنا سأسكت قليلا” لأنني يمكن استرسل حتى يصدر الجزء الثاني من فارس القمر. تحية لكل من اشترك في هذا العمل من كل الجنسيات والخلفيات والثقافات وعلى رأسهم المايسترو “محمد دياب”.