محمد عبد الرحمن يكتب: جزيرة أحمد أمين

نقلا عن مجلة “صباح الخير”

سببان يستحق من أجلهما أحمد أمين الإشادة بمستوى التشخيص الذي حققه في حلقات مسلسل “جزيرة غمام”؛ الأول يدركه المشاهدون جيدا، ويظهر هذا الإدراك في تعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتلخص في الجهد الواضح الذي بذله أمين من أجل تقديم شخصية مغايرة تماما لما قد يتوقعه منه الجمهور، صحيح أنه قدم شخصية جادة في حلقات “ما وراء الطبيعة” قبل عامين، لكن “الشيخ عرفات” ذهب بالممثل أحمد أمين إلى منطقة ربما أبعد مما كان يتخيلها هو عندما قرر الوقوف أمام الكاميرا لأول مرة قبل 7 سنوات، ومن هذه النقطة أرصد السبب الثاني الذي ربما يكمل تفسير حالة التألق التي وصل لها أمين.

قبل 7 سنوات كما يؤرخ موقع يوتيوب، كان الظهور الأول لأمين عبر مقاطع كوميدية ساخرة مسجلة داخل منزله نقلته سريعا إلى تقديم برامج كوميدية، ليصنف أولا كمقدم محتوى كوميدي، قبل أن يطرق أبواب بلاتوهات السينما والدراما بلطف شديد وحذر أشد من أن يسطع سريعا ثم يبدأ رحلة هبوط عانى منها كثيرون حققوا انتشارا واسعا في زمن وجيز، ولم يمهلهم النجاح الكبير فرصة لاكتشاف طريق الاستمرار.

نرشح لك: طارق لطفي: وقعت في غرام دراما الصعيد بعد “جزيرة غمام”

السبب الثاني يتلخص إذن في أن هذا الفنان قرر منذ البداية ألا يلعب على المضمون، والأهم أنه امتلك قدرا كبيرا من الثقة في النفس لم يصل أبدا لحافة الغرور. ثقة جعلته يقبل على تحديات عدة أبرزها حتى الآن شخصيتي “رفعت إسماعيل” و”الشيخ عرفات”، ويتجاوزهما بنجاح ملحوظ دون أن يشعر بأدنى ارتباك إذا سأله أحدهم لماذا تترك مكانك في ملعب الكوميديا فارغا حيث الإخلاص للفن نفسه دون تصنيفات.

أحمد سيد أمين هو الاسم الذي عرفه الوسط الفني حين حرص السيناريست القادم من عالم صحافة الأطفال على استخدامه على تترات مسلسلات “بسنت ودياسطي” و”القبطان عزوز”. من تابع تلك الأعمال في ذاك الحين ربما توقع أننا أمام مولد كاتب مسلسلات كارتون مميز، لكن أمين فاجأنا وربما فاجأ نفسه أيضا بأن مخزونه من المواهب يؤهله للوقوف أمام الكاميرا عبر فيديوهات قصيرة، كانت بمثابة رسالة على أن الفنان عليه أن يجرب نفسه في مساحات ضيقة أولا ثم يقرر بعدها الخطوة التالية، والتي كانت “البلاتوه” بانتشاره الواسع قبل أن يفاجئنا ثانية بالذهاب إلى خشبة المسرح الذي بدأ منه أيام الدراسة، لكن الجمهور لم يشاهده واقفا عليه إلا بعد جماهيرية التلفزيون.

هذه المرحلة حيث “أمين وشركاه” بنسختيه المسرحية ثم التلفزيونية، أكدت أن تجربة أمين غير محدودة وأن اسمه لن يرتبط فقط بعمل وحيد، فيما كان يحمل هو بداخله إصرارا على أن يؤكد تلك القاعدة كل فترة، ما جعله يقبل بشجاعة مهمة الوقوف أمام محكمة جمهور أحمد خالد توفيق، رغم النجاح الساحق لشخصية “سمسم” في مسلسل “الوصية”، وتأكيد جدراته كممثل كوميدي يمتلك أسلوب أداء غير قابل للمقارنة.

كل ما سبق جعل أحمد أمين يصل بأمان إلى شاطئ “جزيرة غمام”، وهي الجزيرة التي ستحمل اسمه “عرفات” لاحقا كما تقول قصة المسلسل، ليكون الدور ليس فقط بارزا في مشواره، لكنه سيربط المسلسل به دون غيره من أساتذة التمثيل الذي خاض أمين بسببهم تحديا آخر، فهو لم يخاطر فقط بتقديم شخصية درامية دون إيفيه واحد في سباق رمضان، ولم يغامر بالظهور كصعيدي صوفي فقير في ملامح لم يعهدها جمهور من قبل، بل يقف أيضا أمام رياض الخولي وفتحي عبد الوهاب وطارق لطفي ومحمد جمعة ومحمود البزاوي، وكل منهم يمتلك رصيدا من الشخصيات المميزة على شاشتي السينما والتلفزيون، فيما صمد أمين أمامهم معتمدا على رصيده من الموهبة والرغبة المستمرة في أن يضع اسمه بين الكبار، دون الحاجة للعب على المضمون الذي جعل كثيرين يخرجون من الساحة مبكرا، فيما انتظرت الجزيرة الأشهر في رمضان 2022 لتحمل اسم أحمد أمين.