دفاعا عن "الإنسان" أمير عيد

إيمان مندور

انتقادات كثيرة تعرض لها المطرب أمير عيد خلال الأيام الماضية، عقب طرح إعلان مبادرة “حياة كريمة”، حيث اتهمه البعض بسرقة لحن أغنية “أهلا وسهلا” للموسيقار الراحل سيد مكاوي، في مسرحية “مدرسة المشاغبين”. لكن أمير أكد أن الأمر ليس سرقة، بل مقصود لأن الشركة تمتلك حقوق اللحن، فضلا عن تأكيد أميرة سيد مكاوي، ابنة الموسيقار الراحل، على أن أمير لم يسرق اللحن وأن الشركة تمتلك حقوق المسرحيات بالفعل.

رغم التوضيح والدفاع إلا أن الانتقادات أخذت منحى آخر حول أمير، بعضها إما لاعتباره لا يصلح للأغنية، وأنه كان من الأفضل اختيار مطرب غيره، والبعض الآخر ينتقد مشاركته أصلا في دعاية المبادرة، لكن أمير رد قبل ساعات وأكد أنه يفعل ذلك كل عام وعن اقتناع بأهمية عمل الخير والاجتهاد المستمر.. “أنا مش بائس أنا بحاول أرجع للحياة تاني ويبقى ليا دور وأعمل خير”.

نرشح لك: إيمان مندور تكتب: “المظلومة” دينا الشربيني

بعيدًا عن كون الانتقادات مبالغ فيها، وبعيدًا عن كون جزء كبير من المنتقدين اتخذ من لحن سيد مكاوي ستارًا لمهاجمة أمير عيد على دعمه لمشروعات الدولة، لكن المفارقة أن هذا الهجوم جاء بعد عدة أيام من الإشادات الواسعة بحواره في برنامج ABtalks مع أنس بوخش، في واحد من أفضل لقاءات أمير عيد، وأفضل حلقات برنامج ABtalks على الإطلاق. فمن النادر أن يظهر فنان أو مشهور عموما على طبيعته أمام الجمهور، ويكون أكثر تلقائية في الحديث عن حياته وأعماله ورؤيته للحياة ككل.

أمير عيد فعل ذلك بكل سلاسة في حواره الأخير، وكشف عن إدراك عميق منه للحياة ولنفسه قبل كل شيء.. ” أوحش حاجة في الشهرة والسوشيال ميديا إنك أوقات بتشوف نفسك بعيون الناس مبتشوفش نفسك بنفسك، يعني أما يشتموني أبقي أنا وحش، لما يحبوني أبقي أنا حلو.. لكن أنا متقبل الشخص القبيح اللي جوايا وشايفه جميل لأني بحاول أتغلب عليه.. أنا جوايا قبح، جوايا إنسان بيفكر غلط ساعات، جوايا إنسان عمل غلطات في حياته فمينفعش أهرب منه وأجري”.

عبر ساعة ونصف الساعة، هي مدة لقاء أمير عيد، يمكن إدراك التناقض بين الهجوم الأخير على شخصه وبين شخصيته الحقيقية أصلا، بعيدا عن فنه ومدى تقبل الجمهور له، لأنه أصلا قال خلال الحوار إنه من بين 7 ألبومات قدمها لا يكاد يعجبه سوى 15 أغنية على أقصى تقدير، لكن اللقاء كان عبارة عن ملخص الطريق الذي قطعه للوصول إلى نفسه، وهو طريق يمنح الأمل للجميع.. “أنا كنت ممكن ابقي أوحش من كده بكتير.. فأنا كده كويس.. الشخصية دي كان ممكن تاخد منحني وحش جدا في الحياة وأنا ما أخدتوش.. فا ده كويس في حد ذاته.. وفي نفس الوقت أدركت حاجات وحشة فيا وحبيتها وتقبلت طبيعتي بكل اللي فيها، بحس أو بتخيل إني لو قابلت ربنا هعرف أشرح له كويس دلوقت أنا مين يعني وحصل كده ازاي”.

الإشادات بأمير في حواره مع أنس بوخش كانت عن الإنسان الذي أظهره في اللقاء وليس الفنان، عن الجانب الإنساني الواضح بلا تزييف، عن التشابه الكبير بين ما قاله عن نفسه وبين ما يوجد داخل كل إنسان.. “أنا بحسِّن من نفسي.. بس عارف إني سلبي ومتقبل السلبية دي.. لأن المجتمع ممكن يخليك تكره نفسك ساعات لو غلطت غلطة.. ممكن تبقي غلطة واحدة وربنا بيغفر.. بس المجتمع لا.. لازم تكون عارف إن الغلطة دي مش ملخص لشخصيتك.. شخصيتك فيها جوانب تانية كتير غيرها”.

محاولات أمير لاستعادة نفسه، أو بمعنى أدق معرفة حقيقته، استغرقت منه عامين ونصف العام من المتابعة مع الطبيبة النفسية، ليتخلص من لحظات الاكتئاب وشعور عدم الاستحقاق الذي يشعر به، وتأثير طفولته الصعبة بسبب انفصال والديه، ثم معاناته عقب إصابة والدته بمرض “الخرف” منذ 9 سنوات، إذ لم تعد تعرفه أو تتذكر شيئًا، وبالتالي لم يستطع الاستمتاع بشيء في الحياة منذ أن مرضت.

الخلاصة، قد لا يعجبك فن أمير عيد، طبيعي ووارد، فهو نفسه ينتقد فنه، لكن ليس من الإنصاف اتهامه بالكذب والتضليل والاستغلال لعمل ما أو للجمهور، لأنه إن فعل سيقول، ولن يجد حرجا في الاعتراف بذلك، مثلما فعل من قبل.

في حوار أمير عيد الأخير من السهل إدراك حجم التغيرات التي حدثت في شخصيته، ومدى ابتعاده عن حالة التصنع التي يظهر بها المشاهير.. والأهم أنه تعمق داخل نفسه، لدرجة يكاد يقف فيها على الحد الفاصل بين الجنون والإدراك، فيرى الأمرين بوضوح، لذا يمكنك أن تراه فيلسوفا أو تعتبره مجنونا.. المهم أنه إنسان واضح وصريح في كلا الحالتين.