بورسعيد اللبنانية.. "توبة" يفتح ملف تجسيد المدينة الباسلة مجددا

إيمان مندور

ليس من المنطقي الحكم على عمل درامي بناء على حلقاته الأولى فقط، لكن من الطبيعي الحكم على هذه الحلقات منفصلة، وتقييمها، وتوضيح إيجابياتها وسلبياتها، ورصد ردود الفعل عليها كذلك. وهو ما حدث مع مسلسل “توبة” الذي يقوم ببطولته الفنان عمرو سعد ودياب وماجد المصري وأسماء أبو اليزيد، ويعرض عبر قنوات mbc ومنصة شاهد vip.

بمجرد عرض الحلقات الثلاث الأولى خرجت أصوات غاضبة من أهالي مدينة بورسعيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بما يحدث في المسلسل، وما وصفوه بأنه “تشويه للمدينة”، وأن المشاهد الواردة فيه لا تمت للمدينة بصلة، سواء فيما يتعلق بظهور “التكاتك” أو الحارات الشعبية والعشوائيات والبلطجة، وأنه لا يوجد بيع لـ”البالة” على البحر. وهذا بالطبع يعود لكون تصوير المسلسل تم في لبنان أصلا وليس مصر، وبالتالي غابت تفاصيل المدينة الحقيقية داخل الديكور المصطنع، وهو ما يُحسب ضد صناع العمل.

  نرشح لك: انتقادات لـ ماجد المصري بسبب إيحاءات جنسية في مشهد من “توبة”؟

أيضًا كان من الغريب الظهور المتقطع للهجة البورسعيدية، فعلى مدار الحلقات الثلاث الأولى لم يتحدث أي شخص بهذه اللهجة سوى الفنان يوسف إسماعيل في دور والد أسماء أبو اليزيد، وشخص التقى بـ”توبة” أمام المحل الخاص به في مشهد لم يتعد ثوانٍ بسيطة. وبالتالي كان من الأفضل إما غيابها تماما أو حضورها كليا، وإلا ليس من المنطقي أن يتحدث بها رب الأسرة بمفرده، على عكس باقي أفراد العائلة وأهل الحارة جميعًا.

الأكثر جدلا في اعتراضات الأهالي، بخلاف عدم تطابق شكل المدينة وتفاصيلها مع الوارد في المسلسل، هو عدم منطقية بعض الأحداث، فوفقا لأحداث المسلسل ربما تكون بورسعيد هي الوحيدة في محافظات مصر التي لا يمانع سكانها “الشعبيين” من أن تكون ابنتهم حاملا قبل الزواج وأن يتغاضوا عن الأمر كأن لم يكن شيء، ويحتفلون بزفافها في فرح شعبي كبير على الشاب الذي حملت منه، وترقص متباهية ببطنها في الزفاف ويقوم العريس (حسن أبو الروس) بالإشارة لذلك أمام المعازيم. ومن قبله يبرر لوالدته الضريرة سبب حدوث ذلك بأن “اللي بيشتري عربية بيركب ويجرب” وأن “كريستيانو خلف تلاتة من غير ما يدخل أصلا”!

بعيدا عن مدى صحة موقف أهالي المدينة من عدمه، إلا أن الأعمال الفنية التي دارت أحداثها في بورسعيد تسبب بعضها في أزمات وجدل كبير من قبل، أبرزها فيلم “أبو العربي” للفنان هاني رمزي، في عام 2005، والذي اعترض الأهالي على مضمون الفيلم وتشويهه للمدينة وتاريخها وللأهالي ككل، إذ اعتبروا أن بعض المشاهد تحمل إساءة لهم، وتبنى النواب القضية إلى أن وصلت للبرلمان.

وقتها قررت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب حذف بعض المشاهد التي تحمل إهانة لأهالي بورسعيد. ومن هذه المشاهد قيام راقصة بأداء وصلة رقص فوق قاعدة الشهداء، وظهور ممثل يتقمص شخصية تاجر بورسعيدي وهو يحقن نفسه بالماكس المخدر، وبعض عبارات وردت على لسان بطل الفيلم هاني رمزي وهو يتوسط في واقعة زواج بعد سنوات علاقة غير شرعية لفتاة مع صديق لها.

أما محافظ بورسعيد فقرر وقف عرض الفيلم في دور العرض بالمحافظة، وقال إن قراره صدر من وجدانه الشخصي، ولم يتعرض لأي ضغوط شعبية، وأنه مسؤول عن الأمن في المحافظة، واكتفى بعرض الفيلم في دور عرض القطاع الخاص فقط.

وقتها أيضًا دافع هاني رمزي عن الفيلم، واستنكر غضب الأهالي، وتساءل عن أسباب حساسية نواب بورسعيد منه، قائلا: “إحنا صناع كوميديا وواجبنا إضحاك الناس، ومن إمتى البوسة والرقص وحشين!”.

وللإنصاف الدراما والسينما لم تكن على خلاف دائم مع أهالي بورسعيد، فقد سبق وأن سجلت السينما بطولات أهل بورسعيد في عدد من الأفلام، منها “بورسعيد الباسلة” إخراج عز الدين ذو الفقار، وبطولة فريد شوقي، وهدى سلطان، وشكري سرحان، ورشدي أباظة. كذلك فيلم “ليلة القبض على فاطمة” عام 1984، من إخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة وشكري سرحان وصلاح قابيل. أيضًا فيلم “القبطان” للفنان محمود عبد العزيز يعد أحد أهم الأفلام التي رصدت المقاومة المصرية في بورسعيد، حين انتشر وباء الكوليرا والتهب وقتها الصراع بين الاستعمار الإنجليزي والمقاومة المصرية.

في النهاية، وبعيدًا عن اعتراضات الأهالي بشأن غياب تفاصيل بورسعيد في مسلسل “توبة”، إلا أن الأزمة الحقيقية من وجهة نظري هي أن عمرو سعد فرض شخصيته على المدينة، بينما المنطق يقول إن المدينة والأحداث هي من تفرض شخصيتها على البطل في العمل الفني.

هذا بالإضافة لعدم منطقية حديث شخص بالقافية وعبارات “التكاتك” في كل جملة، والتصور الخاطئ المتكرر عن أهالي الحارات الشعبية، و”الشبحنة” الزائدة عن الحد، واستمرار مشاهد ضرب البطل بالدور في الدراما والسينما المصرية، حيث يقضي على عشرات الرجال بمفرده، ويقوم كل منهم بالتوجه إليه منفردًا بينما يقف البقية ينتظرون دورهم في مواجهة البطل أفرادًا حتى يقضي عليهم، في مشهد سريالي مصري صرف لأن “المخرج عاوز كده”.

قد يكون المخرج “عاوز كده” بالفعل، وارتفاع نسب المشاهدة “بيحصل بكده”، ونجاح المسلسل في رمضان يكون “بسبب كده”.. لكن المهم ماذا يقول المنطق والفن والإبداع؟!