البحث عن علا: عندما تكتب النساء عن "الفرصة الثانية"

فاطمة خير

ليس من المفضل عندي مشاهدة الأجزاء المتعددة لعمل درامي ناجح، ففي الأغلب يكون النجاح الأقوى للجزء الأول؛ لذا عندما تم الإعلان عن مسلسل “البحث عن علا” والذي بطبيعة الحال يُعتَبر جزءاً ثانياً من المسلسل الناجح “عايزة أتجوز” لم أتحمس كثيراً وام أتوقع أن أتابعه، إلا أنه من حسن حظي أنني فعلت.

مسلسل “عايزة أتجوز” والذي تم عرضه منذ إثني عشر عاماً، كان من تأليف الكاتبة غادة عبد العال، والتي تعود بشخصياتها من خلال “البحث عن علا” وتشاركها القصة والسيناريو والحوار  السيناريست مها الوزيري، المسلسل الذي تلعب بطولته النجمة هند صبري، والذي بدأت شبكة نتفليكس عرض موسمه الأول في ست حلقات، نجد هند صبري أيضاً كمنتج منفذ مع أمين المصري ، يبدو فيه حضور المرأة في صناعة عمل درامي متميز يتحدث عن المرأة أولاً وأخيراً.

نرشح لك: دراما النحت السريع تنهى زمن الـ 30 حلقة.. نتفليكس تستقطب النجوم العرب وشاهد تتصدر الإنتاج

عبر كتابة رفيعة المستوى تأخذنا “علا” في رحلة البحث عن ذاتها، بعد علاقة زواج استمرت لمدة اثني عشر عاماً ثم انتهت بلا مقدمات؛ لتضع علا أمام مواجهة واقع لم تستعد له فهي لم تتوقعه على الإطلاق، وبوعي عالي وبفهم شديد لنفسية امرأة في القرن الواحد وعشرين تبهرنا شخصية بطلة المسلسل في رحلتها من الصدمة والارتباك، ومحاولة الخروج من متاهة لم تنتبه أنها قد وقعت فيها بزواج بدا مثالياً فهو يوافق كل شروط المجتمع، وهي قدمت ذاتها قرباناً لاستمرار الزواج الذي يرضى عنه الجميع، لكن ذلك لم يشفع لها أمام زوج صارحها بعدم قدرته على الاستمرار لأنه لم يعد سعيداً، وتركها وحدها في مواجهة مجتمع يحمل المرأة مسئولية تعاسة الزوج، تخوض علا كل ذلك لتصل إلى ما يبدو شاطئ تقف فيه وحيدة وقوية.

أجمل ما في المسلسل أنه لم يسرد الوقائع التقليدية التي تتمحور حول الخلافات المادية والقانونية التي تحدث غالباً في مثل هذه الحالات؛ فهدف العمل واضح منذ البداية: رحلة علا/امرأة مصرية للبحث عن نفسها، وهي تخطو عتبة الأربعين، وقد انهار زواجها، وهجرت عملها، ولديها طفلين، وأم تقليدية، بلا أصدقاء، وبلا رؤية للمستقبل، فهي أبداً لم تستعد لموقف كهذا.

الخلفية الموسيقية الغنائية جديدة وجريئة، عدم وقوع علا في دوامة الانهيار وسعيها للخروج لمواجهة الواقع بإرادة امرأة قوية، جرأة الحوار كما في الحوار الذي يصف العلاقة بين هشام/الزوج السابق وأمنية حبيبته الجديدة، عدم اللجوء لاستسهال الحلول بظهور الفارس على الجواد الأبيض ليعوضها العلاقة المنتهية، لجوء البطلة للعمل بمنهج رواد الأعمال خاصةً النساء، والحظ الذي يلاجها بمجرد عقد نيتها على خلق استقلالية اقتصادية جديدة، حفاظ البطلة على كرامتها كإنسانة وكامرأة، الوقوع في الأخطاء وتقبل الخسارة ومسامحة النفس، أن تكون البطلة محاطة بأصدقاء مخلصين، كل ذلك بدا مبهجاً ويدعو للتفاؤل في مجتمع ترتفع فيه وتيرة العنف وتتنافس الدراما في توظيف العنف وإبراز العلاقات السامة.

بذكاء شديد وحُسن انتقاء جاء ضيوف الشرف من الفنانات والفنانين ليضيف قيمة فنية وتنافسية للمسلسل، بدءاً من الحلقة الأولى بمشاركة النجمتين يسرا وشيرين رضا، والحلقة الثانية بمشاكرة الفنان خالد النبوي، أما المشهد الذي شاركت فيه الفنانة دينا فقد جاء متميزاً وجريئاً وجديداً.

“البحث عن علا” هو مسلسل يقدم فعلاً نسخة عصرية جداً من “علا” التي كانت ترغب في الزواج بشدة إرضاءً لمجتمع يطارد المرأة كي تتزوج فقط حتى لا تحمل لقب عانس، المسلسل هو نفسه نسخة ناضجة وعصرية تناقش العلاقات بين المرأة والرجل بواعية شديدة بعيداً عن المبالغة أو العنف أو  مباريات الملاكمة، فتحية كبيرة لفريق العمل وللنجمة المتميزة دوماً هند صبري، التي تثبت دوماً أن الفنان الواعي هو أكثر من مؤدى جيد، وكان من الرائع التناغم في الأداء بينها والفنانة القديرة سوسن بدر التي أصبحت قادرة على تقديم دور الأم بتنويعات مختلفة ومدهشة وواعية، الحقيقة أن كل ممثلي المسلسل جاء حضورهم خفيفاً وفي أفضل حالات توظيفه حتى الأطفال منهم، ويبدو جهد المخرج هادي الباجوري واضحاً في قدرته على توظيف إمكانيات الجميع في تناغم كبير.

إعلام دوت كوم من العرض الخاص لفيلم تماسيح النيل