موهبة الشهرة.. الفصل الخامس من كتاب لوغاريتمات الشهرة

عمرو منير دهب
“كرّمت غرفة تجارة هوليوود بفخر الإداري التنفيذي في عالم الترفيه الموسيقي السير ريتشارد برانسون بالنجمة رقم 2647 في ممشى المشاهير في هوليوود يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 الساعة 11:30 صباحًا بتوقيت المحيط الهادئ PDT. تم تخصيص النجمة لفئة التسجيل (الموسيقي) في جادة هوليوود Hollywood Boulevard أمام متحف غينيس للأرقام القياسية. أدخل السير ريتشارد برانسون إلى الولايات المتحدة بنجاح كبير شركة فيرجن للتسجيلات Virgin Records بالإضافة إلى سلسلة متاجر التجزئة الترفيهية الدولية “متاجر فيرجن العملاقة” Virgin Megastores. بوضع الفنانين والمستهلكين معاً في المقام الأول، غدت فيرجن علامة تجارية معروفة ومحترمة في جميع أنحاء العالم. نحن فخورون بتكريم رجل الأعمال السير ريتشارد في ممر المشاهير في هوليوود ذائع الصيت عالميًا!”.

أعلاه تصريح السيد ليرون جبلر Leron Gubler، الرئيس والمدير التنفيذي لغرفة تجارة هوليوود، منقولاً عن موقع HOLLYWOOD WALK OF FAME ممشى المشاهير في هوليوود. وقعتُ على التصريح أعلاه وأنا أبحث عن علاقة الأثرياء بالشهرة، وأبرز الأمثلة التي طفرت إلى ذهني من مشاهير أثرياء هذه الأيام ريتشارد برانسون. لم أجد خلال بحثي العابر من المواضيع ما يشير إلى تناول ظاهرة حبّ الأضواء مع الأثرياء بصفة عامة، ومع ريتشارد برانسون تحديداً. والحق أن بحثي كان مركزاً على السير برانسون بصفة خاصة. و”حب الأضواء” مما يوصف به البعض على سبيل الغمز واللمز باعتباره ظاهرة سيئة خصوصاً في محيطنا العربي، والأرجح أن ما يقابل تعبير “حب الأضواء” في الثقافة الغربية من حيث تداعيات الغمز واللمز – السلبية بطبيعة الحال – هو مصطلح Attention Seeking “استرعاء الانتباه”.

نرشح لك: بيل جيتس والشهرة: الفصل الرابع من كتاب لوغاريتمات الشهرة

لم يعرض أحد لريتشارد برانسون بذلك الاتهام بحسب ما تبدّى لي من بحثي العابر المشار إليه، والغالب أن ذلك بسبب رؤية الغرب – وأمريكا تحديداً – لحب الأضواء (أو حتى استرعاء الانتباه) بوصفه عملاً مشروعاً، وربما محبّذاً، ما دام اجتذاب الأضواء والانتباه يتم بمهارة، ولن أقول “وليس على حساب الآخرين” لأن المنافسة تقوم أساساً على حساب الآخرين، وهو واقع يقرّه الغرب (ومجدداً أمريكا بصورة أكثر وضوحاً) بينما نمارسه عربياً وشرقياً بقدر من التخفّي بما يختلط مع غير قليل من تجليات النفاق في كثير من الأحيان.

ليس على ريتشارد برانسون ذنب إذن في لهاثه وراء الأضواء، فأبرز معاقل الشهرة يكرّمه “بفخر” كما يجيء في بيان الاحتفال على الموقع الرسمي لممشى المشاهير في هوليوود الذي يضيف في معرض سرد مسوّغات النجمة الغالية معنوياً ومادياً (تبلغ تكلفة إنشائها وتركيبها 40 ألف دولار أمريكي، يستفاد منها كذلك في تغطية نفقات مراسم الاحتفال الخاص بالشخصية الشهيرة ونجمتها، بالإضافة إلى صيانة ممشى المشاهير من بعد)، يضيف البيان: “تحدى برانسون نفسه من خلال العديد من المغامرات التي حطمت الأرقام القياسية، تشمل تلك المغامرات أسرع عبور للمحيط الأطلسي على الإطلاق، وسلسلة من رحلات منطاد الهواء الساخن، وركوب الأمواج شراعياً عبر القناة. وقد وصف (برانسون) Virgin Galactic فيرجن جالاكتيك – أول خط فضاء تجاري في العالم – بأنها “أعظم مغامرة على الإطلاق”. استناداً إلى ذلك، من المناسب حتماً وضع نجمة برانسون أمام متحف غينيس للأرقام القياسية العالمية”.

ريتشارد برانسون يبدو إذن مستحقاً للشهرة ليس من باب الثراء فحسب وإنما بسبب المغامرات المحطمة لأرقام غينيس القياسية كذلك. ولكن ماذا عن الأثرياء الذين لا يملكون سبباً للشهرة غير المال؟ ألم يفلح كثير منهم في اجتذاب الأضواء بدوره؟ وإذا تجاوزنا حديثاً – وعلى سبيل المثال – عن بيل غيتس وستيف جوبز كون ثروتهما تتعلق بتكنولوجيا المعلومات مما يقع استخدامه من المنتجات في نطاق اهتمام أغلب الناس، فماذا عن أسماء شغلت الناس لأثرياء من طراز أرسطو أوناسيس على الصعيد العالمي وعدنان خاشوقجي على الصعيد العربي ومحمد الفايد على الصعيدين معاً؟ امتلاك أكبر أسطول لسفن الشحن في العالم، أو أنشطة غامضة من بينها تجارة السلاح، ليس مما يقع ضمن اهتمام العامة بالضرورة، لكنه مما يثير حتماً فضول وسائل الإعلام التي روّجت للثري اليوناني والآخر العربي بمستويات متباينة. هذا على اعتبار امتلاك أشهر سلسلة متاجر في أشهر عاصمة عالمية، ثم علاقة معقدة بها الكثير من الدراما والدراماتيكية مع أشهر عائلة مالكة في العالم، مما يمكن أن يشكِّل مبرراً لشهرة محمد الفايد وابنه عماد الشهير بدودي.

ولكن بعيداً عن طبيعة العمل الباعث على الثراء، الفاحش في نظر كثيرين، يبدو أن أيّاً من أولئك الأثرياء لم يعدم سبب الشهرة الأساس متمثلاً في حبّ الأضواء والقدرة على استرعاء الانتباه، سواءٌ أكان ذلك عبر ترويج الأعمال في قالب مثير أو عن طريق تعمّد نسج العلاقات مع ذوي السلطة والنافذين في كل مجال ثم ترويج تلك العلاقات إعلامياً من خلال صلات ذكية مع وسائل الإعلام والنافذين فيها. بموازاة ذلك، وربما مقابله، يبدو امتلاك وسائل إعلام نافذة أحياناً كما لو كان دلالة في الاتجاه المعاكس بوصفه وسيلة رجال أعمال آخرين كروبرت مردوخ Rupert Murdoch للثراء أكثر من كونه لهاثاً خلف الأضواء ابتداءً، ولا مانع بطبيعة الحال إذا انسحبت الأضواء تلقائياً نحو أباطرة الإعلام من أمثال السيد مردوخ كما يُفهم من تعاملهم الذي يتّسم بالارتياح مع وسائل الإعلام عندما يحلّون عليها بوصفهم ضيوفاً وليسوا مالكين، هذا مع الانتباه إلى أن أباطرة وسائل الإعلام ليسوا جميعاً محترفي ظهور إعلامي أو محبي أضواء بنفس الدرجة من الاهتمام والحرص.

هكذا، تبدو الشهرة كما لو كانت عملاً يتطلب موهبة منفصلة بالضرورة، وذلك دون أن ننسى أثر الحظ الهام على هذا الصعيد، فمشاهير الأثرياء ليسوا هم الأعلى ضمن قائمة أثرى الأثرياء بالضرورة، وإنما هم الذين أرادوا أن يكونوا مشاهير وامتلكوا ما يكفي من الموهبة لإبقاء الهالة مسلّطة عليهم بقدر أو آخر، ومجدداً دون أن ننسى أثر الحظ وأحياناً طبيعة مجال الثراء ومداه مما يفرض الشهرة أحياناً فرضاً على صاحبها.

تبقى القدرة على جذب الأضواء واسترعاء الانتباه إلى حدّ الشهرة – في أي مجال وليس عالم المال وحده – موهبة إذن، وذلك بعيداً عن الحساب الأخلاقي لذلك الصنيع بحسب مرجعيات كل مجتمع في هذا العصر وذاك.