ريكورد وفيديو فاضح.. التحرش بين القمة والقاع

التحرش

إسلام وهبان

خلال الساعات القليلة الماضية، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو فاضح لرجل أربعيني وهو يتحرش بطفل من أطفال الشوارع داخل إحدى عربات قطار “القاهرة – أسوان”، وذلك بالتزامن مع تداول عدد كبير من النشطاء الثقافيين لتسجيل صوتي فاضح منسوب لأحد النقاد والفاعلين في الوسط الثقافي المصري، والمسئول عن أحد جروبات القراءة.

حالة من الجدل انتابت شرائح مختلفة من مستخدمي السوشيال ميديا، على وقع هاتين الحادثتين، فعلى الرغم من اختلاف المستوى الثقافي والمعرفي لفاعلي الواقعتين، واختلاف تفاصيل وملابسات كل واقعة، إلا أنهما اجتمعا على الفعل نفسه وهو “التحرش”، سواء كان تحرشا لفظيا أو جسديا.

نرشح لك: إبراهيم عيسى: منظومة التيار السلفي تُنتج الاغتصاب والتحرش

 

السوشيال ميديا الأكثر فعالية

على الرغم من الدور السلبي الذي نعاني منه جراء استخدام منصات التواصل الاجتماعي، والتغيرات الاجتماعية التي نتجت عنها، إلا أنها أصبحت تلعب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحرش والكشف عن كثير من هذه الجرائم، وخلق مناخ ضاغط على الجهات المعنية للتحرك والكشف عن هوية الجناة واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم أو على الأقل زجر وترهيب أعداد أكبر من المتحرشين، الذين بات من السهل كشف أمرهم، من خلال فيديو أو تسجيل يشاهده عشرات الآلاف ويُتداول في بضع ثواني بسرعة رهيبة.

في الواقعتين الأخيرتين جاء التصرف بشكل مختلف، ففي واقعة “القطار” قام أحد المواطنين بتسجيل فيديو امتد لأكثر من 10 دقائق للجاني وهو يقوم بفعلته مع أحد الأطفال داخل إحدى عربات القطار بشكل صادم، ورفعه على منصات التداول الاجتماعي، لتقوم هيئة السكة الحديد بالتحقق من الفيديو وتقديمه للشرطة للبحث عن هوية الفاعل وإلقاء القبض عليه.

أما في حالة “أدمن” جروب القراءة، فقد قامت إحدى القارئات التي تعرضت لتحرش لفظي من قبل الأدمن، بتقديم شكوى إلى مؤسس الجروب، وإرسال تسجيل صوتي يتضمن إيحاءات منسوب للأدمن، ليقوم مؤسس الجروب بحذف الأدمن، دون إبداء أسباب واضحة، لكن بعد ساعات كتب منشورا وضع فيه عن المضايقات التي تعرضت لها عدد من القارئات الأعضاء بالجروب من قبل الأدمن، مما اضطره لحذفه من الجروب.

وقامت عضوة بالجروب بكتابة منشور تؤكد فيه تعرضها لمضايقات من قبل الأدمن، ليتنشر بعد ذلك التسجيل الصوتي المنسوب للأدمن، وتنهال بعدها عشرات المنشورات ضده منتقدة تصرفاته ومضايقاته المتكررة للقارئات والأعضاء، واللائي تعرضن للتحرش على يديه بحسب شهاداتهن.

من القمة إلى القاع

المفارقة أن الواقعتين اللتين تم تداولهما في نفس التوقيت تقريبا، جمعت في كادر واحد صورتين للتحرش، إحداهما في بيئة تتظاهر بالرقي وتتمتع بثقافة عالية، وفي وسط يعرف بالتحضر والوجاهة هو الوسط الثقافي، الذي من المفترض أن يضم عقليات أكثر نضجا ووعيا بل ويصدر الفكر والثقافة للآخرين، في حين كانت الواقعة الثانية لأفراد ينتمون لطبقة المهمشين، سواء الجاني الذي تظهر ملابسه أنه من بيئة ريفية أو الطفل المجني عليه الذي يبدو عليه أنه من أطفال الشوارع، بثقافتهم المتدنية.

لكن الثابت أن واقعتي التحرش أظهرتا خللا غير عاديا يعاني منه المجتمع المصري منذ سنوات، ليس فقط في حالات التحرش التي أصبحت تحدث بأشكال وصور غير مسبوقة، أو بتنوع واختلاف المستوى الثقافي والفكري للجاني، أو حتى المبررات غير المنطقية التي يرفعها البعض، لكن في تناول المجتمع على اختلاف توجهاته وموروثه الثقافي لفكرة التحرش وكذلك التعامل معها ومع الجناة، ما بين شماتة أو دفاع بلا وعي أو حتى صمت مريب.

لا تظلموا الجروبات الثقافية

بعد انتشار التسجيل الصوتي الفاضح المنسوب لأدمن أحد مجموعات القراءة، وتكرار حالات التحرش سواء اللفظي أو الجسدي في الوسط الثقافي، أصبحت هناك نبرة إدانة للمثقفين والكتاب كافة ولمجموعات القراءة بشكل خاص، من قبيل “شايف يا عم المثقفين طلعوا ازاي”، و”هي جروبات القراءة كلها تلاعب ومصالح ومتحرشين”، وغيرها من العبارات التي أصبحت تتكرر باستمرار، لكن الحقيقة أن الوسط الثقافي أو جروبات القراءة شأنها شأن أي تجمعات بشرية، تجمع بين فئات وبيئات وثقافات ونفوس مختلفة، ولا يمكن الجزم بأن هناك فئة ما تشبه الملائكة أو خلقت من نار.

فمن الطبيعي أن تجد قارئا متطرفا أو كاتبا مؤدلجا أو ناشطا متحرشا، أو ناقدا سارقا أو غير ذلك، فالعبرة دائما بالنفوس البشرية وقدرة كل فرد على التعامل بموضوعية مع الآخرين دون انبهار زائف أو خوف وترقب قابع في القلوب، ولا يمكن أن ننكر أن هذه المجموعات استطاعت أن تنشر ثقافة القراءة بين أجيال وشرائح مختلفة محليا أو إقليميا، وأصبح لديها بالفعل دور فاعل في العملية الثقافية حتى ولو لم تكن بالشكل الأمثل، “فلا تظلموا الجروبات الثقافية”.

نرشح لك: تفاصيل واقعة التحرش بطفل داخل قطار