"اتكلم عربي".. الهوية وترسيخ ركائز الأمن القومي

سامح الزهار

تابعت الحلقة الأولى من برنامج “اتكلم عربي” الذي أنتجته وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، وقد كنت متخوفًا من فكرة البرنامج الذي يطل على الشاشة بظلال الرسمية، فهو إنتاج حكومي وتقدمه إحدى الوزيرات في هذه الحكومة وهي الوزيرة القديرة نبيلة مكرم، ظنًا مني أننا سنتابع محتوى تقليدي يستمر لمدة عشرون دقيقة، وكانت المفاجأة عندما شاهدت الدقائق الأولى من هذا المحتوى البرامجي الرصين الذي لا يشبه كل ما يقدم على الشاشات العربية، فشاهدت الحلقة بعين المتخصص بدلاً من عين المشاهد العابر.

الحقيقة أن هدف هذا البرنامج هو من أسمى الأهداف التي يمكن أن تنتج لها برنامجًا أو محتوى، فاللغة هي مفتاح الهوية وهي القناة والمجرى الذي يصل الجغرافيا بالتاريخ وهما أهم ركائز الأمن القومي، وهنا يخوض البرنامج معركة ضخمة لا تقل أهمية عن معركة السلاح وهي معركة الوعي، الوعي بمفردات العصر ومتطلباته واحتياجاته، وإدراك ماهية المنابع الأولى لإحداث طفرة ربما تأخذ سنوات لتتم ولكن هي البداية والبدايات دومًا صعبة خاصة إذا كانت المعطيات غير متاحة بشكل دائم.

نرشح لك: بعد اختياره سفيرا لمبادرة “اتكلم عربي”.. آدم الشرقاوي: متحمس للغاية

هنا سأسميها المُذيعة “نبيلة مكرم”، فبالرغم من إعجابي بها كدبلوماسية رفيعة المستوى ووزيرة قديرة وسيدة مصرية نموذج نباهي به الأمم، إلا أنني أزعم بعد مشاهدة الحلقة أنها إعلامية مُحترفة ضلت طريقها إلى الدبلوماسية فحرمنا منها على الشاشات، المظهر الأنيق والآداء الحواري الراقي السلس واللغة الميسرة البسيطة خاصة وأن ضيف حلقتها الأولى طفلاً كان مبهرًا للغاية، فهي تدرك أهدافها جيدًا وتنتقل برشاقة بين كل محور وآخر من محاور الحديث، فتعلم من أين تكون البداية وإلى أين ستنتهي، وجهها بشوش دائم الابتسامة وظلالها لطيفة وروحها هائمة حتى أن كل هذه الأدوات مدمجة بالمعطيات الفنية قد قدمت محتوى تلفزيوني ضخم في قضية ليست يسيرة ولكنها كانت بمنتهى البساطة، أو ما يمكن أن يعرف بـ السهل الممتنع.

لم أكن أعلم شيئًا عن الفريق الذي صنع هذا المحتوى الرائع فقررت أن أنتظر شارة النهاية حتى أعرف من هم هؤلاء المبدعين الكبار فوجدت أن الفكرة والإشراف على المحتوى للدكتور محمد فتحي، وهو أحد أكابر المبدعين الذين مروا على المحروسة، فزال اندهاشي من جودة المحتوى والإعداد، إذ ان اسم الدكتور محمد فتحي على أي عمل هو شهادة كافية بأننا سنشاهد محتوى إبداعي ذو هدف راقي ورؤية فنية رشيقة رصينة.

أما عن اختيار موقع التصوير وهو بيت السحيمي العتيق القابع بالجمالية فكان موفقًا للغاية إذ أن بيت السحيمي هو أهم نماذج البيوت القاهرية التي ارتبطت برجال العلم والتنوير إذ ارتبط بالشيخ محمد أمين السحيمي شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر، هذا بالإضافة للبُعد البصري للموقع والذي اختارته بعناية السيدة مها سالم المستشار الإعلامي لوزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج.

أتمنى أن يستمر البرنامج لسنوات طويلة، فلا يتأثر بظروف إنتاجية ولا تعقيدات إدارية، وأن يظل أحد مواقع ترسيخ الهوية المصرية ليس من منحى اللغة فقط ولكن من كل الدروب التي قطعًا تسهم في ترميم وجدان هذا الشعب العريق الذي يجابه الدنيا برسوخه التاريخي وفقه البقاء، فالمرجو مهم والأهداف “نبيلة”.