يمثل فيلم “ولاد رزق” حالة خاصة ومميزة تستحق المشاهدة بين أفلام المهمشين والعشوائيات، بسيناريو متقن للكاتب صلاح الجهيني، وصورة جيدة للمخرج طارق العريان.
وابتعد الفيلم بأحداثه عن الصراع التقليدي بين الخير والشر، ليرصد لنا صراع خالص بين شخصيات هامشية تحمل قدر كبير من الشر، أولها “رضا” الابن الأكبر الصبي الذي يعمل في ورشة ويتعرض للقهر والعنف من صاحب العمل ويتحمل ذلك للإنفاق على أشقائه “رجب” و”رمضان” و”ربيع”.
ويقرر “رضا” أن يفرض قانونه الخاص على أشقائه لضمان ولائهم لتحقيق المكسب السريع دون النظر لأي اعتبارات غير التجارة في المخدرات والقتل فهما من المحرمات في قانونه.
وظهر تأثر المخرج طارق العريان بالسينما الأمريكية في اعتماد الأحداث على الأخ الأكبر أو الأب الروحي لأشقائه، إذ تبدأ المشاهد وتنتهي دائما في دائرة العائلة والالتزام بقانونها رغم ما شهدته الأحداث من مشاهد مطاردات وبلطجة ودعارة، وتميز “العريان” في رسم صورة مكتملة وثرية دراميا بوجهة نظر جيدة ساهم فيها السيناريو المحكم للأحداث.
لست أحد رواد السينما النظيفة التي يبحث أفرادها عن واقع أفلاطوني بعيدا عن الواقع الذي نعيشه، خاصة وأن السينما دائما وأبدا انعكاس لما يحدث في الشارع، إلا أن بعض مشاهد الفيلم شهدت عدد من الإسقاطات الجنسية والجمل الحوارية الإباحية والعري، التي كان من الممكن تقديمها بشكل أقل مباشرة عما تم تقديمه، في حال عدم نظر صناع الفيلم عن تقديم خلطة ترضي جمهور الأعياد.
ونجح المؤلف “صلاح الجهيني” في تقديم معالجة درامية مميزة من خلال الشخصيات التي منحت الأحداث حبكة قوية صنعتها شخصيات الأشقاء الأربعة الذين يقررون الولاء لشقيقهم الأكبر وتابعهم وتاجر المخدرات وصاحب صالة القمار وضابط الشرطة الذي يبحث عن تنفيذ القانون حسب هواه.
وبرع الفنان “أحمد الفيشاوي” في تقديم شخصية “عاطف سرحان” بكافة تفاصيلها، وتألق في رسم صورة مميزة بانتقاله البسيط بين انفعالات الشخصية في المشاهد الدرامية والكوميدية، ليثبت أنه ممثل متمكن من أدواته ويعمل جيدا على الشخصيات التي يقدمها.
وتميز الفنان “محمد ممدوح” في تقديم شخصية ضابط الشرطة المتلون “رؤوف حمزاوي”، وقدم مع الفنان “أحمد الفيشاوي” ثنائي مميز، ليعوضا غياب الفنان “أحمد عز” الذي قدم شخصية الأخ الأكبر “رجب” بشكل سطحي أفرغ الشخصية من مضمونها لاعتماده على الصوت العالي، وكان اختياره غير موفق بالمرة للمخرج “طارق العريان”.
أما الفنان “أحمد داوود” فقدم شخصية “رجب” بتحولاتها الدرامية المتعددة بشكل جيد، وكان بارعا في ضبط إيقاع الشخصية وانفعالاتها.
وأظهرت الأحداث الفنان عمرو يوسف، الذي قدم شخصية “ربيع” بشكل ناضج فنيا، وإن كان من المتوقع أن يظهر بشكل أفضل من ذلك.
وتميز الفنان “محمد لطفي” في تقديم شخصية صاحب صالة القمار الذي لا يخشى الموت رغم أن مساحتها الدرامية بسيطة.. أما الفنان كريم قاسم، فقدم شخصية “رمضان” الشاب الأضعف بين أشقائه بشكل مميز يضاف إلى رصيده الفني.
ولم تقدم شخصية تاجر المخدرات “صقر” أي شيء جديد للفنان “سيد رجب”، إذ ظهر بالصورة التي اعتاد عليها الجمهور خلال الفترة الماضية، رغم ما يملكه من قدرات تمثيلية، وظهر بشكل مكرر يدعو لإعادة التفكير في نوعية الأدوار التي يقدمها بدلا من حصره في قالب بعينه، وتكرر الأمر مع الفنانة “نسرين أمين” التي قدمت شخصية “حنان” الفتاة التي تبحث عن حياة بسيطة بعيدة عن الخطر.
وكانت الفنانة “ندى موسى” التي قدمت شخصية حبيبة “عمرو يوسف” الحاضر الغائب في الفيلم، ولم تحدث فارقا ملموسا في الأحداث.
كما تميز المونتير أحمد حمدي في خلق حالة متوازنة بصريا من خلال الموسيقى التصويرية التي قدمها الملحن هشام نزيه، والتي تناسبت مع الإيقاع السريع للأحداث.
وجاملت المطربة أصالة زوجها المخرج طارق العريان بتقديم أغنية “تساهيل” مع فريق “بساطة”، وإن كانت مجاملة في غير محلها لعدم مناسبة الأغنية ولحنها لصوتها، وظهرت بشكل غير مؤثر، ولو تم تقديم الأغنية دونها لأحدثت فارقا في الترويج للفيلم.