بعد المشاهدة| "The Queen's Gambit".. قصة بطلة خارقة مليئة بإسقاطات سياسية

ياسمين العيساوي

أقف منبهرة أمام أي عمل سينمائي أو تلفزيوني، استطاع أن يكسر المألوف، وجاء بفكرة جديدة، مبتكرة، خارج الصندوق.. ودائما أتساءل كيف قاموا بذلك؟ وكيف خطرت لهم الفكرة؟!

وهذا ما انتابني عندما بدأت متابعة «The Queen’s Gambit»، أحدث أعمال شبكة netflix، المصنّف حاليا كالأعلى مشاهدة في العالم، وسارعت للبحث، عما إذا كانت قصّة العمل حقيقية، أم من وحي خيال كاتبها؟ لأكتشف أن القصة خيالية، مقتبسة عن رواية بنفس الاسم لكاتبها والتر تيفس، كتبها عام 1983 وطعّمها بلحظات من حياته الشخصية لاهتمامه بدراسة تقنيات الشطرنج الحديثة.

نرشح لك: بعد المشاهدة| “the crown”.. خبايا صادمة في القصر البريطاني!

– حتى وإن لم تكن لاعب شطرنج، ستُغرم بـ «The Queen’s Gambit»..

وعن نفسي كشخص لم ألعب الشطرنج يوماً، ولا أعرف عنه الكثير، استثقلت متابعة العمل في البداية، وظننت أن المُشاهِد، يجب أن يكون مُلِماً بقواعد اللعبة على الأقل ليفهم الأحداث، ولكن بعدما حرّكني الفضول، واستأنفت المشاهدة لمست المتعة الحقيقية، في كل تفاصيل العمل..

بداية بالإخراج، الذي يأخذك في رحلة حالِمة مع مَشاهِد مرسومة بدقة وحرفية عالية، فكل مشهد في العمل، قد يصلح كصورة بورتريه، تتأمل فيها لوقت طويل دون ملل. وصولاً إلى أداء الممثلين، الذي كان صادقاً لحد كبير، مطعّماً بلمسات احترافية، ميّزت كل شخصية عن الأخرى، في البداية ستجد صلابة مديرة المدرسة التي تتخفى وراء السلطة والحنان المُفتعل، ثم هدوء حارس المدرسة وحكمته، التي خولته لاكتشاف موهبة بيث في لعبة الشطرنج، ثم تمرد زميلة المدرسة السمراء، التي تخشى المستقبل وتتحداه في نفس الوقت.

وفي المرحلة الثانية من حياة بيث تظهر شخصيات جديدة، بين أم بالتبني مضطربة نفسيا، مغلوبة على أمرها، ولاعبي شطرنج محترفين، يجمعون بين العبقرية والجنون.. وكل من ظهر خلال العمل، نجح في ترك بصمة خاصّة بأدائه، في لوحة فنية مرسومة بإبداع لا ينتهي.

– بيث.. شخصية تضعك في حيرة من أمرك

أما بطلة العمل أنيا تايلور، فتستحق الكثير من الإشادة، كونها نجحت بشكل عبقري في لعب دور مركّب، لشخصية لن تنجح في الحُكم عليها بسهولة، وتضعك في حيرة من أمرك، لتطرح تساؤلات: هل هي قوية أم ضعيفة؟ ذكية أم محظوظة؟ حالِمة أم متبلِّدة المشاعر؟ سوية أم مضطربة نفسياً؟

والحقيقة أنها نقلت بشفافية معاناة المرأة الذكية الناجحة، وبشكل مٌختلف نوعاً ما، لم يسبق التطرق إليه.. فبعد نشأة بيث الصعبة كطفلة يتيمة في الملجأ، دون حنان وتحت مظلة قوانين صارمة، قررت أن تخوض معركة التفوق، مع أول فرصة قابلتها، وبعد أن اكتشفت موهبتها الخارقة في لعبة الشطرنج..

– تعاسة المتفوقين.. لا يعلمها الجميع

لتسلك طريقا جديدا مليئا بمعاناة لا يعلم خباياها البعض، فغالبا ما يظن الناس أن التفوق والنجاح يجذبان السعادة المُطلقة، مما يجعلهم يحكمون على الشخص الناجح من زاوية واحدة وهي التفوق، غير مبالين بما يخبئه هذا التفوق من تعاسة دفينة..

وهذا فعلا ما كانت عليه بيث التي أصبحت حديث الإعلام والمجتمع، ووسط لاعبي الشطرنج الذين يرون فيها البطلة الخارقة التي لا تٌهزم، بينما الحقيقة هي مهزومة داخِلياً تبحث وسطهم عن ملاذ آمن أو حبيب يؤنس فراغها العاطفي، ودائما تصطدم بجدار البرود، وغالباً ما تشعر أن هناك حلقة مفقودة، تُبعدها عن الشعور الذي تناشده، مما جعلها تقع في أكثر من انتكاسة، كتوجهها لإدمان الكحوليات..

كما أن بيث توهمت لفترة طويلة أن نجاحها مرتبط بحبوب المنشطات أو الكحوليات، مما أعطى رسالة واضحة تؤكد انكسارها الداخلي، وعدم ثقتها بنفسها وبقدُرَاتِها.. وبدى واضحا أنها كانت تعيش وهم الضعف، بعد انتصارها الأخير الذي لم تستعن خلاله بأي محفز ذهني.

– رسالة سياسية ملغّمة

والحقيقة أن الكل انجذب لـ The Queen’s Gambit كونه قصّة صعود ونجاح، مليئة بالتحديات، كما أنه لم يخلو من الإسقاطات السياسية الواضحة التي تسلط الضوء على الصراع الأمريكي الروسي الأزلي، ومشهد النهاية التي كسرت فيه الأمريكية بيث الأرقام والألقاب الروسية، لم يكن بالنهاية الاعتباطية أبداً..

ولكن كذلك الجانب الإنساني والعاطفي للعمل، كان متفرداً ومميزاً كونه سلط الضوء على شق مهم جداً في حياة المرأة الناجحة، التي يراها الجميع تتمتع بالجبروت الكافي لتستغني عن العاطفة أو وجود الرجل في حياتها، بل ويصبح تقييمها في كل الأوساط بما أنجزته من نجاح، وليس بما تحمله من مشاعر، قد تُخفِي منها أكثر مما تظهر..

والحقيقة أن الناجحة تستمر في البحث عن الأمان العاطفي بسرية تامة، وخلف كواليس أضواء النجاح.