المجتمع المدني.. اللاعب الأبرز في لبنان

فرح بعلبكي

اللبنانيون والعالم سمعوا مناشدة ضحايا فاجعة مرفأ بيروت 4 أغسطس 2020، عندما طالبوا الجميع بعدم إعطاء المنح المالية والمساعدات للحكومة اللبنانية بل توزيعها مباشرة على المتضررين أو للجمعيات الأهلية ذات الثقة في لبنان.

نرشح لك : من الحرب الأهلية لانفجار بيروت.. شاشات الأخبار المؤسفة

في الحقيقة الأمر ليس مستغربا، إذ تلعب الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني دورا بارزا في  الأزمات اللبنانية، سواء في الحروب أو الكوارث الإنسانية أو الأزمات الاقتصادية، وأزمات لبنان كثيرة. لذلك، في اليوم الذي تلا الانفجار المؤسف قامت الجمعيات والمجموعات الشبابية على الفور بإزالة الركام وآثار الانفجار ومساعدة الجرحى والمواطنين الذين خسروا بيوتهم وعملهم، وقاموا بجمع التبرعات البسيطة ولم ينتظروا لا البلدية ولا الحكومة؛ لثقتهم بأنهم لن يأتوا للمساعدة.

وبالفعل فقد غصت صفحات الفيسبوك والإنستجرام بالمنشادات والحسابات التي تدعو للمساعدة، وقام أصحاب هذه الحسابات بتحديد ما هي المواد الأكثر حاجة بالنسبة للمتضررين (على سبيل المثال، ماء، فرش للنوم، المواد الغذائية الأساسية، زجاج، معدات طبية، الخ…). ولم تقتصر المساعدات على اللبنانيين المقيمين في بيروت بل في كل المدن اللبنانية، بل تعدتها أيضا للمقيمين في الخارج.

برز هذا الدور الفاعل للجمعيات بعد الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975، ومع الفوضى التي حلت على لبنان وغياب دور الحكومة وانهيار مؤسسات الدولة كوزارة الشؤون وغيرها، بدأ الأفراد يستجمعون القوى من أجل مساعدة المهجرين والنازحين والجرحى وأهالي المفقودين والأيتام ومن تسببت لهم الحرب بإعاقات جسدية أو أزمات نفسية.

في بعض الأحيان، كانت الجمعيات تأخذ طابعا طائفيا، كجمعية الشبان المسحيين، أو جمعية الأيتام الإسلامية، ومنها من انبثق عن الكنائس والإرساليات أو المساجد والمشايخ وغيره. ثم بدأت تتأسس جمعيات تدعو لعدم التمييز بين المواطنين كالحركة الاجتماعية.

وعندما وجدت الأحزاب اللبنانية تعاظما لدورالجمعيات وثقة المواطن بها، قامت هي الأخرى بتأسيس جمعيات خاصة بها جاءت بأشكال مختلفة، كشافة، جمعية شبابية، أو جمعية أهلية تديرها زوجة أحد قادة الأحزاب، ومن خلالها عمدت إلى بث أفكارها الحزبية بشكل مستتر وشد الناخب من خلال المساعدات.

يوجد اليوم في الوحدة المخصصة للمنظمات غير الحكومية التي تديرها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية حوالي 6000 منظمة غير حكومية لبنانية وعربية ودولية. برز دور هذه الجمعيات وتعزز خاصة بعدما سهلت وزارة الداخلية اللبنانية عملية تأسيس جمعية وتسجيلها رسميا من خلال بعض الأوراق البسيطة وعدد قليل من الأعضاء. كما وجدت الدولة اللبنانية أن المنظمات والجمعيات تساعدها وتأخذ عن كاهلها عبأ المساعدات.

كما سهلت دور الجمعيات والمؤسسات الدولية كاليونيسف والأونروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في لبنان، ووكالة الغوث الأميركية USAID وكاريتاس والصليب الأحمر الدولي.

 في الواقع، يوجد لبعض الجمعيات دور مشكوك فيه سواء من ناحية العمل الذي تمارسه أو من خلال التمويل الذي تحصل عليه، وفي بعض الأحيان كانت الحكومة تحاسب وتسحب التراخيص من أي جمعية تشك بنواياها مشبوهة.

استمدت الجمعيات ثقتها من الناس، الذين وثقوا بالجمعيات أكثر من مؤسسات الدولة، وثقوا بقدرتها على حل مشاكلهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فمثلاً يوجد بعض الجمعيات التي تساعد على دفع القسط المدرسي للمدرسة الحكومية، أو جمعية تساعد المسنين والمرضى وتؤمن لهم الأدوية والعلاجات والعمليات الجراحية بالمجان، أو الجمعيات التي توظف النساء الأرامل أو المطلقات في الخياطة أو الطبخ لإعالة عائلاتهم.

تجدر الإشارة إلى أن الجمعيات الأهلية في لبنان طورت من نفسها بشكل كبير وعلى مستوى عالٍ، فأسست قاعدة بيانات مميكنة لجميع المستفيدين من خدماتها، كما باتت تعمل بنظام مؤسساتي بهيكلية إدارية مرنة إلى جانب توظيف الكفاءات والحرص على تدريب الموظفين بشكل مستمر.

عندما دعا المواطنون اللبنانيون الدول المانحة للمساعدات أن توزع المساعدات مباشرة على الناس أو الجمعيات بعد الانفجار، جاء الأمر كرد فعل على تقصير دور الحكومة الحالية والحكومات السابقة ، فالمواطن اللبناني لم يثق يوما بحكوماته، ويبدو أنه لن يثق أبدا بعد الآن.