رحلة البحث عن "لوكاندة" أحمد مراد

نهى القاضي

نصادف هذه الأيام صدور الرواية السابعة للكاتب العربي المصري الشاب أحمد مراد، والذي صدر له العديد من الروايات منها: “فيرتيجو، أرض الإله، موسم صيد الغزلان”، وكذلك روايتي “الفيل الأزرق وتراب الماس”، اللتان تم تحويلهما إلى أفلام سينمائية، وأخيرا “لوكاندة الوطاويطط، الصادرة عن دار الشروق المصرية.

نرشح لك- تحليل.. كيف تستخدم قطر المنصات الإعلامية للسيطرة على الإعلام العربي؟

في الغلاف الخلفي للرواية يذكر “مراد” أنه في عام 2019 وأثناء ترميم “لوكاندة بير الوطاويط” المجاورة لمسجد “أحمد ابن طولون” بحي “السيدة زينب”، تم العثور على يوميات تعود إلى سنة 1865م، مدفونة وراء حائط الغرفة رقم سبعة بالطابق الثالث بمبنى اللوكاندة، ومحفوظة بشكل جيد.

فيعثر عليها كاتبنا بطريقة مجهولة ليضع محتواها في كتاب يضم هذه اليوميات من رقم “34” إلى “53” دون حذف أو تنقيح كما يدعي، وكما ذكر هي اليوميات الوحيدة التي تصلح للنشر لأسباب مجهولة.

الرواية تنتمي لأدب الجريمة وكتابة الروايات التي تركز على الأفعال الإجرامية وخاصة على التحقيق، سواء من قبل أحد المحققين الهواة أو المحترفين في جريمة خطيرة، وبشكل عام جريمة القتل عادة ما يجري تمييزها عن الخيال السائد والأنواع الأخرى مثل الخيال التاريخي أو الخيال العلمي، لكن حدودها تكون غير واضحة.

للخيال الإجرامي عدة أنواع فرعية، بما في ذلك الخيال البوليسي، مثل: من الجاني؟، ودراما قاعة المحكمة، وأدب هارد-بويلد، والإثارة القانونية.

تركز معظم دراما الجريمة على التحقيق في الجرائم ولا تحتوي على قاعة المحكمة. ويُعدّ التشويق والغموض فيها العناصر الرئيسية التي تكون موجودة في هذا النوع.

في هذه الرواية داعب “مراد” فضول القراء بداية من اختياره للحقبة الزمنية غير مستهلك الكتابة فيها، في العديد من الأجيال الحالية في مصر لم يعاصروا الحكم الملكي وصراع القصر والسرايا العثمانلية. وغازل السلطة الحالية بشيطنة العثمانيين.

واستكمل التشويق باختيار مهنة بائدة “مصور جثث الموتى والمحقق” وهي مهنة شائعة في نفس الوقت في زمن لم يكتمل فيه التشكيل البوليسي بشكله الحالي لينسج عالمه الخاص بذكاء.

فأوهم القراء بأنهم بصدد رواية استثنائية، خُطت عن أحداث حقيقة بناء علي يوميات تبدأ باليومية 34 وتنتهي باليومية 53 بخط يد بطل الرواية نفسه “سليمان السيوفي” التي وجدت في لوكاندة تحمل نفس اسم الرواية بالسيدة زينب، ولم يشرح لنا كيف تعقّبها الكاتب؟ وأي معارك خاضها للفوز بها؟ ولماذا بدأ روايته باليومية الأخيرة؟ وهي وصية سليمان السيوفي وتوصياته بالتصرف في ممتلكاته وتسديد ديونه مما زاد عامل التشويق الذي رمي إليه الكاتب وترك القارئ في حيرة، أين باقي اليوميات؟ ما هي مصيرها؟ هل ثمة مزاد للكتاب يدخلونه للحصول علي يوميات أشخاص استثنائيين كمادة خصبة لكتابه الروايات وتحقيق المجد والشهرة، وعندما اشتد النزاع تقرر شطر اليوميات إلى نصفين مع كاتب ما نازعه حق امتلاكها “ليسترزق” كل منهما؟.

وأين تقع اللوكاندة المزعومة بحي السيدة زينب؟ أم أن قصة اليوميات بالكامل محض خيال الكاتب نفسه؟.

نعم عزيزي القارئ، لقد تيقنت بنفسي ولم أكتف بالبحث علي الإنترنت ولأنني من قاطني القاهرة فكان من السهل علي الولوج إلى “السيدة زينب” الحي الشعبي الشهير بقلب العاصمة، وابدأ رحلة بحث عن اللوكاندة المزعومة فلم أجد لها أثرا.

فلم أكتف فقمت بجولة أخرى في الفنادق الرخيصة واللوكاندات بحي السيدة زينب وقمت بسؤالهم عن “بير الوطاويط” لعل أحدهم سمع عنها يوما ما وقد ترمم اسمها مع ترميم بنيانها ولم أعثر لها على أثر!

هي حيلة يستخدمها بعض الكتاب لإضافة مادة تشويقية إضافية لما تخط يداه وينتجه خياله، فقد سبق واستخدمها الكاتب المصري يوسف زيدان في روايته “عزازيل” عندما ذكر أن ما ورد بها كانت مخطوطات بيد راهب مصري يسمي “هيبا” وهو ما ثبت عدم صحته فيما بعد.

بداية من أولي صفحات الرواية يستحوذ عليك الفضول ويأخذك فريسة لمحتوى “سردي بامتياز” رواية حكاءة بأسلوب سردي بحت محشو بالأمثال الشعبية “البذيئة” بعضها، والبعض الآخر في غير موضعه! وكذلك حشو الأحداث التاريخية لحقبة العهد الملكي في مصر، من وجهه نظر الكاتب تمتلئ بالفساد والمحسوبية والتطوير الذي إن حدث كان يحدث لأجل إثارة غيرة وحنق الأوربيين ولاستعراض عضلات الملك أمام نظرائه الفرنسيين والطليان!

فـ سليمان السيوفي مستجوب جثث وطبيب شرعي، سليمان خريج البيمارستان يعاني من بارنوايا متقدمة وضلالات تآمرية وهلاوس تبدأ بأنه مدعي نبوة والمصطفي القادم يستعين به نظام الخديوي إسماعيل لحل غموض جرائم قتل عنيفة متسلسلة بطرق قتل انتقامية مبتكرة وينتقل بنا عبر ضواحي القاهرة القديمة ويعود بنا بالأحداث إلى أوائل القرن التاسع عشر .

اخلع عنك عقلك

داخل اللوكاندة اخلع عنك عقلك فأنت بصدد الـ “سمك لبن تمر هندي”.. يستخدم توصيف سمك لبن تمر هندي للحديث عن قصص اللامنطق واللارتباط بمكان كما هو حالنا داخل اللوكاندة، بداية من الاسم الذي لا علاقة له بأي من الأحداث فلا شيء بالداخل له علاقة بآخر .

تحضير أرواح، تقطيع وصال مع كام حمار وأقذع الأمثال ، فــ سليمان المقتنع بأنه يسمع النباتات والحشرات ويحتفظ بذبابة مقدسة في حجم الرجل “معجزته الطائرة” التي لا ينطق عن الهوي ويدخن الحشيش ويتوه في عالم الرقص الصوفي ويتماهي وهو يترأس جمع من الصوفيين في إحدى الرقصات الصوفية! مصدر وحيه وإلهامه ومفتاح كل لغز يصادفه!

وبلا مناسبة نتعرف علي ديانة البطل المزدوجة الجامعة بين الإسلام والمسيحية! ويتداوى علي يد طبيب يهودي، يؤمن بالسحر ويلاعب الجن بما لا يخدم الأحداث بأي شكل مجرد استعراض سردي ان أحسنت الوصف.

إهانة المرأة وتحقيرها

إهانة المرأة وتحقيرها.. يقتنع سليمان أن جميع النساء وضيعات خائنات، ومنهن امه الذي طالما افتخر بقتله إياها ودفنها في حجرته وكذلك عدد كبير من النساء الذي قص علينا في تفاخر مغامراته الجنسية معهن، والتي تنتهي بالقتل من جانبه مرارا انتقاما لشخصه السامي مستخدم أدلة من أمثلة شعبية فجة بألفاظ شاذة.