كلهم متنمرون!!.. التنمر بصاحبة السعادة!‎

حازم طــــــه

عندما كتب الأديب الفرنسي العالمي  فيكتور هوجو روايته الرومانسية التاريخية “أحدب نوتردام” ورسم صورة ذلك الأحدب بعاهته، وما تعرض له من نكران وقمع ومعاناة، هل كان يقصد التنمر والسخرية من أصحاب العاهات؟! أم أنه كان يفلسف الواقع ويترجمه إلى دروس لذوي العقول، ولكل لبيب بالإشارة يفهم !!.. وعندما رسم مصطفى حسين شخصيته الكاريكاتورية الشهيرة “الكحيت”!!، وعندما قال الحطيئة عن نفسه: أرى لي وجهًا شّوه الله خلقه… فقُـبِّحَ من وجهٍ وقبِّحَ حامِلُهُ !!

نرشح لك: محمد الباز: طالبْت إسعاد يونس بالاعتذار لجمهورها عن التنمر

 

وعندما.. وعندما.. وعندما.. عشرات الأمثلة والنماذج من ألوان الظرف والسخرية يحفل بها الأدب والفن العربي والعالمي، فهل كانوا كلهم متنمرين؟!! لو كان الأمر كذلك لحذفنا من تراثنا وذاكرتنا أسماء مثل حسين شفيق المصري، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومحمود السعدني، وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم، وجلال عامر، وغيرهم من فلاسفة السخرية والضحك الذي يشبه البكاء.. للأسف فإن كثيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا يدركون أبعاد مثل هذه الكتابات والإبداعات الساخرة، فيتسرعون بالسب والشتم واللعن بمجرد أن يثير أحدهم رأيا ما في موضوع ما لم يعجبه، أو في شخصية ما يظن أنها ــ من وجهة نظره ــ تجاوزت الخطوط الحمراء!، ويسير الجميع في الهوجة!! بلا عقل ولا منطق !! وهذا بالضبط ما حدث مع إسعاد يونس صانعة البهجة والسعادة، التي كانوا  بالأمس يهللون لها ، ويضفون عليها لقب صاحبة السعادة!.. ولكن بمجرد أن قرأوا  ــ أو بالأحرى سمعوا عن ــ  ما كتبته عن فتاة ريفية متخيلة من باب الأدب الساخر المشار إليه، انطلقوا يتهمونها بالتنمر وإهانة أهل الريف البسطاء!! بل إن بعضهم ــ من باب السير مع القطيع ــ مسحوا تاريخها بجرة قلم، وادعوا أنها مدعية وأنها دخيلة على الإعلام !!، بل إنها صاحبة التعاسة!! وصاحبة السماجة والعنصرية!! (أقسم بالله أنني قرأت هذه الأوصاف بعيني من قطيع المعلقين) فأصابني ذهول شديد، بل منهم من أقحم الدين في الموضوع واستشهد بالآية الكريمة “لا يسخر قوم من قوم”، ومنهم من كان مترفقا بها فدعا لها بالهداية والعودة إلي طريق الحق والصواب!!!.. يا للهول.. ألستم أنتم المتنمرين؟! أليس كلامكم مجافيا للعقل والمنطق؟!.. ليس هكذا تورد الإبل يا جماعة.

ربما تكون شهادتي مجروحة في إسعاد، فمعرفتي بها قديمة منذ أن التحقنا بالإذاعة في توقيت واحد في السبعينيات، وعملنا معا عدة سنوات، هي في إذاعة الشرق الأوسط وأنا في البرنامج العام، جمعتنا صداقة مع كل زملاء ذلك الزمن الجميل، نلتقي في استوديوهات الهواء واستراحة المذيعين في شيفتات (نوبات) الفجر والمساء والسهرة، وكان الجميع يلاحظون ما تتمتع به إسعاد من خفة ظل وروح فكاهة، وما تضفيه على جلساتنا من سعادة وبهجة، خاصة إذا انضمت إليها إيناس جوهر، لتشيع روح الكوميديا الجميلة المتبادلة بينهما والتي قادتها إلى عالم التمثيل، ولو حذت إيناس حذوها لكانت هي الأخرى من كبار نجوم السينما.

المهم لم تكتف إسعاد يونس بعملها في الفن، بل استثمرت موهبتها في الكتابة الساخرة، فكتبت في مجلة الشباب والمصري اليوم، وغيرها من الإصدارات الصحفية التي احتفت بهذا الأسلوب الفكاهي الذي يحمل في طياته نقدا لاذعا لكثير من أوضاعنا الاجتماعية والسلوكية، ويكفي أن تطالع عناوين عدد من هذه المقالات لتدرك طبيعة هذا التوجه ومغزاه ، مثل: (اوعى وشك م الغرائز) (متعود دايما) (فن الهرهرة ) (استنارة عَ المحارة) (فيسبوكي)  (الحصافة في القصّافة ) ( أرنبة مناخير الشعب) (فالحين فلاحة يا جدع ) (المتقشفون ناس كُمّل  )(الدح والصح )  (صحصحة واجبة) (أين المفك.. عفوا.. المفر؟) ..الخ.

ربما لا يعجبك هذا الأسلوب أولا يعجب بعض الناس أو حتى كثير منهم، لا بأس.. لا تقرأ ما لا يعجبك، ولكن لا تفرض رأيك على الناس وعلى الكاتب، وتسبه وتشرشحه على الملأ، وإن كنت لا تفهم الأساليب الأدبية وأنماط الكتابة، فلا تتطوع باتهام الكاتب بالتنمر والسخرية من البسطاء وإهانتهم.. وبعد،، هل أخطأت إسعاد؟! نعم أخطأت! فقد كان يجب عليها أن تتبع كل مقال تكتبه، بمذكرة تفسيرية تشرح فيها مغزى كل لمحة وكل إشارة قد تفهم على غير هوى القارئ الألمعي المدقق المحقق !! وأختم بعنوان مقالها المعبر (أين المفك؟!).