صناعة المسلسلات في مصر (الأخيرة).. بين "النهاية" و"نهاية العالم ليست غدا".. تاريخ مفقود

عندما تم الإعلان عن مسلسل “النهاية” لـ يوسف الشريف، صاحب ذلك الإعلان عبارة “أول مسلسل خيال علمي مصري” وبناء على تلك المعلومة تحدث الكثيرين عن التساهل مع أخطاء العمل بمنطق “يكفيهم أنهم فتحوا الباب لهذا النوع”، ولكن من أين جاء اليقين للصناع والصحفيين والجمهور أن “النهاية” هو أول مسلسل خيال علمي.

ففي عام 1983 قدم التلفزيون المصري مسلسل باسم “نهاية العالم ليست غدا”، من بطولة حسن عابدين وتأليف يسري الجندي وإخراج علوية زكي.

نرشح لك – صناعة المسلسلات في مصر (11).. رمضان 2020| أسطورة الأزمة في الـ 30 حلقة؟

“إن خروج الجنس البشري من هذه الدائرة المغلقة.. متوقف على خلاص حارة المناديلي يا حضرات.. وبالدرجة الأولى متوقف على خلاص العالم الثالث الذي يتجسد فيما نعانيه كله واقع الجنس البشري وكل قوانين الغابة”. جملة يقولها رياض عبد ربه “حسن عابدين” في المسلسل الذي كانت قصته تتناول مدرس فلسفة مصري، الذي يلتقي بكائنات فضائية تهدده أنها ستدمر الأرض لكثرة فساد البشر، وتعطيه مهلة أن يسعى لإصلاحها قبل أن يدمروها.

كائنات فضائية ونهاية العالم.. ومع ذلك لماذا لا يذكره الناس كمسلسل خيال علمي؟، الحقيقة أن الناس لا تعرف أصلا أن هناك مسلسل بهذا الاسم وتلك القصة، حتى صناع مسلسل “النهاية” من المحتمل أنهم لم يسمعوا بهذا العمل من الأساس، وهذه هي الأزمة التي يجب أن نتحدث عنها.

عندما بدأت صناعة المسلسلات في مصر مع انطلاق التلفزيون المصري في عام 1960، وعلى مدى تلك السنوات أنتج عدد ضخم من المسلسلات بكافة أشكال الإنتاج سواء إنتاج الدولة أو الإنتاج الخاص، ولكن حتى مطلع عام 2000 كان يتم التفريق بين صناعة الأفلام وصناعة المسلسلات بكلمة “سينما” و”فيديو”، وهو اختصار لشكل الوسيط، فـ الأفلام يتم تصويرها على خام أفلام ويتم تحميضه، والمسلسلات يتم تصويرها علي شرائط فيديو، وظل هذا الفرق التقني يوحي دائما بفرق في الأهمية بين الصناعتين، حيث كان ينظر للسينما بأنها فن يفوق فن المسلسلات، وأصبحت كلمة “فيديو” توحي دائما بالبساطة والسهولة والدرجة الأدنى من فن السينما.

ويمكنك أن تلاحظ ذلك من أي لقاء مع ممثل في تلك الفترة فيتحدث عن أنه قدم “للفيديو” أكثر من عمل، وهو يقصد أنه صور أكثر من مسلسل، ولكن مع ظهور الكاميرات الحديثة وتتطور تقنيات التصوير، أصبحت الأفلام والمسلسلات تشتركان أن كلاهما يتم تصويره بنفس الكاميرات فلم يعد هناك فرق في تصوير الأفلام عن تصوير المسلسلات فاختفت كلمة فيديو.

وبعد مرور 60 عاما على بدأ إنتاج المسلسلات في مصر، هناك أزمة كبيرة في كل ما يخص توثيق تاريخ المسلسلات المصرية، نعم لا يوجد أي توثيق لهذه الصناعة، لا يوجد موسوعات أو مراجع يمكنك أن تعود إليها لتعرف ماذا أنتج؟ وكيف أنتج؟ ومن عمل فيه؟ الأمر مدهش وغريب، فـ بالرغم من كل مشاكل صناعة السينما في مصر إلا أن هناك محاولات دائمة لتوثيق الصناعة وصناعة موسوعات لما قدمته، أذكر منها كل ما قدمه الكاتب “محمود قاسم” من موسوعات للسينما المصرية والعربية، والتي كانت أهم مرجع لكل الكتاب والصحفيين (ما قبل الإنترنت) لمعرفة أي معلومة عن أي فيلم مصري، وسنة إنتاجه ومخرجه ومؤلفه وأبطاله وقصته، وكذلك موسوعة “تاريخ السينما في مصر” للمؤرخ والناقد الراحل “أحمد الحضري” .

الإنترنت.. أسوأ توثيق

عندما بدأت في كتابة هذه السلسلة من المقالات وذلك في إطار العمل على كتاب يتناول صناعة المسلسلات في مصر في الفترة من (2000 لـ 2020) كنت أعتقد أن البحث سيكون أسهل وأبسط لأن هذه السنوات العشرين شهدت وجود الإنترنت، ولذلك سيكون من السهل البحث عن المعلومات.. ولكن للأسف الأمر كان سيئًا جدا.

أولا: لا يوجد أي موقع يهتم بتوثيق الإنتاج التلفزيوني المصري، فقط هناك موقع السينما دوت كوم والذي يحتاج لمراجعة للمعلومات التي عليه لأنه تم إدخالها بواسطة محررين أو المستخدمين دون أي تأكيد عملي، وكذلك الموقع لم يهتم بحصر ما تم إنتاجه من مسلسلات رمضان إلا من عام 2010 فقط، ولكن قبل ذلك قد تجد العمل ولا تجد أسماء فريق العمل، وقد تجد أسماء الفريق ولا تجد القصة، وقد تجد تلك الأشياء ولكنها مليئة بالأخطاء، وهو أمر لا يلام الموقع عليه لأنه في النهاية يعمل على جمع ما يقدر من معلومات من خلال نفس الوسيط “الإنترنت”.

ثانيا: المجلات المصرية المتخصصة، مثل مجلة الإذاعة والتلفزيون ومجلة الكواكب وغيرها لا تملك نسخة إلكترونية على الإنترنت، وكل ما ستجده هي مجهودات من أشخاص قاموا بتجميع بعض الأعداد ووضعها علي مواقع خاصة أو استعانوا بأجزاء من المجلات في سياق موضوعات لمواقع أخرى، حتى المجلات التي صدرت حديثا مثل “جودنيوز تي في” لا يوجد منها أي نسخ ديجيتال.

ثالثا: الصحف المصرية، وهنا ستجد مشكلتين، هناك الكثير من المواقع التي بدأت منذ عام 2000 أو بعد ذلك بقليل، ولكنها قامت بتغيير الـHost أو بعض الأمور التقنية والتي كان نتيجتها أنها لا تملك أرشيفها كاملا على الإنترنت، فستجد اسم المقال أو الخبر عند البحث لكنك ستجد الرابط يقودك لصفحة خالية بسبب عدم احتفاظهم بأرشيفهم بعد التغيير، المشكلة الثانية أن طريقة البحث داخل أرشيف أي جريدة عربية أمر صعب ومحير وغريب ويجعلك تقوم بالعديد من المحاولات فـ لا تصل لشيء.

رابعا: التلفزيون المصري، قطاع الإنتاج، شركة صوت القاهرة، مدينة الإنتاج الإعلامي لا يملكون أي أرشيف أو توثيق أون لاين لما قدموه وهو ما يعتبر أكثر من 60% من الإنتاج المصري للمسلسلات.

خامسا: حتى الشركات الخاصة، والتي لمعت في الألفية الجديدة، لا تقدم أرشيف أون لاين لما أنتجته أو قدمته في العشرين سنة السابقة، بل وحتى القنوات التلفزيونية العامة والخاصة لا تقدم أرشيف لما قدمته.

سادسا: مع قلة المحتوى وضعفه فهناك أزمة أكبر وهو أزمة القص واللصق، فقط يضع شخص معلومة خاطئة على موقع ويكيبيديا أو موقع آخر، لتجد أنه تم نقلها إلى مئات المواقع الأخرى وكأنها معلومة صحيحة، وبالطبع عندما تجد معلومة تكررت في كل المواقع لن تشك في خطئها، ولكنها للأسف خاطئة لأن الكل نقل من مصدر واحد وكان خاطئا.

اليوم نحن نعيش في عصر مختلف، فالمسلسلات تحقق نجاحات توازي ما تقدمه السينما (وقد تتفوق عليها) والمنصات الديجيتال جعلت الأفلام والمسلسلات جنبا إلى جنب في نفس المكان، والإنتاج يتوسع ويتزايد، وبالرغم من أنها عبارة كلاشيهية لكن “الماضي هو ما يصنع الحاضر”، فعندما تقول أن “النهاية” أول مسلسل خيال علمي مصري، هل أنت واثق من أنه الأول فعلا، وعندما تقول أن النجم “فلان” هو الممثل الأكثر مشاركة في مسلسلات هل هذه معلومة حقيقية.. وهكذا.. نحتاج أن نعيد النظر في تاريخ تلك الصناعة مرة أخرى، وندرك أن التوثيق أمر مرهق لكنه بسيط بمجرد أن يبدأ يتتطور ويكتمل لأن الأمر يستحق أن يوثق.

شكرا لكل من عمل في تلك الصناعة في أي يوم من الأيام حتى لو كانت المعلومات غير متوفرة عنكم، ولكن تأثريكم على الناس سيظل وسيبقى.. شكرا لكم.