صناعة المسلسلات في مصر (8).. رمضان 2020| هل انتهى عصر المسلسل الكوميدي الرمضاني؟

يمكنك أن ترصد الكثير من الهجوم على المسلسلات الكوميدية في رمضان 2020 ، سواء على مستوى النقاد والصحفيين أو على مستوى ردود أفعال الجمهور خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكالعادة يلخص النقاد آرائهم في تراجع الكوميديا الرمضانية في كلمات مثل “الاستسهال” و”ضعف السيناريوهات” و”التكرار”.

نرشح لك – صناعة المسلسلات في مصر (7).. رمضان 2017 سنوات الاستقرار وتمرد “هذا المساء”


الغريب أن تلك الآراء تتكرر على مدى العشرين سنة السابقة، في كل مرة يبدأ فيها الحديث عن المسلسل الكوميدي المعروض في الموسم الرمضاني، لا تلبث أن تختفي مع تحقيق أي عمل نجاح جماهيري كبير، حتى لو كان مليئ بالتكرار والاستسهال وضعف السيناريو، الأمر يشبه الموجات، عندما تبدأ أي موجة كوميدية، ستقول جمل من نوعية “لا أعتقد أنها ستنجح” و”تقليد واستنساخ” و”الظروف المحيطة أفرزت” و”لا تناسب المجتمع” وعندما تتصاعد الموجة لقمتها وتحقق نجاحا جماهيريا، أما أن تصمت أو تشيد بها وبقدرتها على تسلية الجمهور، وعندما تبدأ في الانكسار، سوف تقول “استسهال” “ضعف الكتابة” “التكرار”.. وهكذا.

بالطبع لا يمكن تقسيم الأعمال الفنية في أطر زمنية، خاصة أن الأمور تتشابك، في الموجة الجديدة تبدأ في ظل موجة قديمة، والفكرة التي تعتقد أنها تقدم لأول مرة في أحد الأعوام، ستكتشف أنه كان لها إرهاصات في أعوام سابقة ولكنها لم تحقق نجاح لتحصل على تصنيف “الأول”، ولكن التالي محاولة لوضع إطار زمني لكل خمس سنوات.

الموجة الأولي: (2000 – 2005)

لم تكن المسلسلات الكوميدية جزءا أساسيا من خريطة مسلسلات رمضان، خاصة وأن تلك السنوات كانت تشهد عودة السينما لقوتها مع ما وصف صحفيا بالسينما الشبابية، التي بدأت بـ فيلم “إسماعيلية رايح جاي” و”صعيدي في الجامعة الأمريكية” في نهاية التسعينات، لم يكن “هنيدي” و”علاء ولي الدين” وغيرهم من نجوم الكوميديا يفكرون في تقديم مسلسلات في ظل تألقهم السينمائي، وبالتالي كانت الكوميديا الرمضانية، تأتي كجزء داخل المسلسلات الاجتماعية، كمثال لذلك خفة ظل يحيي الفخراني في مسلسل “أوبرا عايدة”، أو علاقات البطلات في مسلسل “الحاج متولي” لنور الشريف.

لكن ذلك لا ينفي أن هناك تجارب لمسلسلات كوميدية خالصة تعرض في رمضان منها على سبيل المثال، مسلسل “حكايات زوج معاصر 2003” لأشرف عبد الباقي والمخرجة شيرين عادل والكاتب محمود الطوخي، أو مسلسل “مبروك جالك قلق ” لـ هاني رمزي وغادة عادل، ولكنها خلال تلك الأعوام لم يكن المسلسل الكوميدي عنصرا أساسيا فيما تسعى القناة لتقديمه في رمضان، خاصة مع وجود الكوميديا في برامج الكاميرا الخفية والمقالب.

في تلك الفترة كانت هناك تجربة لم تحقق نجاحا كبير، وهي تقديم أول “سيت كوم” مصري على غرار النجاح الكبير لـ “سيت كوم” الأمريكي “friends” فظهر في 2002 الست كوم المصري “شباب أون لاين” والذي لم يحقق نجاحا جماهيريا وتعرض لهجوم نقدي بمنطق أن هذا الشكل الأمريكي غريب عن المجتمع المصري، وأنه “تقليد واستنساخ” ولكن ذلك سيتغير في عام 2006.

الموجة الثانية: (2005- 2010)

في عام 2006 يعرض السيت كوم “تامر وشوقية” من بطولة أحمد الفيشاوي ومي كساب وإخراج أسامة العبد، ويحقق نجاحا جماهيريا كبيرا وشعبية ضخمة، يدفع ذلك النجاح المنتجين للاهتمام بما يسمى “سيت كوم”، وفي العام التالي يبدأ سيت كوم آخر باسم “راجل وست ستات” لأشرف عبد الباقي، ليؤكد نجاح تجربة السيت كوم في مصر، ومن تلك اللحظة بدأ فيضان من السيت كوم ينطلق في كل عام، كان جزءا كبيرا من أسبابه هو انخفاض تكلفة إنتاجه بسبب وحدة الديكور، وبالتالي إمكانية إنتاج عددا كبيرا من الحلقات في أيام تصوير قليلة.

تنوع مستوى السيت كوم المقدمة بين الممتاز والجيد والرديء جدا، حتى وصلت في عام 2009 أن تعرض القنوات في رمضان 11 سيت كوم ما بين أجزاء جديدة لأعمال سابقة، وأعمال جديدة، ولكن كان من الطبيعي أن تبدأ موجة السيت كوم في الانكسار، بسبب عدم الاهتمام الحقيقي بتطويرها، وهو ما سيدفع النقاد للهجوم مرة أخرى عليها بنفس الاتهامات “ضعف الكتابة” “التكرار”.. الخ، بل وسيعلن محمد صبحي أنه سيواجهها وسيعود لتقديم مسلسل “ونيس والأحفاد”.

في نفس الوقت كان هناك تيارا ظهر مع صعود السيت كوم، وهو اهتمام المنتجين بإنتاج مسلسلات كوميدية لتعرض في رمضان، بنجوم من نجوم المسلسلات مثل مسلسل “ابن الأرندلي” ليحيي الفخراني، أو مسلسل “كريمة كريمة” لماجدة زكي، أو “عصابة بابا وماما” لـ هاني رمزي ونيكول سابا، وكذلك إنتاج مسلسلات لنجوم تألقوا في السيت الكوم مثل سامح حسين الذي تألق في “راجل وست ستات” ليقدم أول مسلسل كوميدي من بطولته في عام 2009 باسم “عبودة ماركة مسجلة” ويكرر ذلك في 2010 بـ “اللص والكتاب”، وكذلك مي كساب في مسلسل “العتبة الحمراء”.

كانت تلك الفترة هي البداية الحقيقية لأن تحصل الكوميديا علي مساحة ثابتة في خريطة رمضان، وهو ما فتح الباب أن تجذب المسلسلات نجوم الكوميديا السينمائيين لدخول عالم المسلسلات وهو ما بدأ مع مسلسل ” الكبير قوي”
في رمضان 2010، كـ أول مسلسل للنجم أحمد مكي الذي كان يحقق نجاحات كبيرة في شباك التذاكر السينمائي. وكذلك مهدت تلك المرحلة لظهور عدد كبير من كتاب الكوميديا التي خاضوا تجربة كتابة أعمالهم الأولى في ورش الكتابة التي صنعت من أجل السيت كوم، ليقدموا مسلسلات من تأليفهم ليست فقط كوميدية ولكن في كل التصنيفات.

الموجة الثالثة: (2010 – 2015)

ينهار السيت كوم ويختفي بشكل كبير من الخريطة الرمضانية، بالطبع حاول الصمود والتطوير ولكنها كانت محاولات فردية، منها مثلا في عام 2011، ظهر سيت كوم جديد وهو “الباب في الباب” وبالرغم من جودته الفنية وأنه من إنتاج شركة SONY له، كنسخة رسمية من السيت كوم الأمريكي everybody loves Raymond، لكنه لم يصمد أمام صعود موجة المسلسلات الكوميدية، حتى مع استمرار “راجل وست ستات” ليكمل 10 مواسم بنهاية 2016 ظل في النهاية مرتبط بأشرف عبد الباقي والبطلات أكثر من أنه توجه عام.

ذلك التراجع كان من أسبابه، تقديم أجزاء جديدة من مسلسل “الكبير قوي” لأحمد مكي ودنيا سمير غانم، ورجوع “عادل إمام” لتقديم المسلسلات، واستمرار بعض نجوم الكوميديا الجدد مثل سامح حسين في تقديم مسلسل كوميدي في رمضان، بل ودخول نجمات لتقديم مسلسلات كوميدية مثل “هند صبري” في مسلسل “عايزة اتجوز” و “إمبراطورية مين” حتى حنان ترك قدمت مسلسلا كوميديا “نونا المأذونة” وداليا البحيري “يوميات زوجة مفروسة”، وكذلك عودة محمد سعد بعد انخفاض أسهمهم السينمائية لتقديم مسلسل “فيفا أطاطا”.

السمة السائدة في تلك السنوات، هي استمرار المسلسل الكوميدي في حجز مكانه، ولكن بشكل أكبر كان النجاح للنجوم الكبار من عالم التلفزيون، أو لنجوم السينما العائدين للتلفزيون، وذلك لأنهم كانوا يحققون للمسلسل الكوميدي ضمانة أن يتم إنتاجه بتكاليف عالية لينافس، وليس فقط لسد الخانة بمسلسل كوميدي قليل التكلفة، وبالتالي تراجع الكثير من النجوم الذين ظهروا في الموجة الثانية، وهنا يجب أن نضع عنصرا هاما في صناعة الكوميديا وهو السوشيال ميديا، والتي زاد عدد المصريين على مواقعها في أعقاب عام 2011، ومعهم تصاعدت حالة الكوميديا والسخرية من كل شئ وهو ما بدأ تأثيره في تلك الفترة.
ويمكن أن ترصد ذلك علي مسلسل “الرجل العناب” في عام 2013 والذي صاحبه احتفاء من مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بشكل الكوميديا المختلف فيه عن ما كان يقدم حتي لو رأى الكثيرون أن العمل كان ضعيف الإنتاج. وفي نفس العام 2013 ستبدأ تجربة “تياترو مصر” لـ أشرف عبد الباقي” (ستعرف بعد ذلك باسم مسرح مصر) بتقديم مسرحيات مصورة في حلقات أسبوعية بمجموعة من النجوم الجدد، تلقى التجربة احتفاء كبيرا من الشباب والمراهقين، ومن مواقع التواصل الاجتماعي بالرغم من الهجوم النقدي الشديد عليها، وبالطبع سيأتي محمد صبحي ليقول هذا ليس مسرحا ولن يستمر كثيرا.

الموجة الرابعة: (2015- 2020)

في هذه المرحلة أصبح المسلسل الكوميدي، هو ما سيتابعه الجمهور عند أذان المغرب، فلقد أصبح سمة واضحة وأكيدة من سمات مسلسلات رمضان، وتضخمت ميزانيات إنتاج المسلسل الكوميدي وارتفع سقف أجور نجومه بشكل كبير، وبالطبع في البداية كان هناك هجوما على الكوميديا المبنية على الاسكتشات والشخصيات شديدة الكاريكاتيرية، وكذلك على أسماء نجوم تلك المرحلة الذي كان بعضهم قد ظهر كبطل مباشرة.

اتسمت هذه المرحلة بأننا سنختار ما سنقدمه في العام المقبل بما حقق نجاحا في العام الحالي، ففي عام 2015 قدمت “دنيا سمير غانم” مسلسل “لهفة” أول مسلسل كوميدي من بطولتها بعد أن تركت مسلسل “الكبير قوي” ليكمل بدونها، لتحقق نجاحا يجعلها تكرر التجربة في 4 مواسم بـ: “نيللي وشريهان” و”في اللالا لاند” و”بدل الحدوتة 3″، ستشاركها إيمي البطولة في “نيللي وشيريهان” لتعود لتقدم مسلسل “عزمي وأشجان” من بطولتها مع حسن الرداد، ثم تقدم مسلسل “سوبر ميرو”.
ينجح أحمد فهمي في مسلسل “ريح المدام 2017” والذي شاركه البطولة “أكرم حسني” ليقدم أكرم حسني في العام التالي مسلسله “الوصية” ويشاركه فيه النجم “أحمد أمين”.. ثم يعود في 2020 ليقدم رجالة البيت مع أحمد فهمي، يزداد نجاح “مسرح مصر” لينطلق علي ربيع ويقدم أول بطولاته في “صد رد” عام 2016 ، ويكرر ذلك في “سك على إخواتك” و”فكرة بمليون جنيه”، وكذلك مصطفي خاطر الذي يبدأ مع ياسمين عبد العزيز في عودتها للمسلسلات فيقدما “هربانة منها” ثم يقدم بطولته في “ربع رومي” و”طلقة حظ”، ويعود في 2020 ليقدم مع علي ربيع مسلسل “عمر ودياب”.
يقدم أحمد مكي في 2017 مسلسل “خلصانة بشياكة” مع الثنائي شيكو وهشام ماجد، ليعود شيكو هشام لتقديم مسلسهم “اللعبة ” في 2020، نفس الأمر يمكن أن تراه في تجارب محمد عبد الرحمن “توتا” و”أوس أوس” وحمدي المرغني وخالد أنور ومحمد سلام، حركة الكراسي الموسيقية في كل عام من أجل ضمان النجاح وتحقيق الصدارة في سباق الكوميديا الرمضاني.

نرشح لك: صناعة المسلسلات في مصر (6).. رمضان 2013 الاستثنائي والنيران الصديقة

بالطبع يجب إدراك أن هذه المرحلة تختلف عن ما قبلها في وجود مسلسلات كوميدية خارج رمضان، مثل “هبة رجل الغراب” و”طلعت روحي” و”كابتن أنوش” وغيرها، وهو ما سيدفع مسلسلات رمضان الكوميدية للبحث عن نقاط تميز تجعل المسلسل يختلف عما يعرض خارج رمضان.
كان هناك احتفاء كبيرا بما يقدم في تلك المرحلة في ذروتها ولكن يبدو أننا الآن في لحظة الانكسار، وبالطبع كما تعلم، سيبدأ الحديث عن “الاستسهال” “ضعف الكتابة” “التكرار” وهي أمور لا يمكن نفيها، لكن كذلك لا يمكن اعتبارها “فقط” سبب التراجع.. فـ تراجع المسلسل الكوميدي تعود أسبابها في البداية لأمور أخرى.. للحديث بقية.