صناعة المسلسلات في مصر (7).. رمضان 2017 سنوات الاستقرار وتمرد "هذا المساء"

إياد صالح

تمر السنوات ما بعد عام 2013  وحتى 2017 سريعا، وتدخل صناعة المسلسلات في حالة من الرتابة، تجعلك  قادر علي توقع ما سيحدث في مسلسلات رمضان بدون أن تشاهدها.

نرشح لك: رمضان 2010 “نهاية وبداية”.. صناعة المسلسلات في مصر (1)


أصبح الأمر أقرب للكلاشيه الثابت، فهناك مسلسلات شعبية تدور في الحواري والأزقة، وآخرى تشويقية مليئة بالجرائم والسيارات التي تنقلب في الحلقة الأولى، وهناك المسلسل الكوميدي الخاص بكل قناة تلفزيونية، والمسلسل الرومانسي الميلودرامي، وهناك المسلسل الذي يعيد تقديم قصة قدمتها السينما، وآخر مأخوذ من عمل أدبي، وهناك مسلسلات المغامرات الإنتاجية بتقديم بطل أو بطلة جديدة تألق في العام الماضي، ومسلسل عادل أمام ومحمد رمضان ويوسف الشريف.

 
لم يمنع ذلك وجود بعض التجارب الإيجابية أو المختلفة، مثل “طريقي” “تحت السيطرة” “أفراح القبة” “العهد” “جراند أوتيل” “ونوس” “السبع وصايا” “واحة الغروب” 

لم يكن عام 2017 بعيدا عن تلك المعادلة، يمكنك أن تلاحظ أن المستوى التقني قد ارتفع بشدة، فمعظم المسلسلات تم تصويرها بأحدث الكاميرات، وتم مونتاجها وتصحيح ألوانها بأحدث المعدات والبرامج، أما الملاحظة الأخري أن عام 2017 كان بداية واضحة لإنخفاض عدد مسلسلات رمضان،  بسبب ظهور مواسم أخر  لعرض المسلسلات “بداية العام / نهاية العام” أو كما يقول الصناعoff Season .  

في عام 2017 كان إجمالي المسلسلات التي تم عرضها طوال العام “56 مسلسل” منها 34 مسلسل في رمضان و 22 خارج رمضان، جميع ماعرض خارج رمضان أنتج من البداية للعرض خارج الموسم الرمضاني (يستثني من ذلك مسلسل بين عالمين الذي لم يلحق الموسم الرمضاني وعرض خارجه)

إنتاج وعرض مسلسلات خارج رمضان كان قدأ بدأ علي استحياء في الأعوام السابقة، كرد فعل لصعود الدراما التركية المدبلجة ذات العدد الكبير من الحلقات، واتسمت المحاولات الأولى لرد الفعل بتقلد الدراما التركية في نوعية القصص، وشكل التنفيذ، وعدد الحلقات، كما في تجارب مثل “مدرسة الحب” و”قلوب” و”ليلة” و”روبي” وغيرها.

نرشح لك: يحيى الفخراني – يسرا “معايير قياسية”.. صناعة المسلسلات في مصر (2)


في 2017 قدمت مسلسلات متنوعة، حققت نجاحات كبيرة في نسب المشاهدة، وبدأت في تأكيد أنه من الممكن أن تنجح الأعمال التي تعرض خارج رمضان، في هذا العام عرض “الأب الروحي” و”حكايات بنات” و”سابع جار” و”نصيبي و قسمتي” و”الكبريت الأحمر” و”أنا شهيرة أنا الخاين ” و” حجر جهنم” و”أبوالعروسة ”

بالطبع كان لذلك تأثير على مايقدم في رمضان، حيث أصبح هناك تأكيد على أن لرمضان خصوصية، وتصنيفات ثابتة، وأن التجارب المغايرة أو المختلفة يمكن التعامل معها في أعمال خارج الموسم لتقليل حجم المخاطرة، وكذلك في تأكيد فكرة “البطل” الذي يتم تسويق المسلسل به، فتراجعت البطولة الجماعية بشكل حاد.

ومع تحديد الأنواع وشدة المنافسة، تأكدت عبر تلك السنوات، فكرة أنك يجب أن تفوز من اليوم الأول، وأن الحلقة الأولى يجب أن تكون شديدة السخونة سريعة الإيقاع ، كما كان يقال بين العاملين: “احنا أول حلقة عملنها كأنها إيه …فيلم سينما”.

نرشح لك: هل كانت الأزمة في الكاميرا الواحدة؟.. صناعة المسلسلات في مصر (3)


لا مانع أن تكون أول حلقتين أو ثلاثة شديدة السخونة، لتنال رضا العميل، ويضعك في قائمة الأعمال التي سيتابعها، ولكن هل ستكمل بنفس السخونة ونفس الإيقاع ونفس الجودة؟ لا.. ليس بالضرورة اطلاقا، فليس هناك وقت، فنحن نبدأ تصوير في وقت متأخر ونكمل التصوير حتي أخر يوم في رمضان،  بل وأصبحت عملية الكتابة تنتهي في أعمال كثيرة في رمضان، فتكتب الحلقة الأخيرة يوم 25 رمضان وتصور يوم 26 و27 ويتم مونتاجها يوم 29 لتعرض ساخنة في 30 رمضان.

تزامن مع ذلك إرتفاع تكلفة المسلسلات، كذلك إرتفاع الأجور بشكل عام سواء للنجوم أو للتقنيين خلف الكاميرات،
وذلك مع زيادة المنافسة بين المحطات على أسماء النجوم لضمان بيع الإعلانات من قبل بدء الموسم. كان لإرتفاع ميزانيات الإنتاج دور في رفع مستوي التصوير كما ذكرنا من قبل، كذلك استخدام الجرافيك والمؤثرات البصرية وتصوير بعض المشاهد خارج مصر.

نرشح لك: صناعة المسلسلات في مصر (4).. هل كان “الجماعة” نقطة مفصلية للصناعة؟


بالطبع كان هناك عنصر، دخل المعادلة بقوة من بعد 2011 وزادت قوته في 2013 وأصبح أداة تقييم ومنافسة في الأعوام التالية، وهو “السوشيال ميديا” و”اليوتيوب” والذي تنافس الجميع على أن يضمن أنه يحقق انتشار ونجاح عليهما، سواء في الأرقام أو في ردود الفعل، وبمرور الوقت أصبح جزء من خطة الإنتاج، وتكاليف تسويق المسلسل هي ميزانية  خاصة للسوشيال ميديا، تحدد ما سيتم صرفه علي مواقع الفيسبوك وتويتر ويوتيوب لتحقيق أرقام كبيرة تؤكد نجاح العمل وتفوقه وريادته، وهو ما أدخل الصناعة في تحدي آخر وهو أن السوشيال ميديا لم تعد 100% هي الجمهور الحقيقي، بل هناك جزء عليك أن تصنعه وتدفع الأموال من أجل أن تضمن نجاح العمل.

وسط تلك الحالة تأتي تجربة جديدة في صناعة المسلسلات في عام 2017، وهي مسلسل “هذا المساء” للمخرج تامر محسن، الذي قدم عمله الأول “بدون ذكر أسماء” في 2013 …وحقق نجاح جماهيري كبير بمسلسل “تحت السيطرة” في 2015. 

نرشح لك: صناعة المسلسلات في مصر (5).. التأكد من أن القادم بعد 2010 مختلف


اختلاف مسلسل “هذا المساء ” كان من لحظة بدايته كمشروع، فالعمل من قصة، ومعالجة المخرج، حدث من قبل في “تحت السيطرة” لكن كان تشاركه في القصة والمعالجة السيناريست مريم ناعوم والتي انفردت بكتابة السيناريو والحوار

ولكن في”هذا المساء” كتب تامر محسن القصة والمعالجة، وكتب الحلقات ورشة أشرف عليها “محمد فريد” وشارك فيها 4 كتاب ( مها الوزير / عبدالله الغالي / سمر عبدالناصر / سمر طاهر )

نحن هنا أمام تجربة “المخرج المؤلف”، وأعتقد أنها لم تحدث من قبل في صناعة المسلسلات كما كانت تحدث في صناعة السينما، ففي السينما ستجد مخرجين مثل داوود عبد السيد قدم معظم أعماله من تأليفه، ولكن في صناعة المسلسلات كان هناك  صعوبة في الجمع بين الوظيفتين، ولكن أعتقد مع دخول  فكرة ورش الكتابة لصناعة المسلسلات، أعطت لتامر محسن فرصة أن ينفذ عمل “كمخرج ومؤلف”  ليصبح لدينا عمل لمشروع فني لمخرج،  يكتبه ويحكيه بصريا ويتحكم في كل تفاصيله.

نرشح لك: صناعة المسلسلات في مصر (6).. رمضان 2013 الاستثنائي والنيران الصديقة


تلك التفصيلة لم تكن أساس الإختلاف، لكن جاءت من أن العمل نفسه مغايير بشكل صريح لكل القواعد التي تأسست في تلك الأعوام، “الإيقاع السريع في البداية / الحدث الخاطف/ الشخصيات الاستثناية الأحادية / الميلودراما / النجم محور الحدث / الملل في المنتصف / النهاية الغير محبوكة / الجمل الكلاشيهية الرنانة / الرومانسية الزائدة/   ……)

فالعمل بطولة جماعية لـ إياد نصار، وحنان مطاوع، وأروى جودة، ومحمد فراج، وأحمد داود..وهناك أداور رئيسية لنجوم شباب جدد مثل أسماء أبو اليزيد، وخالد أنور، ومجمد جمعة، وهو ما يعني أن العمل تم كتابته ثم اختيار أبطاله، ولم يكتب ليقوم به بطل أو بطلة بشكل محدد مسبقا.

الأهم أن المسلسل جاء منذ الحلقة الأولى بإيقاع، هادئ وبطيء عندما يقارن بالمسلسلات الأخرى في نفس الموسم، ولكنه كان يزداد سخونة حلقة تلو والأخرى، في بناء منطقي لدراما تصاعدية لقصة ستحكي في 30 حلقة، ذلك الأمر الذي وضح مع ردود أفعال الجمهور الذي لم يتفاعل مع المسلسل في النصف الأول من رمضان، ولكن في النصف الثاني بدأ الإهتمام به يزيد، وبدأ الحديث على مواقع التواصل الإجتماعي، أن هناك مسلسل اسمه “هذا المساء” يجب أن تشاهدوه، ذلك الإهتمام الذي زاد مع الأسبوع الأخير وأصبح المسلسل يحتل جزء كبير من حديث السوشيال ميديا في ذلك العام.

الإختلاف الآخر، أن بعد سنوات كثيرة من احتفاء الصناع والجمهور بالمخرجين لأسباب مرتبطة بجودة الصورة  أو مشاهد الأكشن الصعبة أو شكل الديكورات أو اختيارات الملابس، كان “هذا المساء” يعيد فكرة أن الإخراج هو خلق عالم تدور فيه الأحداث وبناء بصري يعبر عن الشخصيات وتتطورها، وكذلك الاهتمام بأداء الممثلين وطريقة تعبيرهم عن النص وأفكاره، حتى لو كانوا أدوار ثانوية.

يمكنك أن تلاحظ ذلك عندما تقارن بين شكل القاهرة في “بدون ذكر أسماء” وشكلها في “تحت السيطرة” وشكلها في “هذا المساء ” الأمر ليس مجرد فرق الزمن أو فرق الأحياء، ولكن فرق اختيار المعادل البصري الأفضل للحكاية التي ستحكى.

بالطبع كان لموضوع المسلسل دور في نجاحه فقد تناول فكرة “التجسس” على الهواتف المحمولة، واختراق خصوصية الآخرين، وهو الأمر الذي يمس كل الناس بسبب سيطرة التكنولوجيا علي حياة الجميع، ولكن لم تكن تلك القضية وحدها هي مصدر الإختلاف، بل كانت المعالجة الحقيقة للشخصيات التي تنتقل بين عالمين في نفس المدينة بينهما تباين حاد وسمات مشتركة.

لنعود في النهاية لنفس النقطة، مسلسل “هذا المساء” والدروس المستفادة من تلك الخطوة، ظلت مرتبطة بصناعها ومخرجها، ولم يتم الاستفادة منها بشكل حقيقي لخلق تتطور في صناعة المسلسلات، وظل الأمر كما هو في الأعوام اللاحقة، موسم مكرر، في كل عام، مع بعض الاستثناءات النادرة.  

والملاحظ هنا أن صناعة المسلسلات في مصر، لا تفكر في التطوير أو التحديث بدافع فني، لكن يأتي فقط تحت ضغط التسويق والإعلانات، فحتى لو كان الجميع يلاحظ أن هناك مشكلة فنية وأن المستوي يتراجع، لن يحدث تغيير طالما عجلة الإنتاج مازالت تدور، فقط عندما تتأثر المبيعات دعنا نفكر في الحلول والتغيير.  

يمكن أن ترى ذلك بوضوح عند رصد تجربة السيت كوم والمسلسلات الكوميدية، التي بدأت من نقطة جيدة وأرتفعت حتى حققت مستوى فني جيد، ثم بدأت في التراجع في السنوات الأخيرة، فقط بدأ الحديث الدائم عنها كأزمة في صناعة الكوميديا في رمضان 2020.. لكن في حقيقة الأمر الأزمة بدأت قبل ذلك بعدة سنوات …وللحديث بقية.