وليد رشاد يكتب: إلي اللقاء.. حنان كمال

قد يتساءل البعض من رواد السوشيال ميديا من هى “حنان كمال” التى هز خبر وفاتها صفحات الفيسبوك وصدحت به تغريدات تويتر؟ ولماذا كتب البعض ولا يزال يكتب أجمل الدعوات لها قبل وفاتها وبعدها؟ ما الذى فعلته تلك الإعلامية المتواضعة هزيلة الجسد لتحصد كل هذا القدر من التعاطف والحب بل والدهشة؟حنان كمال

قد يبدو هذا التساؤل تلقائيا لمن لم يعرف “حنان”، في حين يبدو هذا الإهتمام طبيعيا ومنطقيا لمن تابع فقط معاناة “حنان” من خلال الفيسبوك، لكنه يبدو أقل من المتوقع والمطلوب بالنسبة لمن عرف “حنان” ولو فى فترة بسيطة من حياته، “حنان” أو “حنة” كما كان يحلو لأصحابها أن يطلقوا عليها تحولت لأيقونة من أيقونات الصبر والصمود ورضا النفس تضعها فى مرتبة كبيرة بين أصدقائها ومتابعيها، لأن قصة حياة “حنان” تصلح أن تكون قصة درامية من النوع العنيف وربما لو كتبت في رواية أو عمل درامى لن يصدقها البعض.

تبدأ قصة تلك الفتاة المجتهدة المكافحة بتحديها لكل الظروف لكى تدخل كلية الإعلام تمهيدا لدخولها مجال من أصعب مجالات العمل، والتى يدرك الجميع أن قواعد النجاح فيه لا تعتمد على الموهبة وحدها، ولكن “حنان” صممت أن تختار ذلك المجال الصعب كى تحقق المعادلة الصعبة بالنجاح فقط بمجهودها وإصرارها.

جمعها حب الصحافة والسياسة منذ أيام الجامعة بزوجها وشريك حياتها ووالد أولادها الثلاثة “أحمد نصر الدين” أو “نصرو” كما كانت تحب أن تسميه، وكما ذكرت لنا فى إحدى المرات أنه رغم الصداقة القوية بينها وبين “أحمد” أنها أحست بالوقوع فى غرامه فجأة، عندما عاد في التسعينات من المعتقل مباشرة على الجامعة للقاء أصدقائه فى الكلية، وأكدت أنها أحبت قميصه يومها وكانت لا تزال تتذكر أناقته فى ذلك اليوم البعيد وظلت تتذكره سنوات حتى سردت لنا تلك القصة فى أوائل الألفية الجديدة، وكأن نضاله السياسى خلق له هالة من التوهج والنور خطفت قلب وعيون تلك الفراشة الصغيرة التى تعشق مصر أكثر من أى شئ آخر.

وبدأوا حياتهم الزوجية بإمكانيات بسيطة تتناسب مع الرغبة الجامحة فى تتويج سريع لذلك العشق في حب مصر وصاحبة الجلالة، ولأن الحب يصنع المعجزات سواء كان حب رومانسى أو حب المهنة أو حتى حب الوطن، فقد لمع الاثنان بسرعة مذهلة فى مجال الإعلام وعملا وقتها فى أفضل المنابر الإعلامية وسطع نجمهما المهنى فى مصر، وسافرا للخليج بحثا عن نمط أفضل للحياة وتحديات مهنية إقليمية.

وعندما بدأت الدنيا والحياة الزوجية والمهنية تبتسم للزوجين المبدعين عاد القاسم المشترك حب الوطن والحنين إلى السياسة يضرب حياتهما من جديد، فقد صمم “أحمد” المناضل السياسى التسعيناتى على المشاركة فى ثورة “يناير” وقرر فجأة أن ينزل مصر (فورا ومضحيا بكل شئ) من أجل المساهمة فى تحقيق حلم حياته بوطن مختلف.

وكانت فى انتظار “حنان” المحنة القاسية التى قلبت حياتها رأسا على عقب، حينما أصيب “أحمد نصر الدين” فى حادثة كبيرة لكى تودع تلك الأسرة البسيطة الأفراح والأحلام وتتحول حياتهم إلى مأساة يعرفها الجميع، كما كتب قبلها بسنوات الشاعر الكبير “صلاح جاهين” وكأنه كان يصف مأساة هذه الأسرة الجميلة:

ادى اللى كان .. وادى القدر .. وادى المصير …

نودع الماضى .. وحلمه الكبير ..

نودع الافراح .. نودع الاشباح ..

راح اللى راح .. ما عادش فاضل كتير …

وكان على الزوجة الشابة أن تواجه (بإنكار شديد للذات وبصلابة منقطعة النظير) المشاكل الناجمة للزوج والحبيب عن الحادثة علاوة على مسئولية ثلاثة أطفال، وتتحول فجأة إلى أم وأب وزوجة وممرضة ومعدة برامج مسئولة ماديا عن البيت.

“حنان” حاولت جاهدة أن تنجح فى كل تلك الأدوار مجتمعة فى محاولة لتخطى الصدمة النفسية، ورغم أنها كادت أن تنجح فيها جميعا إلا أنه يبدو أن جسدها الهزيل خذل روحها الرائعة، ولم يحتمل كل هذا الحزن وسمح لذلك الوحش المراوغ أن يعربد في جسدها، ذلك المرض الخطير الذى يظل كامنا فى أجساد البعض متحينا فرصة أى ضغوط نفسية وأحزان لكى يهاجمهم بلا رحمة فى اضعف حالتهم النفسية والصحية، لانه يعلم جيدا أن خلايا المناعة لن تكون جاهزة لخوض معركة متكافئة معه.

واكتملت فصول المعاناة بضرورة دخول المرحلة الأصعب لمواجهة هذا المرض اللعين وهى العلاج الكيماوى ذلك العلاج الذى ربما يخفف من حدة المرض لكنه يدمر أيضا ما تبقى من قدرات لدى الجسد على المقاومة، وظلت “حنان” سنوات فى معاناة متعددة الجبهات بين مسئولية زوج مريض لا يقوى على مجرد الاهتمام بنفسه، واطفال ليس لهم ذنب فى كل ما حدث، ومهنة شاقة تصيب السليم بالأمراض المتعددة، علاوة على معاناة مزودجة بين الداء والدواء.

سنوات ظلت صامدة تحارب كل ذلك بالابتسامة والأمل والدعاء ومحاولات اختلاس وارتشاف تلك اللحظات النادرة من المتعة المتاحة فى ظل هذه الظروف العصيبة، لم تفقد إيمانها بإمكانية الشفاء وسافرت وحيدة إلى “تايلاند” ربما تجد علاجا جديدا، وتحملت كل سخافات إجراءات العلاج الصعبة والمنهكة، رغم إجماع الأطباء على أن الأمل ضعيف لكن كان أملها دائما فى الله عز وجل.

ويحسب لها أنها ولآخر لحظات حياتها ووعيها ظلت مقاتلة شرسة بطول تلك الجبهات المتعددة التى تحارب فيها، أظن الآن أنك عزيزى القارئ الذى لم تعرف “حنان” أو حتى تسمع عنها أو عن نضالها، سوف تدرك جيدا أن تلك المظاهرة من الحب أقل ما يمكن فعله من أجل أيقونة الصبر وملهمة الصمود والكفاح لدى الكثيرين، التى كان الجميع ينظر لها ويقرأ كلماتها وطريقتها المبدعة فى وصف أدق لحظات مرضها لكى يعرف تفاهة ما يعانى منه مقارنة بمعاناتها، ويحمد الله على أحواله مهما كانت صعبة أو شاقة من وجهة نظره ويدعو لها بالصمود لكى تستمر فى تلك الملحمة الإنسانية الفريدة.

ولكن لأن طاقة الروح مهما بلغ توهجها لا تستطع احتمال ألم الجسم المستمر والمتتالى؛ فقد رحلت “حنان” ولكن لم تسقط تلك القيم، التى حاربت وتحملت الكثير من أجل زراعتها فى كل متابعيها ومحبيها، رحم الله “حنان” وصبر أحبائها وذويها وجازى خيرا بخير صديقاتها اللاتي كافحن معها فى لحظات مرضها الأخيرة وعوضهن فى صحتهن وأولادهن.

حنان كمال

نرشح لك: بعد صراع مع السرطان.. وفاة الصحفية حنان كمال

شاهد: نهايات مأسوية لنجوم الفن