محمد غنيمة يكتب: "كيميا" وهدم صنم جلال الدين الرومي

عندما أشرع في اقتناء كتاب ما؛ أول ما يتبادر في ذهني هو إلقاء نظرة حول الفهرس ومن ثم المراجع، وعندما أجد ما يجذبني فيهم، أبدأ في تصفح خليفة المؤلف ومن ثم المقدمة، أما الأمر بالنسبة للرواية فيختلف معي إلى حد كبير، فغالبا ما أفضل الروايات التي تستلهم من التاريخ حكايته وسرده، وهناك أطر كثيرة تجعلني أقتني رواية ما،  منها الفترة الزمنية التي تعرضها الرواية أو الشخصية الرئيسة التي تقدمها الرواية، حيث تساعد الرواية في معرفة طبيعية الشخصية وميولها وغير ذلك من الأحداث ثم أعقب هذه الرواية بقراءة بحث أو كتاب موثق كي أتمكن من معرفة الخيال الذي يقدمه المبدع وتحقيقه مع واقع أحداث الرواية.
لكن الأمر أختلف معي مع رواية «كيميا» لوليد علاء الدين، حيث أني ترقبت هذه الرواية لمتابعتي للكاتب أولا ثم لمحتوى الرواية الجسور، فهذه الرواية تهدم صنما من أساطير تجرعنا قصصها دون وعي، عندما أمسكت بالرواية في يدي ذهبت عيني إلى الصفحات الأخيرة للرواية فوجدت ثبتا من المراجع والكتب الأصلية والترجمات التي أعتمد عليها، فألح عليّ سؤال لماذا أستعان الروائي بهذا الثبت الضخم من المراجع والترجمات، هل يبحث عن تحقيق شيء ما. ثم بدأت في تصفح الرواية بشيء من التأني والترقب فوجدت الصفحات الأولى طرحا مختلفا وكتابة من نوع آخر، ولأنني شغف بالتاريخ والنبش في طيات الماضي، وجدتني منساقا وراء السرد الجميل الذي يشبع كنهمي كقارئ ويروي فضولي التاريخي.
أولى قواعد البحث العلمي هو السؤال،” لماذا يقوم الباحث بهذه الدراسة؟، ولماذا هذه الفترة، وماهي التجارب السابقة وغيرها” بيد أن النتائج التي يفردها الباحث ما تبرز ما قام به من جهد، وهذا ما وجدته في الرواية فيؤكد وليد علاء الدين الكاتب لا أحد أبطال الرواية أنه رصد بدقة الروايات السابقة عن أحداث الرواية فنجد السارد يقرأ رواية «بنت مولانا» لموريل مفروي ويناقش أصدقاؤه وحتى المرشد السياحي الذي يقابله في ضريح مولانا جلال الدين الرومي عن رواية” قواعد العشق الأربعون” لأليف شافاق، ثم تجده أيضا يطرح أسئلة غائبة ووجيهه عن حياة كيميا ويسأل “أين قبر كيميا” كل من قارب جلال الدين الرومي له شاهد قبر حول ضريحه، لكن كيميا ليس لها وجود في حضرة مولانا. غير الأسئلة الأخرى المهمة حول زواج كيميا بشمس الدين التبريزي، وغيرها وهذا ما دفعني لسؤال” ماذا فعل الباحث بالروائي”، تدور أحداث عن وليد نفسه الذي يذهب في رحلة إلى تركيا ليكتب كتابا في أدب الرحلة، ثم يقع عبر رحلته في ما سماه الحلم الصافي، حيث يستطيع عبر اليقظة أن يدخل حشايا هذا الزمن، فيكلم كيميا عبر هذا الحلم الصافي، ثم يحكي له علاء الدين حبيبها عن أبشع الأفعال التي فعلها مع كيميا، حيث قدمها قربانا إلى أستاذه شمس الدين التبريزي في شكل زوجة، فقد أحاك الرومي الخطة مع زوجته العاشقة كيرا، كي تثبت وتوطد من وجود شمس الدين بقرب الرومي، دون النظر إلى صغر سن الفتاة التي ما لبثت أن ماتت، ولم يعد لها ذكر، هذا بجانب أن علاء الدين بن الرومي يؤكد بأنهم ليسوا عاشقا، أنا العاشق الوحيد” لكيميا”.
يبدأ الراوي في جسد علاء الدين بهد أسطورة المثنوي وجلال الدين نفسه، ويهاجم صاحبها فيقول
«هذه أسطورة ياعزيزي؛ هكذا تصنع الأساطير. من هو جلال الدين بالنسبة إليكم؟ رجل عاش قبل ثمانمائة سنة، نقلوا عنه قصصا مذهلة، وترك كتبا قالوا عن أحدها أنه أكمل كتاب في اللغة الفارسية، ورددوا على مسامعكم مختارات منه فاكتملت القصة، ولكن لم يقرأ أحد. المثنوي نظمُ مسجوع لقصص ركيكة سطحية تدعي أنها عميقة المعنى. وحجتهم في تلك الركاكة أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها. كتاب يُلغز ثم يقول لك إن لم تفهم ألغازي أو تعجبك حكاياتي فليس العيب فيها، إنما في ذاتك… راجع نفسك… انظر في مرآتك!
إما أن تقبل اللعبة وتسقط فيها مغلق الفم والعينين، وإما فأنت متجبر عنيد لا تفهم، ولم تعتن بمرآة قلبك، العيب عليك».
هنا تكمن مفاتيح الباحث بجلاء، في إطار روائي محترم، استطاع به أن يجعلني ألتهم الرواية، وأسأل نفسي أسئلته، ولن استفيض في شرح محتويات الرواية ولكني أستطيع أن أقول بملىء الفم أنها رواية تستحق عناء الكاتب وتستحق يد المقتني لا لجمال سردها وحلاوة مفرداتها، ولكن لأنها رواية من نوع مختلف في نمط الكتابة الروائية؛ حيث أنها رواية ذات تجربة وتذكرني بتجربة هنمجواي في روايته الرائعة “الشمس تشرق أيضا” حيث انضمّ همنغواي إلى مجموعة من المسافرين لحضور مهرجان سان فريمان والذي ساهم في تشكيل العناصر الأساسية لروايته هذه. وهذا نفسه ما دفع وليد علاء الدين نفسه الكاتب أن يحاول جبر خاطر كيميا التي ترقد عبر السنوات فصنع لها شاهد قبر وهد صنما من أصنام الصوفي.

نرشح لك: محمد غنيمة يكتب: معرض الكتاب.. بين المثيرين للجدل والمثيرين للغثيان!!

شاهد: هبة الأباصيري في حلقة جديدة من برنامج “مش عادي”: “لا يمكن أن أرتبط بهذا الرجل”