جيهان الجوهري تكتب: "قصة حب".. واللعب بالمشاعر

نقلًا عن مجلة صباح الخير جيهان الجوهري

أهم ما يلفت الانتباه في موسم أفلام نصف العام، هو وجود فيلمان على مستوى جيد ينتميان لنوعية الأفلام الكوميدية أولهما هو “نادي الرجال السري”، وهو فيلم يعتمد على كوميديا الموقف حقق أعلي الإيرادات مقارنة بالأفلام المعروضة جماهيريًا معه، والثاني هو “قصة حب” يندرج تحت نوعية رومانسي كوميدي، والأخير يدفعنا لسؤال  في المُطلق!، ما الذي يدفع جمهور لقطع ثمن تذكرة سينما؟. جيهان الجوهري

سؤال لا بد طرحه  بمجرد نزول “أفيش” أي  فيلم جديد ولن تخرج الإجابة عن إجاباتين أولهما: أن يكون الممثل له رصيد مع الجمهور وبحكم العشرة سيقطع له تذكرة ليرى الوجبة الفنية التي ستقدم له، وفي حالة إخفاق النجم  سيغفر له عثرته وسيظل ينتظر من نجمه المفضل الجيد الذي يرضيه، ثانيًا: أن يجد الجاذبية على أفيش الفيلم بدايةً من اسم الفيلم الذي يعطي انطباع مبدئي عن محتوى ما سيقدم للجمهور، ليأتي بعد ذلك  قدر من القبول لأسماء أبطال الفيلم.

فيلم “قصة حب” ينطبق عليه الحالة الثانية نحن أمام أفيش يحمل اسم فيلم يوعد الجمهور أنه سيشاهد عمل رومانسي، وفي ذات الوقت أسماء أبطاله الرئيسين لا نستطيع القول أنهما يملكان رصيد سينمائي  تسمح بالغفران والمسامحة في حالة فشل الفيلم، إذًا نحن هنا أمام مغامرة مشتركة من الجمهور والجهة الإنتاجية.

بطل الفيلم الرئيسي هو أحمد حاتم  الذي ظهر لأول مرة بفيلم “أوقات فراغ” الذي أنتجه حسين القلا في النصف الأول من الألفينات، وحقق الفيلم وقتها نجاح جماهيري مقبول لم يحققه فيلمه التالي “الماجيك”، الذي اشترك فيه مع نفس فريق عمل فيلم “أوقات فراغ”،  لكن ما بين هذين الفيلمين وحتى فيلم “قصة حب” كان أحمد حاتم هو الأكثر تواجدًا على الساحة الفنية ببعض الأعمال الدرامية دون تصعيد لنجوميته، أسوةً بزملائه الذين ظهروا معه في فيلم “أوقات فراغ”.

بالنسبة لهنا الزاهد الأمر يختلف قليلًا فقد بدأت رحلتها الفنية من خلال التلفزيون عندما كانت في الخامسة عشر من خلال مسلسل “يوميات ونيس” الجزء السادس، ثم عملت أدوار صغيرة ببعض المسلسلات  أشهرها بلا ترتيب “مأمون وشركاة”، و”الميزان”، و”مولانا العاشق”، و”أيوب”، وفي السينما حصلت على البطولة النسائية العام الماضي بفيلم “عقدة الخواجة” لحسن الرداد، بخلاف أدوار صغيرة بفيلمين آخرين “خطة جيمي” و”بني آدم “، وجميعهم بلا مردود جيد.

إذًا نحن في المجمل أمام اسمين ليس لهما رصيد كافي مع الجمهور والمغامرة بهما في تحمل أفيش سينمائي وإيرادات وخلافه، أمر يحمل الكثير من المغامرة المحفوفة بالمخاطر للمنتج ياسر صلاح، خاصةً أننا أمام فيلم  رومانسي مُغلف بالكوميديا الخفيفة كتبت له السيناريو والحوار أماني التونسي في أول تجاربها السينمائية.

ورغم ما سبق  نحن أيضًا أمام عوامل وظروف مُهيئة لاستقبال الفيلم بشكل جيد، أولها: تعطش الجمهور لهذه النوعية من الأفلام،  ثانيًا: أن عرض الفيلم يتواكب مع عيد الحب “الفلانتين”، وثالثًا: والأهم أن الفيلم خالف التوقعات ووجد صدى جماهيري لا بأس به، خاصةً أنه مصنوع بذكاء شديد سواء على مستوى حبكة السيناريو أو الإخراج.

قصة قديمة

بطل الفيلم هو مهندس  شاب أحمد حاتم “يوسف”، يتعرض لحادث يُفقده البصر مؤقتًا الصدفة تجمعه بفتاة هنا الزاهد “جميلة”، يقع في حبها وتجمعهما مشاهد عديدة تعكس مدى حبهما وفي اللحظة التي قرر مفاجئتها بارتداد بصره تكشف له عن “مرضها الخطير”.

قصة عادية جدًا ربما شاهدناها في الأفلام الأبيض وأسود أو حتى في الحديثة، وربما تكون المشاهد أيضًا مُتشابهة وكأن صناع  هذه النوعية من الأفلام يختارون هذه المشاهد من”الكتالوج” أو “المحفوظات السابقة”، مثل مشهد العصي الذي يلازم الضرير أو مشاهد الوقوع لعدم الإبصار أو تحسس وجه الحبيب لحبيبته ليتخيل شكلها وغيرها من الأكليشيهات التي حفظها الجمهور عن ظهر قلب.

تحدي  صناع الفيلم يكمن في اختيارهم لقصة رومانسية اتهرت في أفلام سابقة، ليقدموها بنسخة جديدة بمعالجة  مُختلفة تتوائم مع طبيعة العصر الحالي، وهذا ما نجح فيه صُناع الفيلم على مستوى السيناريو والإخراج  لتظهر النسخة الجديدة من الفيلم بشكل كوميدي جذاب ممزوجة بتراجيديا دون ابتزاز لمشاعرك، فأنت ستبكي مُتأثرًا بحال بطلي الفيلم وستضحك في مشاهد تم تنفيذها من قبل في أفلام بشكل تراجيدي؛  مثل مشهد أخذ هنا الزاهد ليد حبيبها أحمد حاتم ليتعرف على ملامح وجهها ليرمي أحمد حاتم “أفية” يجعل الصالة تنفجر من الضحك على عكس تنفيذ نفس المشهد بالأفلام السابقة، وقيس على ذلك مشاهد كثيرة بالفيلم كان ممكن تتحول لفوتو كوبي من مشاهد سبق تنفيذها  بأفلام أخرى من نفس النوعية، لولا ذكاء صُناعه الذين حرصوا على عدم الوقوع في هذا الفخ ليتميز فيلمهم عن غيره من الأفلام الرومانسية التي تناولت نفس الفكرة بقصص مُختلفة.

أحمد حاتم “يوسف”  كان أحد مفاجآت الفيلم خاصةً أن جُزء كبير من مشاهده التي فقد فيها بصره مؤقتًا فرض عليه التخلي عن أحد أدواته المُهمة كمُمثل وهي “العين والنظرات”؛  فهو لعب في منطقة مُختلفة عن الأدوار التي شاهدته فيها بالدراما التلفزيونية، منها الندل الذي يخون جاره في مسلسل “فوق مستوي الشبهات” أو الشخص المُعقد الذي يحاول فرض سيطرته بشكل مرضي علي حبيبته “سلمي أبو ضيف” في مسلسل “حلاوة الدنيا”، وغيرها من الشخصيات الشريرة التي جسدها بالمسلسلات ليؤكد في فيلم “قصة حب” أنه مُمثل قادر على التلون، ليكون  دوره في “قصة حب” بداية جديدة له مع المنتجين لتكسب السينما مُمثل جيد، يعي أهمية عدم حصر موهبته في نوعيات محددة.

هنا الزاهد  لعبت دور “جميلة” بدون افتعال وخفة ظل تتلائم مع طبيعة الفيلم، وإن كان هناك بعض الملاحظات على “نبرة صوتها” تستطيع التغلب عليها  بأعمالها القادمة، فهي من الوجوه المُبشرة تملك قبول جماهيري يحفزها على التنوع في أدوارها بعيدًا عن أدوار الفتاة الجميلة الثرية التي اشتهرت بها.

ياسر الطوبجي لعب دور زوج أخت أحمد حاتم بخفة ظل أضفت جو من البهجة، خاصةً في المشاهد التي جمعته بأحمد حاتم بعد الحادثة وكيفية تعامله مع الأمر بشكل كوميدي، أيضًا  دعمت حنان سليمان الفيلم بتواجدها في دور والدة هنا الزاهد، وكذلك علا رشدي التي قدمت دور شقيقة بطل الفيلم بشكل غير نمطي، أما فرح يوسف فقد تواجدت من خلال دور لا يتلائم مع موهبتها.

كسبت السينما اسم جديد وهو أماني التونسي كاتبة السيناريو والحوار بالفيلم، وبموهبتها حولت  قصة مستهلكة لفيلم رومانسي بمعالجة مختلفة مزجت فيها المشاعر الإنسانية بكوميديا لطيفة ليصبح “قصة حب” بداية جيدة لها.

يحسب للمخرج عثمان أبو لبن رؤيته الإخراجية في تنفيذ الفيلم بمعالجة جديدة جذابة لجمهور يفتقد لهذه النوعية ورغم ميزانية الفيلم البسيطة إلا أن أماكن التصوير الخارجي والإضاءة والألوان كانت متناغمة مع نوعية الفيلم، وفي تصوري  جلوس بطلي الفيلم في مكان مرتفع ومياه البحر أسفل ساقهما الحرة واعتراف أحمد حاتم “يوسف” بحبه لهنا الزاهد، من المشاهد التي ستظل عالقة بذهن المتفرج.

أيضًا لا ننكر جرأة المخرج في اختيارة مُمثلين لا يملكون رصيد جماهيري بالسينما ليقدم بهما فيلم رومانسي كوميدي، بمنطق السوق والعرض والطلب يعتبرون رهان خاسر لأي مُنتج لكنهما لم يخيبا الظن بهما ليؤكدوا على أهمية جودة عنصري السيناريو والإخراج بجانب الموهبة التمثيلية.

جيهان الجوهري جيهان الجوهري جيهان الجوهري

نرشح لك: جيهان الجوهري تكتب: “الكسبان والخسران في نادي الرجال السري”

شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة