مروة سمير تكتب: شغف القراءة.. الوسيط التنويري المفقود

قليلة هي الكتب التي تهتم بأداء دور افتقده جيلنا الحالي، دور الوسيط الذي يتفنن في تحفيز ونقل متعة القراءة، دون أن يغفل أهمية التعريف وتبسيط كتب تراثنا القيّمة. حتى وجدت غايتي في كتاب “شغف القراءة” للكاتب والناقد المصري إيهاب الملاح.

كلما أنهيت فصلا من هذا الكتاب، أجدني أمنع نفسي بصعوبة من التعليق مباشرة عليه بكلمات تليق بجمال محتواه! جهد رائع، بأسلوب سلس جذاب، يختطفك من الكلمات الأولى، بدءا بمقدمة أستاذ محمود عبد الشكور التي أكد فيها على ضرورة نقل متعة القراءة للأجيال الشابة بلغة يفهومنها، ومقدمة الكاتب نفسه التي أتت موفقة وقريبة جدًا من القاريء، يعزف على أوتار الحنين ليناير العظيم بوشيش الباجور الحميم، الذي تستشعر دفئه بخيالك حتى لو لم تعرفه، وبالحدث الأهم فيه لأي عاشق منا.. وهو معرض الكتاب بكل زهوه وفرحه، وجولات البحث واقتناء الكتب. مشيرا إلى واحدة من أجمل النصائح نقلا عن أستاذ محمود عبد الشكور: “اقرأ كأنك الشخص الوحيد الذي كُتب له الكتاب.. واكتب كأن العالم كله سيقرأ لك”.

“ليس هناك هدف أسمى من أن تُغري الآخرين بالقراءة”. هكذا بكل بساطة تدرك هدف الكتاب التنويري، معيدا إحياء دور مهم ورئيسي لم يعد موجودا الآن، في إشعال شغف القراءة بترشيحات ومقالات رائعة ومتنوعة، والتعريف بمحطات أساسية فارقة في تاريخ القراءة.

في الباب الأول بعنوان بهجة القراءة، تنتعش ذاكرتك مع دار المعارف العظيمة التي لها أكبر دور في إثراء الثقافة، وإصدارها لسلسلة «اقرأ» الرائدة في مجالها، وتتعرف على الكتاب المُبهر الذي تقت لاقتنائه: “لماذا نقرأ؟ لطائفة من المفكرين” الذي أعيد طبعه أكثر من مرة، خلال نصف قرن، مع الإضافة والتحديث، والذي يحوي مقالات عن القراءة لطه حسين والعقاد وجمال الغضبان وغيرهم من كبار الكتاب والمفكرين، كل هدفهم أن يقوموا بدور الوسيط التنويري للوصول للقاريء وإثارة شغفه لدخول عالم القراءة، وتبسيطه له. ومرورا بالكتاب القيم لدكتورة سهير القلماوي “العالم بين دفتي كتاب”، صاحبة فكرة معرض الكتاب، وصولا لألبرتو مانغويل صاحب كتاب “تاريخ القراءة”، الذي يعد مادة موسوعية حصيلة خبرات سياحية، كثيفة ومتنوعة بين أطنان الكتب، مكتوبة بعشق وشغف كبيرين.

ومن خلال المسابقة الثقافية اقرأ في أربعينيات القرن الماضي، يضع الكاتب واحدا من أجمل المقالات للراحل فؤاد زكريا الذي عرفه كرائد العقلانية النقدية في ثقافتنا الحديثة، بعنوان: “كيف حصلت على جائزتي الأولى؟” وسيفوته الكثير من لم يقرأ هذا الجمال عن الاجتهاد والمثابرة، في زمن أصيل.

وفي الباب الثاني الخاص بالأدب وتاريخ الأدب، رأيتُ جهد معجون بالشغف في تتبع وإحصاء إصدارات كتاب «ألف ليلة وليلة»، أصله وبداية صدوره وطبعاته المختلفة.

“صارت «الليالي» أيقونة الخيال الإنساني التي ألهمت، ولا تزال تلهم عظماء الفكر والفن والأدب بأعمال صارت من روائع التراث الإنساني”.تعيش مع الكاتب حالة الجمال وكتاب الأغاني للأصفهاني، وتتأثر معه بعشق الدراما التاريخية وسيناريو مسلسل «ليلة سقوط غرناطة». “اختار محفوظ عبد الرحمن، بذكاء شديد وحساسية عالية، لحظة تاريخية مؤسية، شديدة الخطورة وبالغة الدلالة، ليجسد من خلالها أزمة الإنسان العربي عبر العصور”. وغيرهم من المقالات التي تُبسط وتقرب للقاريء نخبة من أهم الروائع المختارة.

أما الباب الخاص بالنقد، فقد استهواني بشكل شخصي، لأنه صوّر النقد كما تصورته، وكما جاء في الفصل الخاص بشيخ النقاد محمد مندور، وكتابه الذي تشوقت لقراءته “نماذج بشرية”؛ وهو أن يكون فتحا وتعريفا بروائع الأعمال، تحليلها بانسيابية، مع تناولها ونقدها برؤى مختلفة.

الباب الأخير تراثنا.. تاريخنا، وجدته كنز ثقافي حقيقي يوضح أهمية وجود ما يطلق عليه الكاتب: “كتب المداخل والمفاتيح”، تلك التي تتوسط بين القراء المبتدئين الذين يستهلون طريقهم، ومن ثم خطواتهم الأولى، للتعرف إلى أيّ من فروع المعرفة». لنتعرف على تاريخ حافل من السعي الدؤوب والحماس المشتعل في نشر والتعريف بالتراث، لإثراء الحركة الفكرية والثقافية.

أحببت كثيرا الأجواء الراقية التي صدرت فيها السلسلة القيّمة “ذخائر العرب” عن دار المعارف في أربعينيات القرن الماضي، عندما طرح المرحوم شفيق متري صاحب الدار، على طه حسين فكرة أهمية إصدار كتب التراث الثمينة في ثوب وهيئة يليقان بها، ويعرض الكتاب جزءا من حديث راقي بديع، دار بينه وبين طه حسين، الذي شجعه على القيام بهذه الخطوة الثقافية الهامة، غير مهتمين بالمكسب المادي.

وتتوالى المقالات الرائعة المحفزة للقراءة، مرورا بأعلام العرب وروائع الأدب العالمي للناشئين، وفصل هام عن الترجمة وأزمتها، مع أهم حركات الترجمة وأبرز المترجمين وأعمالهم التي تدفعك للبحث عنهم وقراءة كل ما هو متاح منهم.

أنا فعلا منبهرة بهذا الكتاب الفاتن في محتواه وثرائه، وأنصح أي عاشق حقيقي للقراءة؛ بقراءته والاستمتاع به والاستفادة منه. وأتمنى أن يكون بداية لأجزاء أخرى متعددة.

“شغف القراءة” كتاب يقرأ مرات عدة لتشرب واستيعاب هذه الكنوز من المعرفة، ويستحق كل الشكر والامتنان لكاتبه أستاذ إيهاب الملاح.

مروة سمير

نرشح لك: محمود ربيعي يكتب: كيف يتم إنتاج الكتب الصوتية؟

شاهد: يحدث في مصر في 2019