هشام المياني: قصر الاتحادية للأعمال الخيرية!

نقلا عن جريدة المقال

في الحقيقة ترددت كثيرا في الكتابة عن هذا الموضوع منذ فترة على اعتبار ما يحيط به من حساسيات وعلى اعتبار أن البعض يراه شيئا محمودا وإنسانيا، ولكن لأن الأمور زادت عن الحد فقررت أن أتكلم عنه وأجري على الله.

المسألة تتعلق باللقاءات الكثيرة والمتتالية لرئيس الجمهورية مع مؤسسات وجمعيات ومبادرات خيرية، ففي الحقيقة إن لقاء الرئيس مع تلك المؤسسات أمر جيد لإعطاء دفعة معنوية لهم وتحفيزهم على المشاركة في التنمية ومساعدة الدولة، ولكن أن تتكرر تلك اللقاءات بشكل شبه منتظم شهريا منذ تولى الرئيس منصبه قبل عام من الآن، فهذا أمر غير مفهوم.

وفي تقديري فإن هذا يحول نظرة المواطن إلى الدولة من كونها دولة راغبة في التنمية والإنتاج والتشغيل والقضاء على البطالة إلى دولة تعيش على الأعمال الخيرية ومحاولات متكررة لإعطاء مسكنات لآلام الفقراء بدلا من علاج أصل مرضهم وهو الفقر.

وحقيقة فإن الفقر لن تصلح مع المسكنات ولا الإعانات بل الحل في توفير فرص العمل والتشغيل لهؤلاء الفقراء وأبنائهم وخلق بيئة إنتاجية حولهم تشجعهم على العمل والحياة.

فالمسألة ليست في أن تعطي هذا الفقير ما يسد جوعه أو جوع أبناءه، ولكن الأمر يتعلق بكيفية جذبه وانتشاله من حالة اليأس التي تجعله غير متشجع لأي محاولة للعمل وتغيير واقعه.

فالسبب الحقيقي في عدم حل أزمة الفقراء في مصر على مر التاريخ رغم محاولات الدولة المستمرة لذلك، هي الطريقة التقليدية التي لم تتغير حتى الآن، وهي إعطاء المسكنات وتوزيع الإعانات من مواد غذائية أو أموال أو غيرها، والتي دائما ما تنتهي بينما يبقى حال الفقراء كما هو بل يزدادون فقرا.

ولكن لم يلتفت أحد إلى دفع هؤلاء الفقراء لتغيير واقعهم بحق، ليحققون لأنفسهم الاستفادة ويحققون للدولة الإفادة، فمثلا هل فكرت الدولة مثلا في البحث عن الأسر الفقيرة التي لديها شباب واعد ولكن فقر أسرهم منعهم من إكمال تعليمهم فتتكفل الدولة أو المؤسسات الخيرية بتعليم هؤلاء الشباب ليكونوا عونا لأسرهم بالتنوير والحصول على وظيفة أو عملا محترما ينتشل أسرهم من الفقر ومن ثم يحققون الفائدة المزدوجة؟

هل أجرت الدولة بحوثا عن القرى الأكثر فقرا ونسب من يرغبون فيها في إكمال تعليمهم ولكن فقرهم يمنعهم؟.. وبالمناسبة قابلت شبابا كثيرين في قرى فقيرة أخبروني بحلمهم في التعليم ولكن ظروفهم المادية تمنعهم.

هل فكرت الدولة مثلا في جعل المؤسسات الخيرية تتبنى مشروعا خلاقا يهدف لتعليم أبناء الأسر الفقيرة حرفا ومهنا إنتاجية كي يعملون على تطوير واقعهم والقضاء على فقرهم بأنفسهم؟

أما استمرار الوضع على هذا الشكل الذي تتكرر فيه لقاءات الرئيس مع المؤسسات الخيرية دون مردود فعلي وواقعي لتلك اللقاءات فهو في تقديري أشبه بمن يبني لنا ديكورا لزوم التصوير والظهور في الإعلام كمن يحل أزمات الفقر بينما هو في الواقع يكرسه.

ثم ما المنطق في تكرار لقاءات الرئيس مع المؤسسات الخيرية خاصة وأنها تكون نفس المؤسسات والمبادرات في كل لقاء؟

فلماذا لا يكون التنسيق بين تلك المؤسسات والجهات المختصة مباشرة وحينما تكون هناك عقبة يتم مخاطبة الرئاسة لحلها؟

أما استمرار الوضع هكذا فهو تحول إلى ما يشبه التملق والاستفادة من اسم الرئاسة والرئيس بينما في الواقع لا يستفيد الفقراء شيئا كبيرا، فمن يريد أن يعمل على القضاء على الفقر بحق لن يحتاج غلى لقاء الرئيس ولا غيره طالما أن إجراءات وتحركاته سليمة.

فمثلا أنا لم أفهم خطوة أن يقوم الرئيس برعاية مبادرة توزيع 10 آلاف بقرة على الفقراء والمحتاجين، فهل خطورة كهذة تحتاج إلى رعاية الرئيس لها؟

ثم ما معنى أن تكون الإبقاء هدية من رئاسة الجمهورية كما ظهر في الصور التي نشرتها وسائل الإعلام بينما مؤسسة الأورمان الخيرية هي من تقوم بتوزيعها؟

هل هذه الأبقار تم شراءها من موازنة الرئاسة أو موازنة الدولة؟.. ولو كان كذلك فما دخل مؤسسة الأورمان بها؟

وللملاحظة فإنه كما ظهر من الصور فهي ليست أبقارا حلوب بل مواشي صغيرة، أي أننا نزيد من هم الفقراء ونزيد إلى أعباء تربيتهم لأبنائهم عبء تربية تلك المواشي حتى تصير أبقارا.

ولو أن هذه المواشي من مؤسسة الأورمان – وهذا هو الصحيح- فما دخل الرئيس بها ولماذا يتم وضع اسم الرئاسة على اللافتات المصاحبة لتوزيعها؟.. فمن يعمل شيئا عليه أن يقدمه للوطن ولفقراء هذا الوطن وليس من أجل الرئيس ولا غيره، وإلا فهو لا يكون يفعل ذلك للمصلحة العامة بل لإرضاء الرئيس للحصول على مكاسب من وراء إلصاق اسمه بتحركاته.

كما أننا لا نريد من الرئاسة أعمالا خيرية بل نريد من الرئيس ومؤسسة الرئاسة أعمالا إنتاجية وخطط خلاقة وإبداعية وإلا فنكتفي بتحويل الرئاسة إلى مؤسسة خيرية، لو كان هذا هو الحل في نظر القائمين عليها.

اقرأ أيضًا:

 هشام المياني: حكومة وبتحكم!

هشام المياني: عودة إعلام كله تمام يا افندم

هشام المياني: فزاعة تدخل الرئيس في السلطة القضائية التي تمنع محاربة الفساد  

هشام المياني: هل عزاء والدة مصطفى بكري من مكتسبات الثورة؟

هشام المياني: السيسي داعية لمدة 15 دقيقة  

هشام المياني: الدروس المستفادة من سيلفي السيسي  

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا