بين فنكوش الأزبكية وتحديات اليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب

محمد حسن الصيفي

ساعات ويفتح معرض الكتاب أبوابه أمام الجمهور في دورته الاستثنائية الخمسين، دورة اليوبيل الذهبي المنتظرة.

وما يجعل الانتظار مُشبعَا بالإثارة أمرين؛ الأول أن المعرض تم نقله من أرض المعارض بمدينة نصر، وللمرة الأولى سيكون في مركز المؤتمرات بالتجمع الخامس.

والأمر الثاني الذي أضفى مزيدًا من البهارات المطلوبة؛ غياب سور الأزبكية للمرة الأولى أيضًا عن فعاليات المحفل الكبير، وللدقة غياب أغلبه لأن هناك عدد قليل من باعة السور بالفعل سيتواجد بشكل رسمي في المعرض.

غياب السور عن المعرض جاء بين مؤيد ومُعارض، ونظرًا لعدم الاتفاق بين التُجار والمسؤولين قرر التجار إقامة “المعرض الموازي” في مكانهم المعتاد بالعتبة بدءًا من منتصف يناير الجاري ولمدة شهر.

والحقيقة أن المعرض الموازي ليس إلا “فنكوش”؛ لا جديد يذكر ولا قديم يعاد، نفس المعروض منذ سنوات، نفس الأسعار، نفس الكُتُب “المزورة” أو ربما زادت بشكل أكبر، نفس الأتربة، الزحام، فجاجة الباعة وفظاظة أساليبهم خلال عملية البيع والشراء، ولا وجود لأي تخفيضات أو كُتُب مجانية، أو بالفعل هي موجودة ولكنَها خدعة، حيث استوقفني أحدهم لشراء عشر كُتب مجهولة لا نعرف مؤلفيها ولم نسمع عنهم في طبق اليوم حتى، مقابل أن يمنحني ثلاث كُتُب مجانية “ودنك منين يا جُحا”!

ومسألة قرّب قرّب والكتاب أبو خمسة وسبعة وعشرة و15 هي الأخرى خدعة فأغلبها كُتُب مكتبة الأسرة القديمة التي قتلناها بحثًا والتي نشتريها منذ عشرات السنوات والأدب العالمي للناشئين، لا جديد بالفعل، كما أن مسألة التعامل مع الكتاب بمنطق “بـ 7.5 وتعال بص” أصبحت مسألة سخيفة وسمجة، الكتاب له قدسيته واحترامه، نحن معشر القراء أيضًا لنا الحق أن نقف في أماكن نظيفة ومحترمة لفحص العناوين أو حتى التفكير جيدًا قبل اتخاذ قرار مهم مثل شراء الكتب.

والأمر هنا ليس للهجوم على تجار السور، لكن للتوضيح، فما أعلنوا عنه ليلا ونهارًا وصَدَروه للعالم أنهم وقع عليهم الظلم وأنهم سيقومون بتضحيات مخيفة من أجل إرضاء القُراء أمر يحتاج لمارجعة طويلة؛ فما يخص التفاوض مع المسئولين في المعرض ليس قاصًرا على التفاوض المادي، بل الشروط والتي من أهمها منع الكتب المزورة والمضروبة ربما هو الذي سبب الأكبر للأزمة لأن نفر غير قليل منهم يعيش على بيع الكتب المضروبة، أما العروض والخصومات وتحطيم الأسعار فهو محض خيال لجر رجل الزبون، وبالنسبة للكتب المهمة والتراثية والمراجع وكتب القانون يقومون “بمقاولة” الزبون بأرقام فلكيّة، أقربها حين سألت عن كتاب مهم للكاتب والمؤرخ الكبير صلاح عيسى قال لي أحدهم “هعمل معاك واجب، هديهولك ب 230” جنيه!

المعرض يكسب .. لكن بشروط

أما ما يخص المعرض فكل ما وصل إلينا حتى الآن حضاري ونموذجي، القاعات مجهزة على أفضل ما يكون، الإضاءة ممتازة، المكان يتسع لأكبر عدد من الزوار دون الشعور بالاختناق أو الازدحام، مكان يحترم آدمية الزوار، ولأول مرة ستغيب الخيام والزحام والأتربة والباعة الجائلين والصداع النصفي ومكبّرات الصوت التي تصدح بشاعر الصعيد المشهور أو حتى بالمهرجانات، لكن يتبقى أن يصل الكتاب ليد الجمهور، أن يجد الزائر الأسعار في مستوى معقول يُمكنه من التفاعل مع المعروض والشراء وألا يكون سعر الكتاب في مستوى سعر كيلو “اللحمة” وإلا سيتحول المعرض إلى فكرة من أفكار الطبقية الغير مرغوبة، على دور النشر أن تبذل مجهودات حقيقية لتخفيض سعر الكتاب وخلق أفكار لتشجيع الزوار على الشراء والقراءة وإلا فما معنى أن يكون المكان حضاريَا ورائعًا ولكن دون حركة وبيع وشراء وتفاعل!

شاهد: أين كان هؤلاء الإعلاميون قبل 10 سنوات؟