وسام سعيد يكتب: شابووه وبعد (1)..عمرو محمود يس.. صياد جمهور

من الرائع أن تعرف كيف تؤكل الكتف…فهي مهارة وحرفة قد تكتسبها من الحياة وقد تولد بها.. وسواء في هذه أو تلك فأنت دائمًا على موعد مع النجاح وإحراز هدفك سريعًا.

“نصيبي وقسمتك” مسلسل احتل بجزئيه مساحة ليست بقليلة من ذاكرة متابعي الدراما في مصر، واستطاع أن يسجل هذا الاسم في تاريخ الأعمال الدرامية الأعلى مشاهدة والأكثر نجاحًا وقبولًا، وهذا في حد ذاته ليس بالأمر الغريب.

فما الغرابة في نجاح مسلسل يضع يده على كل مقاييس النجاح الفنية، بدءًا من اختيار قصص شديدة الواقعية من قلب وصميم المجتمع المصري، مرورًا بقيام كوكبة مميزة من نجوم الشاشة الفضية ببطولته سواءً كان في ثقل ووزن فنان جماهيري كـ هاني سلامة في جزئه الأول، أو عدة مواهب شابة واعدة كل منهم تألق في دوره مثل: أحمد العوضي وكريم قاسم وأحمد صلاح حسني، وأحمد مجدي، وعمر السعيد وجلال الزكي، فضلًا عن تألق مجموعة من النجمات بطلات الحلقات مثل: بسمة، ودرة، وهنا شيحة، وشيري عادل، وحنان مطاوع، وريم مصطفى، ونجلاء بدر، وهيدي كرم.

وما الغرابة أيضًا في نجاح المسلسل وانتشاره؛ ما دام الموسيقار المحلق تامر كروان يحكي ويرسم وينحت داخل الحلقات جداريات موسيقية لا تُنسى، بل أصبحت في ذاكرة المشاهد محفوظة ومطبوعة، حتى إنه يستطيع بناءً على سماع أي Track موسيقى منها تحديد الموقف الدرامي في المسلسل، إذا كان رومانسي ومتفائل، أم غضب وخيانة، أو حنين وذكريات.

أما الغريب فهو ما بدا كظاهرة فنية غير مألوفة، أن يُنسب المسلسل لمؤلفه وكاتبه، اللهم إلا في حالات نادرة حينما يرتبط اسم العمل بكاتب أسطوري، فلو وُضع مثلا في التتر عبارة “الأديب العالمي نجيب محفوظ والكاتب محسن زايد في حديث الصباح والمساء”، أوعبارة “أسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل يقدمان رائعتهما الجديدة”، كما حدث في الراية البيضا.

أما أن يتمكن مؤلف وكاتب شاب في عصر المنافسة الفنية الشرسة وتعدد وكثرة الأعمال المقدمة كل عام بموسميه الشتوى والرمضاني؛ من أن ينسب العمل له؛ ويمتلك المساحة الأكبر من حديث وتعليقات الجمهور والنقاد المتابع للمسلسل كما لو كان هو البطل الحقيقي لكل حلقات الجزئين، فهذا هو الغريب!!.

نرشح لك: 15 سببًا لنجاح ثاني قصص نصيبي وقسمتك.. “نظرة فابتسامة”

ومكمن الغرابة ليس في كون عمرو محمود يس كاتب ومؤلف في بداية طريقه وليس في رصيده كمؤلف سوى هذا العمل الضخم والاشتراك في الجزء السادس من ليالي الحلمية، ولكن الغرابة في أن يتفوق الكاتب على نجوم العمل نفسه وعلى مخرجه وممثليه، فيتكلم الجمهور في الشارع الفني ولأول مرة عن القصة ومبناها ومعناها، وفطرية الحوار، وبراعة عقدة السيناريو وحبكته.

فالمعتاد والسائد في الأعمال الحديثة لا سيما بعد غياب عمالقة التأليف الدرامي مثل “عكاشة وصفاء عامر وجلال عبد القوي ومحفوظ عبد الرحمن”، أن يحتفي المشاهد المصري بفنان أو فنانة أو مخرج أو حتى وجه جديد، ثم يتوارى السينارسيت كجندي مجهول خلف الأضواء ويتيه في زحام الكواليس.

لكن مع “نصيبي وقسمتك” وبالأخص في جزئه الثاني، فقد استطاع عمرو يس كمؤلف كسْر القاعدة السائدة، وليس هذا فحسب، بل قام بالمهمة الأصعب وهي الرهان على استمرار نجاح المسلسل في جزئه الأول وهو ما لم يتوقعه كثير من النقاد والجمهور أيضًا، قياسًا على قاعدة أخرى ثابتة وهي: أن الحفاظ على النجاح أصعب بكثير من النجاح نفسه، وأن كثيرًا من المؤلفين لا يمتلكون حنكة القرار بالتوقف أو الاستمرار فيما يتعلق بالسلاسل الدرامية تحديدًا، كونها سلعة رائجة تدر الملايين في الفضائيات والمحطات التلفزيونية.

راهن “يس” على نجاح جزء المسلسل الثاني، بل قامر بمستقبله الفني كله، لأن فشله كان سيعني الكثير لدى مشاهد لا ينسى ولا يغفر، ويكوّن انطباعات سريعة عما يقدَّم له.

ولكنه نجح في الرهان، واستطاع إقناع كل محبي الجزء الأول بأن العمل يحتمل جزء ثانِ، وربما ثالث أن لزم الأمر، وأن أفكاره متجددة لا تنضب وإن طافت جميعها حول فكرتي الخيانة والحب بين الرجل والمرأة.. لِم لا؟! وهل بين الاثنين في هذه الحياة إلا لحظات صفاء وعشق، تعقبها أو تتخللها لحظات خيانة وغدر؟!

تمكن “يس” في غضون 4 أعوام هي عمر عرض الجزئين، من اصطياد وجذب عدد كبير من الجمهور والمتابعين، سواءً بعرض العمل أو بالتفاعل مع جمهوره الذى يجيده تمامًا على صفحات الفيسبوك وتويتر، وهذه ميزة أخرى تميز بها جعلت منه صيادًا للجمهور والراعي الرسمي لمسلسله الذي حوى عصارة بنات أفكاره.

وقد كنت أحد هؤلاء الذين راهنوا المؤلف على صفحات الفيسبوك على احتمالية فشل الجزء الثاني أو على الأقل عدم حصده لنفس ردود أفعال الجزء الأول، ولعل سطوري هذه اعتراف حقيقي بأن الصواب قد جانبني حين كتبت في مجلة الأهرام العربي بتاريخ 4 سبتمبر 2018 مقالًا بعنوان: حينما يصبح عمرو محمود يس عدو نفسه!!

توقعت فيها ألا تحقق حلقات الموسم الثاني أي نجاح وأن غياب نجم كـ هاني سلامة من شأنه أن يضعف العمل، فضلًا عن تحفظي على تغيير التتر الأصلي للعمل، واستبدال صوت المطرب محمد الصاوي بصوت الفنانة يارا، وعدة تغييرات أخرى تصورت أنها ليست في صالح العمل.

وبعيداً عن أن كل 5 حلقات في الموسم الثاني كانت تحمل قصة مغرقة في الواقعية، وتحمل بين طياتها فكرة محسوسة ومعاشة، فإن السمة الأساسية التي يبنى عليها “يس” كتاباته بشكل عام هي القيمة الإيجابية المجتمعية والنزعة الروحية، والجنوح للدين كحل للخلاص والحياة المستقرة الآمنة، بالإضافة إلى الاعتماد على عنصر المفاجأة وإنهاء كل حلقة “مونتاجيًا” بلغز أو “تعليقة” يتم حلها في مطلع الحلقة التي تليها وهو أسلوب تميز به العمل منذ جزئه الأول، وصار سمة مميزة اعتادها مشاهد “نصيبي وقسمتك”.

وجاءت حلقات مثل: 604 وجدول الضرب وبحبك باستمرار ونظرة فابتسامة بالترتيب، لتكون هي الأعلى فنيًا من حيث الحبكة والفكرة وأداء الممثلين والإخراج الذي يتغير من قصة لأخرى.

ثم تتبعها بقية الحلقات في مستوى واحد من القوة، وإن خفت مؤشر الإبداع والجاذبية في قصة: حبيبة أمها، والتي تعتبر الأضعف فنيًا من حيث حرارة الفكرة وأداء الممثلين، حيث هبط الأداء البارد لـ محمد كيلاني بالحلقات خاصة المشاهد التي كانت مع زوجته اللبنانية الأصل، ولم يشفع لهذه القصة تألق النجمة درة في أداء دورها كفتاة فقيرة معدمة تحاول الإنفاق على علاج أمها.

وكما أن المسلسل شهد تألق مجموعة واعدة من الشباب صغير السن وضم مجموعة أخرى مخضرمة أكسبت العمل طعمًا احترافيًا مثل: محمود عبد المغني وإيهاب فهمي، إلا أن أبرز عيوبه كانت الاستسهال في اختيار بعض الممثلين في الدور الثاني والثالث، كمن يؤدي دور صديق البطل أو صديق البطلة، وبدا واضحًا الإصرار على فكرة الاستعانة بنجوم غير مصريين من تونس أو لبنان على حساب سخونة الأداء في المشاهد وقوتها.

أخيرًا… هل يُعتبر تحقيق نجاح مدوٍ كالذى حققه مسلسل “نصيبي وقسمتك)” وهو العمل الأول لمؤلفه، أمر يسير علينا ألا نقف أمامه؟! أم علينا أن نضع كاتب مثل عمرو يس في بؤرة الضوء ونصعّب عليه المهمة، وننتظر منه المزيد من التألق ومتابعة النجاح والاستمرار في الإبداع؟!

في كلا الخيارين فإنه بات أمامه المهمة الأصعب وهي الحفاظ على اسمه ونجاحه، وإثبات جدارته بما حظي به من تألق في مجال التأليف، الذي ليس فيه للنجم الأسطوري التاريخي محمود يس ناقة أو جمل.

إذن فهو بخلاف كل ما سبق صنيعة نفسه ونسيج ذاته بعيدًا عن نجومية والدته النجمة شهيرة، أو أي مس للشهرة قد أصاب زوج أخته الفنان محمد رياض يومًا ما.

وسام سعيد يكتب: الأستاذ علاء العطار.. عازف “كونشرتو” الأمل

شاهد: أبرز المشاهد السينمائية للفنان حسن حسني