محمد أبو مندور يكتب: طريقك أخضر

منذ فترة ليست بالقصيرة يؤرقني -كما يؤرقك – ويقضّ مضجعي حال شوارعنا في مصر المحروسة ، فلا حلول جذرية لاختناقات المرور اليومية، ولا راحة تتوفر لمن قاده قدره للوقوع في براثن ذلك الوحش الكاسر المسمى بالزحمة عدوة الرحمة، ولا أدّعي أنّني قد اقترح في هذا المقال ما قد يحل أو يربط، أو ما قد يعيد الأمور إلى نصابها، وتصبح شوارع المحروسة تنساب فيها المركبات بالشكل الإنساني الطبيعي أو حتى التخفيف من وقع الأزمة، فلا أنا متخصص في الأمر أو قارئ عنه حتى، إنما أنا في واقع الأمر لا أتعدى كوني ممن يعيشون في هذا الكوكب في موقع تصادف أنّ يكون هنا في مصر المحروسة بإذن من الله.

ولما كنت أمشي كباقي أبناء جنسي من البشر في شوارعها العامرة بالزحام ليل نهار، فقد شهدت وسمعت ما يشيب له الولدان وتسقط من وقعه الأسنان، لذا فمن الأهمية بمكان أنّ أروي ما رأيت وأردد ما سمعت، علّه يبلغ من لديّه معرفة أو فطنة ويقدم ما قد ينقذنا مما هال له العباد. فقد أصبح الأمر يمثل معاناة لمن تضطرهم الظروف إما لعمل أو لمن هو بالترحال شغوف، فلا يمكنك أنّ تلتزم بموعد ما إلا على أن تقوم بالرحلة قبل المضروب بساعتين أو بثلاثة على أقل تقدير، حتى تصل متأخرًا عن موعدك بفترة قصيرة، وذلك أمر فيه ضياع للجهد والوقت، ناهيك عما يتسبب فيه من أمراض تنتج عن التيبس في كرسي المركبة أيًا كانت، وعدم القدرة على التحرك لفترات طويلة، مع الأخذ في الاعتبار الهبدات والمخمضات التي تنتج عن المطبات الصناعية منها والطبيعية، والأخيرة أصبحت أكثر من المسافات المستوية في طرقنا التي تئن تحت وطأة الاستهلاك المبكر لما شاب إنشائها من عدم وجود توقع للمستقبل، فأضّحت لا تصلح حتى لسياقة الدواب، وعلى ذكر الدواب ما زلنا نرى تلك المخلوقات البائسة الحظ التي تقع تحت يد عربجي لا يرحم ولا يطهم ولا يسمن من جوع، ويضرب ويفرقع بسوطه لتهرول الدواب لتنقل البضاعة التي تحملها العربة. وبين الهرولة والطرقعة تحدث الربكة والتعطيل لكل ما يتحرك على الطرق.

بُلينا بظاهرة تسمى “توك توك”، بعد أنّ تعايشنا من قبلها مع الميكروباص، والتوك توك هو التطور الطبيعي للحاجة الساقعة (الميكروباص)، ولا تسأل لماذا انتشر التوك توك؟، لأنّه نفس السؤال عن انتشار الميكروباص، والإجابة واحدة وهي انعدام التخطيط لوسائل المواصلات، ولأنّه يخدم مجموعة مصالح مترابطة كشبكة العنكبوت لا تعرف بدايتها من نهايتها، ولك أنّ تعرف بأنّ التوك توك هو ابن الميكروباص أو هو الجيل الجديد منه، لذا ستجد أنّ من يقودون “التكاتك” هم أشبال أو أطفال في مرحلة ما قبل البلوغ، متسربين من التعليم ويستقون معارفهم من الأجيال التي سبقتهم من أباطرة الشوارع، الذين تركوا لهم مهمة الإزعاج والبلطجة في الحواري والأزقة التي لا تقدم فيها خدماتهم الجليلة.

نرشح لك: أحمد مدحت سليم يكتب: علامات في “كتاب المواصلات”

وكل هؤلاء هم أفرع لشجرة عائلة تمتد للمقطورات المفردة والمزدوجة، وما قضت عليه من أرواح على الطرق وما زالت، رغم محاولات المنع الموجودة على الطرق بالرغم من عدم حل مشاكلها. كنا في سابق الأيام نشكو من الزحام في الإشارات المرورية (فأصبحت رقمية)، لكنّ الزحام على الطرق السريعة كالدائري قد يكلفك أنّ تبيت في الشارع بالأيام بسبب هطول بعض الأمطار كما حدث في العام الماضي، فنحن لا نخطط فحسب بل نحن لا نحل ولا نمل من إلقاء اللوم على الطرف الأضعف في المعادلة وهو ذلك المسكين المواطن. هذا ليس كل شيء فلم نتناول ما يحدث في السكة الحديد والمترو وما لف لفهما.

الطريق الدائري وما أدراك ما الدائري، من المفترض أنّ الغرض منه هو تخفيف الضغوط المرورية عن المدينة، ولما كان أنّ توسعت المدينة وخرجت خارج نطاق الطريق الدائري قبل استكماله بشكل نهائي أو حتى مؤقت، أصبحنا مجبرين بإنشاء طريق دائري أوسع عله يكون الحل الناجع، وإلى أنّ يتم استخدامه يبقى الدائري أشبه بحبل مشنقة لمن يستخدمه، وأقترح وضع لافتة على مداخل ذلك الطريق تقول “استخدام الدائري يدمر الصحة ويسبب الوفاة”، أو “استعمل الطريق على مسؤوليتك الشخصية”، فلا توجد مشكلة يمكنك أو لا يمكنك أنّ تتخيلها إلا وستجدها، بل بإصدارها الأحدث أي مع التطوير والتجويد في هذا الطريق. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

منظومة النقل ترزح تحت كم من البيروقراطية والإهمال، لن ينصلح أمرها إلا بإعادة تكوينها من الجذور مع التركيز على منع مسببات المشاكل بأي شكل، ومهما كانت المقاومة وقوة المواجهة من مجموعات الضغط. وفي النهاية ليس لي إلا أن أتمنى لكم أمنيّة “طريقكم أخضر”.

محمد أبو مندور يكتب: المنافسة في ظل العولمة

نقدم لك| الحلقة الثالثة من الخلاصة.. حزب أعداء حمو بيكا