جيهان الجوهري تكتب: ما تعلاش عن الحاجب.. ليس عن المُنتقبات

نقلا عن مجلة صباح الخير
تعجبني فكرة جمع المؤلفين والمُخرجين بين العمل في الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، ذلك يعكس وعيهم وفكرهم السينمائي، كل ما يعنيهم تقديم سينما مختلفة سواء على مستوى الفكرة أو طريقة تنفيذها.

وخلال السنوات القليلة الماضية ظهر مؤلفون ومخرجون مهمومون بصناعة أفلام مختلفة على مستوى الأفكار، سواء كانت قصيرة أو روائية طويلة بميزانية مُنخفضة “سينما مستقلة”، وهؤلاء انتصروا لفنهم ولم يتوقفوا أمام الأسماء الكبيرة لنجوم الشباك، وكان أبطالها أسماء موهوبة جدًا، سيكون لهم مكانة مُتميزة بين نجوم الصف الأول.

ويعتبر المؤلف هيثم دبور والمخرج تامر عشري من الأسماء التي لا تقبل إلا بتقديم فن مُختلف، الجانب الإنساني بهما حاضر بقوة، ما يحرضك للتفكير والتأمل  بعد مشاهدة أفلامهما، والتي كان لها نصيبًا محترمًا من العرض في المهرجانات الدولية، بينها “فوتو كوبي” وهو فيلم شديد الإنسانية، وكما استفاد الفيلم من حجم الاسم الفني لمحمود حميدة وعبقرية أدائه، وكذلك موهبة شيرين رضا وتلوّن أدائها بأدوارها،  فالمؤكد أن “فوتو كوبي” مثّل إضافة مهمة لما قدموه سابقًا من أعمال مُتميزة.


وبجانب هذا الفيلم فاجئنا ذات الثنائي بفيلمهما القصير “ماتعلاش عن الحاجب”، الذي اقتنص جائزة مهرجان “الجونة” للفيلم العربي القصير من الأفلام المُنافسة له.

“صادم”

اختار مؤلف الفيلم طرح فكرته بشكل صادم، من خلال مُنتقبتين من خريجي كلية الطب، الأولى “عائشة” أسماء أبو اليزيد، التزمت دينيًا من الصغر على غرار والدتها، واختارت النقاب باقتناع وليس تكفيرًا عن ذنوب ارتكبتها، عكس صديقتها المتزوجة “مريم الخشت” التي انتقبت بعد ارتكابها بعض المعاصي، مثل شرب السجائر والخمور، لذلك تحاول التكفير عن معاصيها بمزيد من التشدد، بغض النظر عن الإنسانيات والمشاعر الغائبة عن قاموسها الشخصي.

الأولي وضعت سؤالًا على جروب يضم أخواتها المُنتقبات على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس ما يدور في عقلها الباطن، ماهو الشيء الذي إنّ لم يكن حرامًا لارتكبتوه؟!.

من خلال مشاهدتك للفيلم ستنتقل بفكرك من الخاص للعام، وستجد نفسك تطرح ذات سؤال بطلة الفيلم لنفسك، لتكون الإجابة وفقًا للبيئة التي نشأت عليها، وتركيبة شخصيتك المُختلفة عن بطلات الفيلم.

لا أعتقد أنّ مؤلف الفيلم كان مهتمًا بمشكلة المنتقبة في فيلمه قدر اهتمامه بشمولية الفكرة، سواء للمحجبة أو السافرة، والصراع الفكري والنفسي الداخلي للمرأة التي يؤرقها مشكلة ما في جسدها تؤثر على حالتها النفسية، وعلى نظرة الآخرين لها، والدليل أنّ مشكلة بطلة الفيلم “عائشة” أسماء أبو اليزيد قد تعاني منها الكثيرات من السافرات، وبشكل أكبر ومختلف في أي جزء من جسدها، وتخشى من إجراء عملية تجميل، إما لأسباب دينية أو لأسباب مجتمعية، بخلاف ارتفاع نسبة العنوسة، فهي قضية مشتركة بين المنتقبات وغيرهن.

نجح هيثم دبور ومعه تامر عشري، في تقديم فكرة مُختلفة تمس الجنس الناعم بشكل مُطلق، من خلال شخصيات صادمة مُثيرة للجدل، مُلائمة لموضوع الفيلم، وفي تصوري إذا كانوا قدموا فيلمهما من خلال شخصيات نسائية سافرة، لم يكن سيكون لها ذات التأثير.

يُمثل فيلم “ماتعلاش عن الحاجب” إضافة مُميزة  لكُل من أسماء أبو اليزيد ومريم الخشت، إذ برعت الأولى في التعبير عن صراعها الداخلي، بين عدم سعادتها بشكل حواجبها وبين حُرمانية تهذيبهما، وطريقة استغفارها بعداد الاستغفار اليدوي قبل أن تطولهما يد الكوافيرة.

والثانية تألقت في تجسيد الشخصية المُتشددة دينيًا، بعد ارتكابها عدة معاصي دنيوية، وتحاول تقويم صديقتها وتقنعها بالتراجع عن فكرة تهذيب حاجبيها، تارة بالترهيب من ردّ فعل شقيقها العنيف معها، والذي سيجعلها تخشى من النظر لنفسها في المرآة، وتارة من العقاب الديني الذي سينتظرها.

تميّز الفيلم يكمن في إبداع المُخرج في تنفيذ الفكرة وصياغتها بشكل سينمائي صادم ومؤثر، خلال 20 دقيقة فقط داخل أحد المولات، وبالتحديد ما بين الكافيتريا والحمام ومحل كوافير، وكذلك تميّز حوار المؤلف على لسان شخصيات مُثيرة للجدل بأفكارها في الواقع، تحاول إحداهن التمرد لاسترداد حقها في الحياة بأفضل صورة لنفسها، وصديقتها المُتزمتة التي تحسب كل خطوة بميزان الحلال والحرام وفقًا لفكر مُتشدد دينيًا اكتسبته من الأخوات المُلتزمات.

“ماتعلاش عن الحاجب” ما تزال أمامه فرص للمُشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية، ويستحق المشاهدة مثله مثل أفلام أخرى تنتمي للروائية الطويلة “المُستقلة”، أو القصيرة، لكنها تفتقد فرص عرض جماهيري جيد، وأعتقد إذا خصص أصحاب السينمات دقائق إضافية قبل عرض أي فيلم جماهيري بذات القاعة لعرض فيلم قصير، سيساهم مع الوقت في تعرف الجمهور على فن مُختلف ذو مردود إيجابي، في المهرجانات الدولية كافة، لكنه لا يعلم عنها شيئًا في بلده.

أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان