ابتسام أبو الدهب تكتب: السيد حجازي وزوجته.. أساتذتي في الحب والحياة

“كل إنسان له قدوة”.. هذه الجملة لطالما ترددت على مسامعي وأنا صغيرة، قضيت سنوات أنكرها بشدة ولا أعرف أي تفسير منطقي لها؛ كيف للإنسان أن يأخذ شخصا آخر قدوة له، يفعل ما يفعله ويقلده حتى يصبح مثله، لمجرد أنه أكبر سنا وأكثر نجاحا! أليس من المفترض أن يكون كل شخص متفرد بذاته لا يشبهه أحدا؟

ظللت كثيرا أبحث عن إجابات حاسمة لهذه التساؤلات التي شغلتني طويلا، كنت في مرحلة الدراسة الثانوية عندما سألني أحدهم بشكل مباشر “مين قدوتك في الحياة؟”، كانت إجابتي سريعة وصارمة ودون تفكير “لا أحد!”.

نرشح لك: أحمد مدحت سليم يكتب: الأستاذ الأول

بدأت فصلا جديدا في حياتي، مرحلة الجامعة والدراسة في كلية الآثار وما بعدها، وخلال تلك الفترة وبفضل عملي الذي أتاح لي التعامل مع أشخاص كثر ورحلات سفر متنوعة، تعرفت على عدد كبير من الناس لهم شخصيات وطرق للتفكير لم أكن أعلم عنها شيئا، توسعت مداركي، وتعرضت لمواقف جعلتني أدرك أخيرا إجاباتي الضائعة.

(1)

قبل عدة سنوات من الآن، كنت في رحلة عمل بمدينة الأقصر، وخلال تواجدي بالفندق الذي أقيم فيه تعرفت بالصدفة على دكتور السيد حجازي، الرجل الذي له باع طويل في المجال الأثري، سافر كثيرا إلى مدن المحروسة للعمل في المواقع الأثرية المختلفة بحسب تكليفات وزارة الآثار. وبعد أن بلغ سن المعاش تفرغ لمساعدة أي طالب يحتاج نصيحة، وكنت أنا من المحظوظين الذين تعاملوا معه.

تعرفت عليه أثناء زيارته لصديقه مالك الفندق. تحدثت معه حول الصعوبات التي تواجهني في تسجيل رسالة الماجستير الخاصة بي، سألني حينها عمّا يعترض طريقي فأجبته أن الموضوعات التي أريد البحث فيها رفضتها الكلية لأسباب عدّة، فقال لي دون تردد “يمكنني مساعدتك”، وأرسل لجلب بعض الكتب من منزله، وفي خلال عشر دقائق كانت الكتب حاضرة، واقترح أكثر من موضوع يمكنني البحث فيهم وسمح لي بتصوير الأوراق التي أحتاجها، ثم أعطاني كتابين هدية.

في تلك الزيارة تعرفت أيضا على زوجته الأجنبية، خديجة هاموند، امرأة جميلة أحبته، وقررت ترك مدينتها لتقضي باقي حياتها في البلد الذي تحب. بقصد أو بغير لم تكن تعلم السيدة خديجة أنها أثرت فيّ كثيرا.

(2)

مر يومان على عودتي إلى القاهرة، كنت منهمكة في العمل عندما دق هاتفي وظهر على الشاشة رقم لا أعرفه. أجبت فإذا به دكتور السيد حجازي يهاتفني خصيصا كي يطمئن على وصولي للقاهرة بالسلامة، ويطلب مني ألا أقطع سؤالي عنهم. كان لتلك المكالمة قيمة كبيرة بالنسبة لي، فقد تعودنا على أن يتابع التلميذ أستاذه دائما، أما أن يتابعك أستاذك فهذا يعني تقديرا كبيرا لك.

نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: حفظي.. والذين معه!

(3)

زيارة ثانية إلى الأقصر، تعرفت أكثر على السيدة خديجة التي أصبحت تناديني بـ “ابنتي العزيزة”. تساعدني دائما سواء بنصيحة أو بكلمات تشجيعية، تسألني عن حالتي العاطفية في كل مرة نتكلم فيها وأخبرها مخاوفي فتطمئنني، وتؤكد دائما أنها فخورة بي. وكذلك دكتور “حجازي”، رغم أنه لم يكن المشرف على رسالتي إلا أنه استمر في مساعدتي وتوفير المراجع العلمية التي أحتاجها في الدراسة، كما يحكي لي عن أبنائه وأحفاده، ويسرد لي قصصا عن أشخاص يعرفهم؛ ينصحني ويُعلمني من حكمته.

(4)
زيارة ثالثة، تغني خديجة وتعزف، تضحك وتخبرنا بأنها راضية عن الحياة التي تعيشها ولا تخاف الرحيل، وتؤكد أكثر بأنها ما زالت لديها الكثير كي تبذله، وتنصحنا بألا نحمل همًا ونستمر في محاولاتنا ومعافرتنا في الحياة، كي نفوز في النهاية.

(5)

في مرة، كنت أحتاج بعض النصوص الهيروغليفية المنشورة في مجلد باهظ الثمن، وكان دكتور حجازي قد حصل عليه من أحد أصدقائه بالخارج، فسمح لي بتصويره كاملا، واقترح بعدها بأن تصطحبني خديجة في جولة بمعبد الأقصر كي تشرح لي النقوش الهيروغليفية التي أحتاجها من هناك، وذهبنا بالفعل في اليوم التالي، وصورت كل ما أحتاجه بمساعدتها.

(6)

في إحدى محادثاتي مع أستاذي، أخبرني عن حبه لخديجة، قال لي إن الحب يطرق باب القلب في أي وقت، فالقلب لا يشيخ أبدا حتى إذا بلغ الإنسان الشيخوخة. قال لي أنتِ ما زلتِ صغيرة والحياة أمامك واسعة، اختاري بتأني ولا تتعجلي كي تدركي السعادة.

(7)

مواقف كثيرة لا يسعني المقال لذكرها، ولا توفي حق أساتذتي مهما تحدثت عنهم. أعلم أنهم لا يدركون كيف كان أثرهم كبيرا، وما زال، وكانوا سببا في تخطي صعاب كثيرة الفترة الماضية، ولكنهم سيعرفون هذا عند قراءة هذه الكلمات.

جعلتني إنسانية خديجة أحب الحياة أكثر وأتطلع للمزيد، علمتني أن أحلم بجرأة وأؤمن أن الحلم سيتحقق؛ فيتحقق، كما حققت هي أحلامها فوجدت الحب وعاشت في مصر، وأطلقت مركبة سياحية في النيل تجول بين الأقصر وأسوان. آمنت بأنه ليس هناك شيئا مستحيلا.

وجعلني كرم وتواضع دكتور السيد حجازي، أدرك أخيرا بأن قدوتك هو مُعلمك الخاص في الحياة، هو من يضيف لك حرفا أو صفة أو قيمة ما، ويجعل منك إنسانا أفضل.

أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان