هشام المياني: فزاعة تدخل الرئيس في السلطة القضائية التي تمنع محاربة الفساد

نقلا عن جريدة المقال

“تقدمنا بـ520 بلاغا في قضايا فساد للنائب العام ولا نعلم مردودها، وعندما أعلنت ذلك تصور النائب العام أن هذا هجوما عليه، وأنا أعتقد أن إشعار المواطن بتعاون أجهزة الدولة في مواجهة الفساد ليست مسئولية الجهاز المركزي وحده، فليس من المعقول أن تقول لي اكتب تقارير عن مراقبة الفساد ويكون مصيرها الأدراج”.

هذا ليس تصريحا من قبل ثورتي 25 يناير و30 يونيو، بل هو تصريح للمستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قبل أيام ضمن حوار مهم وخطير وساخن أجرته معه صحيفة العرب اللندنية.
فمن العجيب أن نجد مثل هذا التصريح بعد ثورتين قام بهما الشعب للقضاء على الفساد، ومن العجيب أن نجد رئيس الجمهورية يوميا يصرح عن ضرورة مواجهة الفساد ومحاسبة الفاسدين بل وتم وضع استراتيجية وخطة قومية لمكافحة
الفساد تعاونت فيها جميع الأجهزة الرقابية، بينما حينما يتم تقديم بلاغات عن فساد ولا يتم تحريكها أو التحقيق فيها.

ويجب علينا أن نسأل لمصلحة من عدم تحريك هذه البلاغات؟
إذا كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكبار المسئولين أنفسهم والشعب قبلهم يطالبون يوميا ويأملون في القضاء على الفساد.
ومنصب النائب العام هو النائب عن الشعب في الحفاظ على حقوقه وتقديم كل من يعتدي على تلك الحقوق للمحاكمة لاسترداد حقوق الشعب منه.

ويجب أن أشير إلى أن طريقة عمل الجهاز المركزي للمحاسبات هي المراقبة المستندية أي أنه لا يتقدم بأي بلاغ إلا مشفوعا بالمستندات الدالة على الوقائع التي تمثل فسادا واستيلاء على المال العام أو إهداره.
ومن ثم فلا مجال هنا لأن يكون الجهاز يقدم بلاغات كيدية أو لا تستدعي التحقيق، ثم أن مهمة النيابة التحقيق لإثبات التهمة أو نفيها فلماذا إذن لا يتم التحقيق؟

وأجد هنا من حقي كمواطن قبل أن أكون صحفيا أن أطالب النائب العام بالتحقيق في البلاغات التي قدمها الجهاز المركزي للمحاسبات أو غيره من الأجهزة الرقابية عن قضايا فساد ويكشف لنا الحقائق وإذا كان المتهمين في تلك القضايا أبرياء فسنكون قد تأكدنا من براءتهم بدلا من هذا الصمت والتعتيم المقلق.

ولكن علينا أن نتساءل هنا: لماذا لم يسال رئيس الجمهورية النائب العام عن مصير تلك البلاغات ولماذا لم يحقق فيها؟

ستقول لي إن هذا لا يجوز والسلطة القضائية مستقلة وليس من حق رئيس الجمهورية أن يسأل النائب العام عن أي قضية.
فأقول لك خدعوك فقالوا إن سؤال الرئيس للنائب العام عن مصير قضية ينال من استقلال القضاء.
وأوضح لك بصفتي عملت محررا قضائيا لفترة كبيرة أن التدخل في السلطة القضائية يعني توجيهها إلى قرار بعينه، ولكن أن يتم سؤال النائب العام عن مصير كل هذه البلاغات وسبب عدم التحقيق فيها فهذا ليس تدخلا في السلطة القضائية بل هو من صميم واجب رئيس الجمهورية بصفته الحكم بين السلطات، فسلطة الجهاز المركزي قامت بمهمتها وقدمت البلاغات عن وقائع الفساد التي توصلت إليها، ومن ثم حينما تهمل سلطة النيابة العامة هذه البلاغات فواجب الرئيس أن يسأل.

ولا أقول هنا إن الرئيس يوجه النائب العام باتخاذ قرار معين بشأنها بل يسأله عن مصيرها ويطلب التحقيق فيها لبيان الحقائق، لأن هذا الفساد لا شك انه يؤثر على استقرار حكم الرئيس والدولة.

ولو اعتبرنا أن مطالبة الرئيس للنائب العام بالتحقيق في بلاغات الفساد تدخلا في السلطة القضائية فإذن كل مواطن يتقدم ببلاغ للنائب العام ويطلب فيه التحقيق في وقائع معينه فإنه يتدخل في السلطة القضائية.

فالحقيقة أن سلطة النيابة العامة وجدت في الأساس ليطالبها الشعب بالتحقيق في أي وقائع أو جرائم تؤثر عليه أو تنال منه، والرئيس انتخبه الشعب ليحقق له الاستقرار والتقدم ولا استقرار أو تقدم إلا بالقضاء على الفساد أولا، وبناء عليه فمن واجب الرئيس المطالبة بالتحقيق في كل وقائع الفساد.

وللحقيقة فإنه حينما تم سؤال المستشار هشام جنيه في الحوار نفسه عن إمكانية تدخل رئيس الجمهورية لدى النائب العام للتعجيل بتحريك قضايا معينة، قال “هذه نقطة خلافية حيث تثار فزاعة دائمة لإرهاب الرئيس بدعوى الاعتداء على السلطة القضائية، فأنا قاض في الأساس وأعلم الحد الفاصل بين ما يعد تدخلا أو توجيها للقاضي أو النيابة بإصدار قرار معين، فهذه هي الجريمة، بينما مطالبته بالتحقيق في وقائع الفساد ليس تدخلا بل واجب الرئيس”.

والأهم من ذلك أن جنينه قال” إن منصب النائب العام يختلف عن بقية السلك القضائي، لأن طبيعة عمله وقراراته تؤثر بشكل كبير على جميع مناحي الدولة، ومن ثم لابد أن تكون هناك مساحة من التنسيق بينه والسلطة التنفيذية، كأن يكون هناك بلاغ عن قضية فساد كبرى حول تلاعب في البورصة، لو تم التعامل معها باعتبارها قضية عادية قد يصبح ضررها كبيرا على الاقتصاد، ولابد من وجود تنسيق حول توقيت القرار، وسبل التعامل معه، حفاظا على مصلحة الدولة، دون أن يخل هذا بتطبيق القانون على الجميع، وهذا معمول به في العالم كله”.

وبناء كل ما سبق وجب علينا أن نطالب الرئيس بأن يسأل النائب بل ويطالبه بالتحقيق في وقائع الفساد التي أبلغ عنها المركزي للمحاسبات وإلا فلا تقنعونا بأنكم جادون فعلا في محاربة الفساد.

اقرأ أيضًا:

هشام المياني: هل عزاء والدة مصطفى بكري من مكتسبات الثورة؟

هشام المياني: السيسي داعية لمدة 15 دقيقة  

هشام المياني: الدروس المستفادة من سيلفي السيسي  

هشام الميانى : دفاعك عن نفسك لا يكفي يا ريس

هشام المياني: من غير ما تغمز يا سيسي !!

هشام المياني: جثة الصحفي أهم من شغله !!

هشام المياني: صحافة برأس نعامة!!

هشام المياني: كيف تصبح مقربًا من أصحاب السلطة؟

هشام المياني: علشان رئيس تحريرك يحبك

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا