علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (3).. "Shoplifters"

انتهى الموعد النهائي لتقديم أفلام أوسكار أفضل فيلم أجنبي، والتي يجب أن تكون عُرضت في الفترة ما بين الأول من أكتوبر عام 2017 و30 سبتمبر 2018، وهذه السلسلة ستضم مجموعة من أهم الأفلام التي قدمتها بلادها لتدخل القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار، تلك القائمة التي سيتم اختصارها بعد إعلان ترشيحات الأوسكار في بداية 2019.

نرشح لك: علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (1).. حرب باردة

“سارقوا المتاجر” أو “Shoplifters”، هو آخر أعمال المخرج الياباني هيروكازو كوريدا والذي حصل على السعفة الذهبية، وقدمته اليابان ليمثلها في ترشيحات الأوسكار، وعُرض مؤخرًا في مهرجان الجونة السينمائي.

سارقوا المتاجر عمل يسرق القلوب، تشعر منذ البداية إنه يفتنك ويجعلك تتلاحم مع هذه المجموعة العجيبة من البشر، ترغب في سبر أغوارهم، لا تعلم هل هم بالفعل أبرياء لا يرغبون سوى في سرقة القليل من الطعام يسدون به جوعهم، أم ورائهم أسرار أكبر.

عائلة يجمعها رباط واهي من الفقر والجوع وأحيانًا الحب:

يبدأ الفيلم في متجر صغير حيث نتعرف على البطل رجل في منتصف العمر مع طفل صغير ببدايات المراهقة يقومان بسرقة المنتجات في احتراف شديد، يعودان للمنزل ليجدا طفلة تكاد تتجمد بردًا بملابس خفيفة، يقرر الأب أن يأخذها إلى المنزل لتحظى ببعض الدفء وعشاء يسد جوعها، وهناك نتعرف على باقي أفراد العائلة الغريبة، وهم سيدة شابة، وفتاة مراهقة، وجدة.

نرشح لك: علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (2).. “دوجمان” العابر للقارات!!

تعيش العائلة على حافة الحياة، يجمعون المال بشتى الطرق فقط بهدف سد الجوع، وامضاء الأيام يومًا بعد الآخر، لا تعلم ما هي الصلة التي تربطهم في الحقيقة، فالرجل والمرأة يتصرفان تصرفات الأزواج، فتظن بديهيًا أن الجدة والدة أحدهما، والطفل والمراهقة ابنائهما، ولكن يظلل الشك ذهن المشاهد حول هذه العلاقات هل هي بالفعل صحيحة أم لا؟ ولكن يتناسى هذه الظنون عندما توضع العائلة أمام معضلة أخلاقية، فالصغيرة يمتلئ جسدها بالندوب، تبول وهي نائمة، ومن الواضح إنها تعيش حالة عنف أسري بغيضة، فهل يجب عليهم إرجاعها لأهلها؟

على الرغم من شظف عيشهم فقد اختاروا أن يبقوها معهم كفم جديد يحتاج للطعام، ولكن الأهم كقلب جديد يحتاج للحنان.

البيت الورقي يتهاوى:

عندما يسأل أفراد العائلة بعضهم البعض ماذا يجمعهم، تجيب المراهقة “المال” فالحاجة للمال هي التي تبقيهم معًا أغلب الأوقات، فكل منهم يؤدي دورًا يدفع المسيرة خطوة للأمام.

قام المخرج في هذا الفيلم باستعراض مشاكل اقتصادية تتعرض لها هذه الطبقة في المجتمع الياباني العملي للغاية، والذي تسير فيه كل التروس بانتظام شديد، ولكن تبقى التروس الصغيرة تُسحق بسهولة وسط الزحام.

هذه العائلة مهمشة للغاية، تبدو كما لو إنها غير موجودة على خريطة المجتمع، لا يوجد تأمين أو معاش حكومي لأي شخص منها سوى الجدة، وذلك لأن زوجها المتوفي كان جنديًا سابقًا، الزوجة تعمل بجد في مغسلة ملابس، ولكن بسبب الرغبة في تقليل عدد العاملين يتم طردها دون تقديم أي حلول بديلة، عندما يصاب الزوج في قدمه يصبح شبه مفصول من العمل.

الصبي لا يذهب لمدرسة نظامية، ولا يبدو أن أحد مكترث بذلك، والطفلة واضح إنها كانت تعيش حياة قاسية بين أبوين لا يرغبان بها، ولكن لم يتحرك شخص لتبليغ الأمن عن غيابها سوى الجيران، واللذين لم يهتموا من قبل بالتبليغ عن العنف الذي تتعرض له.

أظهر الفيلم الحقيقة خلف الصورة المصدرة دومًا للمجتمع الياباني، الأمر الذي يظهر في بوستر الفيلم، عائلة كبيرة سعيدة، يحتضنون بعضهم البعض وفي الخلفية المنزل المهترأ، الذي على الرغم من ضيقه وكونه يبدو غير قابل للسكنى إلا إنه النقطة الرئيسية التي تجمع هؤلاء الأفراد.

 

 

حبكة مثل أوراق الكوتشينة لا تتكشف إلا بالتدريج:

واحدة من مميزات الفيلم حبكته وطريقة السرد الخاصة به، والتي تجعلك تطرح مع كل مشهد جديد سؤال، فما أن تحصل على إجابته حتى يطرأ على ذهنك سؤال آخر، شكوك كثير تظل تطن في رأس المشاهد، ولكن تأتي النهاية التي تجعله يكتشف أن ظنونه كانت أكثر سذاجة مما يظن وأن هذه العائلة لا زالت تخفي الكثير.

على الرغم من أن هذا النوع من الحبكات غالبًا ما يستخدم في أفلام الإثارة والتشويق ولكن استخدامها في هذا الفيلم الاجتماعي جاء رائعًا لأن الفيلم في حد ذاته يستخدم كسر أفق توقعات المشاهد ليفاجئه بأن الواقع أكثر بؤسًا مما يتخيل وهو الغرض الأساسي للمخرج.

ممثلون لا يقدمون أداءً بل حقيقة:

واحدة من أكثر الأشياء التي يتخوف منها المخرجون عند تفكيرهم بالطاقم التمثيلي هو التعامل مع الأطفال، وإدارتهم خلال العمل، ولكن يبدو أن هذا لم يزعج كوريدا الذي قدم في فيلمه هذا بدلًا من الطفل إثنين وكلاهما لم يقف أمام الكاميرا من قبل، ليستخلص منهم أداء تمثيليًا قمة في السلاسة والواقعية، فالطفلة Miyu Sasaki مايو ساساكي في دور يوري دورها لم يحتوي على الكثير من الكلمات على الرغم من المساحة الكبيرة المفردة لها، وذلك لأنه يعتمد بصورة كبيرة على الايماءات والنظرات والتفاعل الجسدي بينها وبين الأبطال الآخرين، وكذلك الطفل Kairi Jō كيري جو في دور المراهق الصغير الذي نشعر طوال الوقت بعدم راحته فيما يفعله مع عائلته، ولا انتماءه الكامل لها ولا نعرف لماذا حتى النهاية.

هذا بالطبع لا ينفي الأداء الأكثر من مميز من باقي طاقم التمثيل على رأسهم كيرين كي كي في دور الجدة والتي توفت هذا العام وكان هذا آخر أدوارها.

في النهاية “سارقوا المتاجر” واحد من أجمل أفلام 2018 وأكثرهم عذوبة حتى الآن، وأتوقع له الترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي.

شاهد: ملخص زيارة ميلانيا ترامب لمصر