هل يستحق "يوم الدين" الترشح للأوسكار؟

أندرو محسن

قبل أيام، أعلنت نقابة المهن السينمائية اختيار فيلم «يوم الدين»، للمشاركة في مسابقة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، حيث تعلن الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار، القائمة النهائية للأفلام المرشحة لنيل الجائزة العالمية في يناير من كل عام، والتي تخلو عادة من اسم أي فيلم مصري.

لم تسلم طريقة اختيار الفيلم المرشح للأوسكار من بعض الملاحظات، والسطور التالية تحاول الإجابة على بعض التساؤلات الخاصة باختيار الفيلم، وبعض التساؤلات الأخرى التي أحيطت بالأمر.

من الذي يفوز بجائزة الأوسكار؟

في البداية يجب إلقاء نظرة على الأفلام الفائزة في السنوات الماضية، بأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، كي ندرك حجم المنافسة، ففي العام 2018، فاز الفيلم التشيلي A Fantastic Woman «امرأة رائعة»، للمخرج سباستيان ليليو، الذي 26 جائزة من مهرجانات مختلفة، بينها جائزة «الدب الفضي» لأفضل سيناريو من مهرجان برلين في دورته الـ67.

وفي العام 2017، فاز الفيلم الإيراني The Salesman «البائع» للمخرج أصغر فرهادي، والذي حصد 10 جوائز أخرى، بينها جائزة أفضل ممثل وأفضل سيناريو من مسابقة مهرجان كان في دورته الـ69.

الأفلام الفائزة ليست هي التي لديها قائمة طويلة من الجوائز، بل إن الأفلام الأربعة الأخرى المرشحة عادة ما يكون لها القيمة ذاتها، ففي العام الماضي كان لدينا الفيلم الحاصل على السعفة الذهبية من مهرجان كان The Square «المربع» ، والفيلم الحاصل على جائزة لجنة التحكيم من نفس المهرجان Lovelsess «بلا حب»، والفيلم الذي نال الدب الذهبي من مهرجان برلين On Body and Soul «عن الجسد والروح»، وأخيرا الفيلم الحاصل على كأس فولبي لأفضل ممثل في مهرجان فينسيا «قضية رقم 23».

لا نعني بالطبع أن الحصول على جائزة هو مؤشر فوري لقوة الفيلم، لكنه بلا شك أحد المؤشرات المهمة، خاصة حين تكون الجائزة من مهرجانات كبرى تشهد منافسة قوية على جوائزها. لكن هناك عاملا آخر تضيفه هذه الجوائز والمشاركة في المهرجانات، وهو تعرّف السينمائيين على الفيلم، فهو ليس مجرد فيلم غير معروف مرشح من إحدى الدول، لكنه فيلما شاهدوه أو سمعوا عنه على الأقل في هذه المهرجانات، وفي الأغلب تتشابه الأفلام التي تصل إلى القائمة النهائية لترشيحات الأوسكار، مع تلك التي تكون في الفئة ذاتها بجوائز الجولدن جلوب «الكرة الذهبية».

إذن هذه الأفلام لديها ما يدعمها بالفعل، بخلاف جودة المستوى الفني المتحقق فيها بالطبع، حتى مع تفاوت نسب جودة هذه الأفلام، لكنها في النهاية بها ما يزيد عادة عن الحد الأدنى من الجودة في العناصر السينمائية المختلفة، للحد الذي يجعل في بعض الأعوام، المنافسة على هذه الجائزة أقوى من المنافسة على أوسكار أفضل فيلم.

نعود الآن إلى الاختيار المصري، لنرى إن كان أيا من الأفلام المصرية لديه حظوظ في الوصول إلى القائمة النهائية.

5 أفلام.. من يصلح؟

تمنحنا عملية الاختيار نظرة شاملة للأفلام التي عُرضت خلال عام، تحديدا منذ بداية أكتوبر من العام الماضي وحتى نهاية سبتمبر من العام الحالي، وهي السنة التي تعتمدها لائحة الأوسكار، على أن تكون الأفلام المعروضة عُرضت لمدة أسبوع واحد على الأقل في دور العرض مقابل تذاكر مدفوعة.

نرشح لك: منة فضالي لجمهورها: «افتحوا صفحة جديدة مع ربنا»

بناء على هذه القواعد وصل إلينا 38 فيلما باحتساب فيلم «يوم الدين»، الذي يبدأ عرضه يوم الأربعاء 23 سبتمبر، وهو ما سنتطرق إليه لاحقا.

في البداية شكّلت اللجنة المنوطة بالاختيار قائمة قصيرة تضم 5 أفلام بعد التصويت، وهذه الأفلام يمكن أن نطلق عليها الأفضل من وجهة نظر أعضاء اللجنة، وكانت الأفلام هي: «أخضر يابس» لمحمد حماد، «تراب الماس» لمروان حامد، «زهرة الصبار» لهالة القوصي، «فوتو كوبي» لتامر عشري، و«يوم الدين» لأبوبكر شوقي.

لكن هل تصلح هذه الأفلام للمنافسة بالفعل؟

سريعا يمكن استبعاد «تراب الماس» من المنافسة، بخلاف كونه لم يشارك في أي مهرجان من قبل، فالفيلم ينتمي إلى نوعية الجريمة ولا يقدم فيها جديدا، ومستواه في النهاية متوسط، وبالتأكيد لن يكون الفيلم منافسا بهذا الشكل للأفكار والموضوعات المختلفة التي تقدمها الأفلام الأخرى.

«زهرة الصبار» نال جائزة في مهرجان دبي في دورته الـ 14، وشارك في مهرجان «روتردام» في مسابقة المستقبل المشرق للأعمال الأولى Bright Future دون الحصول على جوائز. لكن بعيدا عن هذه المشاركات القليلة جدا، فإن الفيلم فنيا عليه الكثير من الملاحظات بالطبع. ببساطة يمكننا أن نقول إنه فيلم يهتم بالشكل على حساب المضمون، الألوان والكادرات لافتة للأنظار، لكن السيناريو عليه الكثير من المآخذ، خاصة ما يتعلق ببناء الشخصيات، والفكرة ذاتها تتوه بمرور الوقت على حساب إبراز ديكورات ملونة جذابة.

ننتقل إلى «فوتو كوبي»، الذي لن نجد على صفحته على موقع IMDb سوى مهرجان وحيد وجائزة وحيدة، هي جائزة أفضل فيلم من مهرجان طرابلس، لكن الفيلم شارك في مهرجانات أخرى مثل الجونة ووهران للفيلم العربي، وحصل فيهما على جوائز.

لدينا في «فوتو كوبي» موضوع أفضل بالفعل من الفيلم السابق، وتنفيذ جيد أيضا من المخرج، لكننا في الوقت ذاته سنجد عددا من المشكلات في السيناريو، أبرزها بطء الأحداث وغياب بعض التفاصيل المهمة عن شخصيات الفيلم، إضافة لتفاوت مستوى الأداء أيضا.

يتبقى لدينا فيلمان هما «أخضر يابس» و«يوم الدين»، وكلاهما كان له حظوظ أوفر في المشاركة في المهرجانات المختلفة.

بدأ «أخضر يابس» مسيرته في مسابقة مهرجان لوكارنو في دورته الـ69 في مسابقة سينمائيو المستقبل، المتخصصة في الأعمال الأولى أو الثانية فقط، وزار الفيلم 7 مهرجانات مختلفة في أوروبا وغيرها، وحصل على جائزتين. بينما شارك «يوم الدين» في المسابقة الرسمية لمهرجان كان فقط، وحصد جائزة فرانسوا شاليه، ومن المنتظر عرضه في مهرجان الجونة. وهما بالفعل الفيلمان الأفضل فنيا من بين الأفلام التي عُرضت خلال هذه الفترة.

فيلمان فقط من 38 فيلما!

يبدو أن هناك ما يجب أن نلتفت إليه أكثر من تلخيص مشكلات مصر في الأوسكار، في أن اللجنة اختارت الفيلم قبل عرضه التجاري، أو أن الشركة قررت للفيلم عرضًا تجاريًا قبل أسبوع من موعد النهائي لإرسال الأفلام للمشاركة في المسابقة.

نظرة أخرى

ردا على ما أثير عن العرض المحدود لفيلم «يوم الدين» في محافظة المنيا، قبل عرضه في باقي المحافظات، فهو أمر تلجأ إليه شركات الإنتاج في أمريكا ذاتها، إذ تُنظَم عروضا محدودة لبعض الأفلام حتى تلحق بالفترة المحددة للمشاركة في جوائز الأوسكار، وبعدها يُوزع الفيلم على نطاق أوسع في أمريكا وخارجها، الأمر ليس بدعة.

لكن ما يحتاج إلى النظر بالفعل هو تراجع المستوى الفني لمعظم الأفلام المعروضة. في بعض الدول يكون عدد الأفلام المنتجة من الأساس قليل، وبالتالي فالاهتمام بإخراج أفلام جيدة فنيا يأخذ مساحة أكبر من إنتاج الأفلام التجارية، وهو ما لا يحدث في مصر، التي يُعرض فيها سنويا ما لا يقل عن 35 فيلم تقريبا، ومع ذلك من الصعب أن نخرج منهم بـ5 أفلام جيدة يمكن أن تنافس على جوائز أو تذهب إلى مهرجانات، كما أن غياب ثقافة تسويق الأفلام بشكل جيد في المهرجانات الكبرى في الخارج، أمر يحتاج إلى إعادة النظر من شركات التوزيع، بالفعل بدأ بعض المخرجين وبعض الشركات يلتفتون إلى هذا ويدفعون بأفلامهم للمشاركة في المهرجانات، لكن تظل المشاركات محدودة جدا.

هل يعني هذا أن فرص «يوم الدين» في الوصول إلى القائمة النهائية أو حتى القائمة القصيرة ضعيفة؟، في الأغلب الإجابة «نعم»، وإن كنا نتمنى بالتأكيد وصوله، ونتطلع إلى حصده المزيد من الجوائز في مهرجانات مقبلة.

لكن يبقى الأهم هو المستوى العام للسينما المصرية الذي يبدو متذبذبا إلى حد كبير، رغم التحسن النسبي في السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ شاهدنا فيلمًا مثل «اشتباك» لمحمد دياب يشارك في 10 مهرجانات مختلفة، بينها «كان، لندن، وميونيخ»، وفيلم «شيخ جاكسون» لعمرو سلامة، الذي شارك في مهرجاني تورونتو ولندن، إضافة إلى «أخضر يابس» كما ذكرنا، الذي عُرض في العديد من المهرجانات.

مقارنة بلبنان التي يصل فيها الإنتاج إلى نصف ما تقدمه السينما المصرية تقريبا، فسنجد أن هناك فيلما لبنانيا واحدا على الأقل كل عام، يحقق نجاحا كبيرا وملحوظا في المهرجانات الكبرى، آخرها «كفر ناحوم» الذي حصد جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان في دورته الأحدث، وفي العام الماضي كان فيلم «قضية رقم 23»، إلى جانب الإنتاج المميز أيضا في مجال السينما التسجيلية، التي بتنا نفتقدها تماما في مصر، إلا بظهورات متقطعة، مثل فيلم «أمل» لمحمد صيام، و«الحلم البعيد» لمروان عمارة والألمانية يوهانا دومكا.

هل قدمنا نظرة متشائمة؟ ربما، وربما هي مجرد محاولة لطرح أسئلة وإجابات من زاوية أخرى.

هوامش:
– الجوائز والمهرجانات المذكورة طبقًا لموقع IMDb.