حسين عثمان يكتب: ملاحظات العيد السبعة

هل استمتعت بإجازة عيد الأضحى المبارك؟.. إجازة العيد كانت إجازة طويلة، صحيح أنها بدأت رسمياً يوم الإثنين الماضي، ولكنها عند جموع المصريين بدأت يوم الجمعة السابق عليه، فنحن من هواة البريدج، أو كوبري الإجازة الاعتيادية ما بين الراحة الأسبوعية والعطلة الرسمية، وهو ما يعود بنا إلى سؤال المقدمة، فبقدر ما نهوى الحصول على الإجازات، وإلى حد التحايل لاقتناصها، بقدر ما نفتقر إلى ثقافة الإجازات، ثقافة تجديد الروح والحياة بفواصل من المتعة، بعيداً عن روتين ورتابة الحياة اليومية، أزعم أنها ثقافة يفتقدها عموم المصريين، فالإجازة عندهم مهما طالت، لا تخرج عن النوم في معظم أوقاتها، ويرجعوا يقولوا الإجازة جريت أو طارت.

خمس دول سارت وراء طوكيو في إعلان الأربعاء الماضي أول أيام عيد الأضحى المبارك، في المقدمة كانت المغرب ثم انضمت لها إندونيسيا وماليزيا وسلطنة بروناي وسنغافورة، وهو ما جاء خلافاً لما ذهبت إليه المملكة العربية السعودية والغالبية العظمى من الدول الإسلامية، رؤية طوكيو تفتح مجدداً باب الجدل حول الرؤى الشرعية والفلكية لأهلة الشهور العربية، خاصة وأن الخروج على إجماع الأمة هذه المرة جاء في رؤية هلال ذي الحجة، المرتبط في الأساس بتوقيت شعائر الحج إلى بيت الله الحرام، وفي الصدارة منه الوقوف على جبل عرفات ركن الحج الأعظم، لم تتوقف أي من المؤسسات الدينية الرسمية المصرية عند الأمر على أهميته.

سهرة ليلة العيد الصباحي مع أصدقاء العمر، هي بهجة العيد وكل عيد، صداقة العمر الممتدة من سن الطفولة وعبر أربعة عقود الآن، هي الصداقة الحقيقية في حياتي وحياة كل من أنعم الله بها عليه، فعاش خصوصيتها واستشعر قيمتها وقدرها حق قدرها، صُحبَة ربانية مجردة، خارج أي حساب من حسابات العلاقات الإنسانية المعتادة، مساحة التجرد التي نهرول إليها كلما ضاقت علينا قيود الحذر والحرص من أولئك وهؤلاء، رحلة العمر الأبدية الممتدة مهما تقلبت حلاوة الأيام ومرارتها، سهرة ليلة العيد الصباحي مع أصدقاء العمر، هي رؤيتي الخاصة لاستطلاع بهجة العيد، إذا التقت الصُحبَة تحققت الرؤية، وإن تعذرت الرؤية تعذرت معها بهجة العيد.

أنا من جيل محظوظ بمعايشة انطلاق العصر الذهبي للدراما التليفزيونية المصرية، كان ذلك في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكنت في سن الصِبَا المُهَيَأَة لتأسيس القيم، ووقتها لم تكن الدراما التليفزيونية المصرية إلا رسالة تؤسس لحزمة من القيم، كان النص هو البطل، مش فلان وعلانة، والتصوير لا يبدأ إلا بعد انتهاء الكتابة، والعرض لا يبدأ إلا بعد انتهاء التصوير، طوال أيام العيد عشت على DMC دراما مع اثنين من أكثر المسلسلات تأثيراً في جيلي، أبنائي الأعزاء شكراً لعصام الجمبلاطي مؤلفاً ومحمد فاضل مخرجاً، والشهد والدموع تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، ومعهما عشت فاصلاً من المتعة في إجازة العيد.

ولم يَفُتني في إجازة العيد متابعة موسم سينمائي ارتبط بالمناسبات في السنوات الأخيرة، ولم يستوقفني فيه هذه المرة إلا فكرة المقارنة المصرية النمطية على طريقة “أفضل التفضيل وأسوأ التسويء”، فما أن يحوز أحد الأفلام رضاء مشاهديه أو سخطهم، حتى يذهبون به بسرعة إلى وضعية المقارنة الذاتية الأصيلة في الشخصية المصرية، فما يعجبني هو الأفضل، وما لا يعجبني هو الأسوأ على الإطلاق، ولا يعمل على تأصيل هذه النمطية التاريخية المختلة الحقيقة إلا سلوك أبطال هذه الأفلام، فلا تأتي تصريحاتهم إلا في إطار الأنا العليا، وهو ما يتعارض في الأصل مع قيمة الفن، ففيه متسع للجميع ولا تتسق طبيعته مع فكرة الاحتكار.

نرشح لك: حسين عثمان يكتب: ملاحظات الأسبوع السبعة

ولأن القراءة ليست فقط عادة وإنما أسلوب حياة، صاحبت كتابين في إجازة العيد، الأول عشت معه ذكريات زمن فات، وهو “كنت صَبيَاً في السبعينيات” لمؤلفه الناقد السينمائي والأدبي محمود عبد الشكور، والذي ربط فيه بين الخاص والعام بذكاء الموهبة ورشاقة الأسلوب ومتعة الحكي، فعشت معه قصة جيل كامل، وعصر ملؤه الحيوية والثراء والإبداع، أما الكتاب الثاني فجاء في منطقة إعادة قراءة الموروثات، وهو الجزء الأول من ملحمة “100 سنة غنا” عن الأغنية والسياسة لمؤلفه الكاتب الصحفي والشاعر الجنوبي محمد العسيري، الكتاب من فئة الكتب الصادمة، لا يمتعك إلا بقدر ما يستنهض قدراتك الذهنية، لتعيد التفكير فيما عشت تعتقده من المسلمات.

ومع يوميات العيد على السوشيال ميديا، طرح الكاتب الصحفي محمد هشام عُبَيَة في بوست على صفحته على الفيسبوك، معضلة ثقافة المنع المُتَحَكِمَة في حياتنا كأسهل الحلول وأكثرها عُقمَاً لمواجهة ظواهر اجتماعية بالأساس، والتي تتجلى كل عيد في حظر دخول المُولات إلا للعائلات فقط لا غير، حرصاً على عدم إزعاج الرواد من العائلات، بسلوك الصِبيَة والمراهقين الأهوج، الخارج عن القوانين والأعراف في معظم الأحوال، نؤكد مع الصديق عُبَيَة أن الأصل في الأشياء هو الإباحة، ومن حق الناس أيضاً أن تتحرك بحرية دون خوف من تحرش أو شجار مفاجيء أو هجمات فوضوية من مسجلين خطر، ولكن الحل في قيمة كبرى هي القانون.

كل عيد وأنتم بخير.