أحمد فرغلي رضوان يكتب: عزت العلايلي.. فلاح السينما الفصيح

قبل أن أكتب عن فيلم “تراب الماس” سأكتب عن أحد نجوم الفيلم “الكبير” عزت العلايلي، والذي يعود للظهور السينمائي بعد نحو 20 سنة، ولذلك كان خبر مشاركته في الفيلم لافتًا لي وأسعدني أن نجومنا الكبار المهمين لا زالوا في ذهن المخرجين، وأتمنى أن يمتد إلى نجوم كبار آخرين، لأن تواجدهم في أي عمل يضيف له “أَلَقَ” ولكن كنت أتمنى أن يمتد الخط الدرامي لشخصية “محروس بيرجاس” السياسي الداهية الذي عاصر جميع الحكام، خاصة في ظل الحضور الطاغي لعزت العلايلي خلال مشاهده القليلة، فكان سيكون أفضل من خطوط درامية لشخصيات أخرى بالفيلم ولكن في كل الأحوال وجوده إضافة فنية تحسب للمخرج مروان حامد.

يعتبر عزت العلايلي واحد من أهم نجوم السينما المصرية خلال تاريخها الطويل، من منا لا يتذكر فيلم “الأرض” ليوسف شاهين والذي شاهده الملايين عدة مرات، وارتبط العلايلي في ذهنهم بشخصية عبدالهادي الفلاح “الشهم” لبراعته الشديدة في تجسيدها وتفوق شاهين في صناعة هذا العمل والذي شاهدنا فيه حالة إبداع فنية متكاملة مما أهله للمنافسة على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان عام 1970، واعتبره النقاد الغربيين بعد عرضه في كان، أنه ليس حدثًا سينمائيًا عربيًا فقط، بل حدثا سينمائيًا عالميًا.

وعقب عرض فيلم “الأرض” أصبح عزت العلايلي أحد النجوم البارزين في السينما المصرية حينها مثل عمر الشريف ورشدي أباظه وأحمد رمزي.

لم يكن هذا هو الفيلم الوحيد البارز في مسيرة العلايلي السينمائية الحافلة والذي وضح خلالها إنه صاحب حرفية شديدة في اختيار أعماله، فنجد له أيضًا في قائمة أفضل 100 فيلم أفلامًا أخرى، الاختيار، وأهل القمة، والسقا مات، وعلى من نطلق الرصاص، والطوق والإسورة ، واسكندرية ليه، وزائر الفجر، ليكون صاحب النصيب الأكبر من بين نجوم السينما المصرية في هذه القائمة البراقة، والتي تحمل أهم ما أنتجت هوليوود الشرق خلال القرن الماضي.

مع هذه الأعمال قدم القدير عزت العلايلي شخصيات متنوعة بموهبة كبيرة من الفلاح للضابط، والطالب، والفتوة، وابن البلد، الطبيب، وشخصيات عدة أدخلته قلوب المشاهدين في كافة أنحاء العالم العربي.

وعن نظرته لأعماله يقول: “بالطبع ليس هناك من يستطيع النجاح بصفة مستمرة، فهناك بعض الأعمال أعتبر نفسي فشلت في تقديمها قد يعتبرها البعض الآخر ممن عملوا فيها نجاحاً ولكني أعترف أن هناك بعض الأعمال التي فشلت فيها ولكن في نفس الوقت كنت في قمة سعادتي عندما وجدت عدد من أعمالي ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

عبر 75 فيلما عاصر عزت العلايلي فترات مختلفة للسينما المصرية ما بين إزدهارات لإنكسارات.

و يقسم العلايلي حياته الفنية إلى نصفين: الأول مع تخرجه فى معهد الفنون المسرحية عام 1959 واحترافه للعمل، والثاني عندما جاءته أول فرصة حقيقية بعد نحو عشر سنوات من العمل مع فيلم “الأرض” .

الصدق في التعبير

يشير المخرج الكبير صلاح أبو سيف في أحد أحاديثه عن فيلمه “السقا مات” حول أداء العلايلي لشخصية السقا “بائع المياه” المنتشر في حارات القاهرة القديمة خلال بدايات القرن الماضي قائلًا: “وبعد أن أسندت دور “السقا” للممثل عزت العلايلي حصل على “قربة مياه” حقيقية وأخذ يتمرن على كيفية تعبئتها وطريقة رفعها كي يحملها على ظهره ويمشي بها، وظل على هذه الحال أياماً كثيرة حتى أجاد تجسيدها على الشاشة”، هكذا كان العلايلي دائما في تعامله مع شخصياته يسعى للتعبير بصدق عن الشخصية التي يقوم بها بشكل متعمق في رسم التفاصيل الخارجية للشخصية من ملابس وحركة وصوت.

المتتبع لمسيرة العلايلي نجد أنه نجح في الحفاظ على تواجد ذا قيمة فنية في السينما ومعها التليفزيون وصولا للمسرح أيضا، ليظل أحد النجوم الكبار في الفن المصري المرتبطين لدى المشاهد بالأصالة الفنية فيما يقدمه من أعمال، ويقول مصر حاضرة دائما بالإيجابيات والسلبيات في أعمالي، فهو ابن أحد أعرق الأحياء الشعبية في القاهرة القديمة “باب الشعرية” فتربى على قيم معينة ترجمها بوعي وثقافة شديدة في أعماله.

وعرف عن العلايلي ثقافته السياسية الكبيرة، فلا يتردد في البوح برأية بجرأة شديدة، كما يعشق الكتابة وله تجارب في التليفزيون والمسرح كما شارك “شاهين” في الكتابة الأولية لفيلم “الإختيار” .

فمثلا عندما جسد شخصية المؤلف المسرحي المثقف “سيد” في فيلم يوسف شاهين “الاختيار”، والذي حاز على جائزة التانيت الذهبي من مهرجان قرطاج عام 1970 ، يتذكر النقاد حواره مع يوسف وهبي والذي ظهر بشخصيته الحقيقية كان حوارا ثقافيا وفنيا رفيعًا، والذي يكشف أنه كان المفترض أن يقوم ببطولته في الأول يوسف شاهين وهو الذي سيقوم بالإخراج ثم “هرب” شاهين من الدور ويقول العلايلي رشحنا بعد ذلك محمود يس و لكنه كان مشغولًا، حتى فوجئت بشاهين يطلب أن أقوم أنا بالدور، وبسبب هذا الفيلم تعمقت أكثر في القراءة السياسية.

السينما العربية كانت لها نصيبًا في أعماله فقدم عدد من الأعمال المشتركة مثل: الفيلم المغربي “ساكتب أسمك على الرمال” لعبدالله المصباحي وشاركت فيه سميرة سعيد، والفيلم العراقي ” القادسية” لصلاح أبوسيف واللبناني “بيروت يا بيروت” لمارون بغدادي والجزائري “طاحونة السيد فابر”، لأحمد الراشدي.

وعن غيابه مؤخرا عن الساحة الفنية قال إنه ليس بإرادتي بل أبحث عن عمل جيد، لأن الفن مسئولية كبيرة، كما يرى أن السينما المصرية حاليًا في حالة ارتباك شديدة على مستويات عدة، كتابة وإخراجًا وتمثيلاً، رغم ما بها من كفاءات كبيرة وعلى أعلى مستوى ومن أمنياته الفنية تحويل رواية نجيب محفوظ الشهيرة “أولاد حارتنا” لعمل سينمائي أو تليفزيوني ويكون أحد المشاركين فيه.

نرشح لك – أحمد فرغلي رضوان يكتب: بأي حال.. عُدتَ يا حلا