محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. عض قلبي

أغسطس ٢٠١٤

في شارع التحرير بالدقي وقفت اتابع المارة بتركيز، الأفكار كانت تتزاحم في رأسي، في محاولة لاختيار ضيف يصاحبني في الظهور المباشر للحديث عن إشاعة رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق من جنيه واحد الى جنيهين.

اختيار ضيف التغطيات المباشرة يراه كثيرون عمل روتيني لا يستحق العناء ويمكن تركه برمته لمنفذ الإنتاج الذي سيختار في الغالب وفق المعيار الديموغرافي فقط مضيفًا إليه مدى قبول المصدر للظهور بدون أي أجر مادي.

لكنني شخصيا اعتبر عملية اختيار ضيف التغطية المباشرة من أصعب وأخطر القرارات في عمل المراسل والتي لا يجب أبدًا أن يستهين بها أو يوكلها لغيره، فكيف تترك لغيرك اختيار قنبلة ستنزع أنت فتيل أمانها على الهواء مباشرة، أمام ملايين البشر، قنبلة لو كانت منضبطة فقد تفجر لك مشاهدات اليوتيوب وتعليقات السوشيال وتضيف كثيرًا لأسهمك عند المشاهد، أما لو كانت عشوائية وغير منضبطة فحتمًا هي ستنسف وجودك التليفزيوني وتشوه بشظاياها تاريخك المهني، وتلقي بك إلى حيث لم تكن تتخيل؛ وساعتها تساعدك خبراتك المهنية ومهاراتك في إدارة الحوار إلا في تقليل حجم الانفجار وتقليص معدل الخسائر.

نرشح لك: حسين عثمان يكتب: ملاحظات الأسبوع السبعة

من هذا الإيمان بأهمية اختيار الضيف كنت أقف ورأسي يعمل كأجهزة “جيمس بوند” الخيالية، نظرة سريعة متفحصة لكل من يمر أمامي، تتحول سريعًا إلى تقييم علمي منظم، الشكل عليه درجة، وحركة الجسد درجة أخرى، وطبيعة المظهر درجة ثالثة.

لكنه ظهر فجأة فعطل كل المعايير وأوقف عملية التقييم لأنه كأنه يبدوا أكثر من مثالي: ملامح وسيمة كستها التجاعيد بطابع شعبي أصيل، لغة جسد تصرخ بصوت مسموع دون أن ينطق صاحبها، وكل هذا مغلف بقبول عام يشع به الرجل، لم أتردد لحظة أشرت له، عرضت عليه الظهور معي، وعرفته بطبيعة الموضوع.

بعد نجاحك في اختيار البطل يسهل عليك تسكين الأدوار الثانوية، اخترت مصدرين آخرين وجهزت كل شيء لبدء العمل.

بدء البث المباشر قدمت ضيفي وجهت له السؤال، فانفجرت قنبلة التعبير: يجيب الرجل بلسانه وجسده وبكل جزء فيه، فامتدت المداخلة التي كان مخصص لها خمس دقائق إلى أكثر من خمسة عشر دقيقة.

مصدري لم يكن عالمًا ولا فيلسوفًا ولا محلل لكنه كان صادق وبسيط وطبيعي، لخص مشاعره ومشاعر الالاف بل والملايين من بسطاء مصر في عبارة موجزة فجرت المشاهدات على اليوتيوب وتحولت لتعليق ساخر يتداوله الناس؛ قال:” عض قلبي ولا تعض رغيفي فان قلبي على الرغيف ضعيف”.