"حرب كرموز".. أمير كرارة يهزم محمد رمضان!

جيهان الجوهري

“النجاح لا يأتي صدفة”.. أحد المقولات الشهيرة للمخرج الراحل يوسف شاهين؛ وتنطبق هذه المقولة على صناع فيلم “حرب كرموز”. وبضمير مرتاح أستطيع القول إن فيلمهم استحوذ على نصيب الأسد من عيدية الجمهور، لأسباب عديدة أهمها بطل الفيلم الحقيقي المتمثل في منتجه محمد السبكي، الذي غامر بصناعة فيلم مختلف بميزانية جيدة بفريق عمل محترف للغاية.

نرشح لك: لبلبة المدهشة.. في الشارع اللي ورانا

وبالمناسبة، محمد السبكي هو صاحب القصة أيضا، أما السيناريو والحوار فهو لمخرج الفيلم بيتر ميمي. المفروض أن أحداث الفيلم تدور فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر وبالتحديد في حي كرموز بالأسكندرية حيث يتم اغتصاب فتاة “مايان السيد” على يد اثنين من الجنود الإنجليز على شاطئ البحر، ويحاول ثلاثة صيادين شباب الانتقام لها لكن يُقتل أحدهم برصاصة من أحد الجنديين اللذين اغتصباها.

وتتوجه الفتاة لقسم شرطة كرموز وتتقدم ببلاغ وترشد عن المكان الذي تعرضت فيه للاغتصاب ويقوم “أمير كرارة” -الذي جسد شخصية الجنرال يوسف المصري- بالقبض على الصيادين السكندريين بالإضافة للضابط الإنجليزي الحي. ومن هنا تبدأ المواجهة والحرب بين الجنرال يوسف المصري “أمير كرارة” والجنرال آدامز “فؤاد شرف الدين” الذي يمثل الجانب الإنجليزي؛ الأول يرفض تسليم الضابط الإنجليزي الحي المشارك في اغتصاب الفتاة والشباب المتورطين في قتل الضابط الإنجليزي، والثاني لديه إصرار على تسليمهم مقابل عدم اقتحام قسم الشرطة وقتل الموجودين فيه بلا استثناء.

نرشح لك: 74 مليون إيرادات 5 أفلام مصرية في أسبوعين

لنتساءل، هل قصة تدور في زمن الأربعينات بإمكانها جذب جماهير، خاصة جمهور سينما المولات وهم النسبة الأكبر من جمهور السينما؟ الإجابة ستجدها عند منتجه محمد السبكي الذي يجيد صناعة أفلام تجارية بمهارة يحسد عليها، والذي يعلم جيدا أن لكل فيلم التوليفة التجارية الخاصة به، لذلك نراه يسير وفقا لكتالوج خاص به وحده لاسترداد كل قرش دفعه في فيلمه، فقد حرص هو والمخرج بيتر ميمي على صناعة فيلم يعتمد على “الهيرو”، البطل الذي ينتصر للضعفاء، وأحداثه تدور في زمن لم يعشه هذا الجيل، وأعتقد أن حجم المغامرة كان كبيرا في هذه الجزئية لأن هذا الزمن لا يلقى اهتماما من الجيل الحالي الباحث عن أفلام تعكس حال جيلهم، والسبكي بذكائه يعلم ذلك جيدا، لذلك قدم لهم وجبة فنية مختلفة عن السائد في الأفلام من الناحية الزمنية، وفي ذات الوقت تُشبع أذواقهم وتشبه -إلى حد ما- ما يشاهدونه في الأفلام الأجنبية التي يسيطر على أغلبها أجواء الأكشن.

ولا ننكر أن تأثر مخرج الفيلم بيتر ميمي بالسينما الأمريكية التي يغلب على معظم أفلامها أجواء الأكشن، كان له دور كبير في نجاح الفيلم، وإن كان هذا ليس في صالحه كمخرج على المدى البعيد خاصة بعد إعلانه مؤخرا عزمه على إخراج فيلمين تم اقتباسهما من أفلام أجنبية.

“فُرص”

أول شيء لفت نظري في فيلم “حرب كرموز”، شخصية الجنرال يوسف المصري التي جسدها “أمير كرارة”، وأنها تليق به من الناحية الجسمانية، وتعبرعن البطل “الهيرو” في زمن الأربعينات. نحن لدينا من نجوم الأكشن السقا وعز وكريم والجميع لديهم اللياقة الجسمانية، لكن يبقى أمير كرارة هو الأنسب والأكثر إقناعا للجمهور كبطل شعبي من زمن لم نعشه.

شخصية الجنرال يوسف المصري (أمير كرارة) ليست جديدة عليه وسبق وأن قدمها بنجاح في الدراما التلفزيونية، لكن فيلم “حرب كرموز” منحه فرصة يستحقها سينمائيا مع منتج ذكي لا يقيد نفسه بإنتاج أفلام لأسماء نجوميتها مضمونة على أفيشات الأفلام.

ولا أحد ينكر موهبة كرارة لكن عليه الانتباه بأن الحفاظ على النجومية تحتاج من الممثل التنوع في أدواره.

أما محمود حميدة، فأدائه لشخصية عزت الوحش، الضابط المفصول من عمله، يجب تدريسها في معهد السينما. نظرات عينيه وتعبيرات وجهه أبلغ من أي كلام. حضوره طاغٍ بلا شك، وسيذكر له التاريخ حرصه على اللعب بمنطق نجوم هوليوود، فهو لا يعنيه مساحة الدور بقدر ما يعنيه إذا كان الدور سيضيف له أم لا، والمؤكد أن طريقة أدائة المتميزة جدا في”حرب كرموز” ستظل عالقة في ذهن الجمهور.

غادة عبد الرازق ظهرت في أسوأ حالاتها ولم تقنعني في دور العاهرة برخصة التي تريد التوبة، وكذلك ظهرت كل من روجينا وايمان العاصي بشكل باهت، وأعتقد أن قبولهما لهذه الأدوار يهدف لمجرد التواجد -فقط لا غير- بفيلم كبير.

لم يفت على صناع الفيلم الاستعانة ببعض الأسماء التي لها ثقلها على الشاشة كضيوف شرف مثل فتحي عبد الوهاب ومحمود البزاوي وبيومي فؤاد، بخلاف أحمد السقا -كأحد أهم نجوم الملايين- في دور القاضي الذي ينقذ رقبة بطل الفيلم من حبل المشنقة في نهاية الفيلم.

لم يكن الفيلم فرصة لمنح أمير كرارة تأشيرة ليصبح نجم أكشن بجوار من سبقوه، بل أيضا أتاح فرصة سينمائية جيدة لبعض الموهوبين الذين شاركوا في مسلسل “الأب الروحي” لنفس مخرج الفيلم، ليكون فيلم “حرب كرموز” هو بداية ألقهم السينمائي، وهم بلا ترتيب: محمود حجازي في دور اليوزباشي صالح ومحمد عز ومحمد علي رزق ودياب وعمر زكريا فؤاد وسارة الشامي. أما مصطفى خاطر فقد نجح في تجسيد شخصية اللص البارع في تسلق المواسير لدرجة إطلاق اسم “عصفورة” عليه، حيث اتسمت شخصيته بالفيلم بالكوميديا والتراجيديا؛ فهو بلا عائلة، ليس لديه ما يخشى عليه وعلى استعداد للمغامرة بحياته في ظل رفضه لكل انتهاكات الاحتلال الإنجليزي، ويُعتبر نجاحه في هذا الدور إضافة لنجاحه في فيلم “طلق صناعي”.

بيتر ميمي نجح في تدشين نفسة كمخرج متميز لأفلام الأكشن وحاول قدر استطاعته تقليل الأخطاء الخاصة بالفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث الفيلم، إلا أنه أخفق قليلا في منطقية الحوار بين المحتجزين في القسم وفي منطقية ردود أفعال شخصيات فيلمه. ورغم بعض الملاحظات على الفيلم بشكل عام إلا أن ديكورعادل المغربي وإضاءة مدير التصوير حسين عسر، نجحت في عكس أجواء المعارك بالأربعينات. ويعتبر مونتاج باهر رشيد وموسيقى سيف عريبي من أهم العناصر بالفيلم، ومتوائمة مع تصاعد وسخونة الأحداث بشكل كبير.

“رقم واحد”

سؤالان فرضا نفسيهما بعد مُشاهدتي للفيلم أولهما: هل نجح فيلم “حرب كرموز” في إرضاء الجمهور؟ نعم؛ شباك التذاكر يؤكد اكتساح الفيلم للإيرادات مقارنة بالأفلام التي صنع أبطالها ضجة لجذب الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي. والسؤال الثاني: هل فيلم “حرب كرموز” سيعيد تشكيل خريطة نجوم الملايين أمثال السقا وكريم وعز، الذين يغلب على أفلامهم الأكشن؟ الإجابة لا؛ لأن مثلما قلت منذ البداية إن بطل حرب كرموز هو “الإنتاج” الذي وفر ميزانية خمسين مليون جنيه للفيلم؛ منهم أجر نجم الأكشن الإنجليزي سكوت أدكنز الذي مثل إضافة محترمة للفيلم، وبخلاف أجر محمود حميدة الذي يليق بحجم اسمه وحضوره الطاغي على الشاشة كأحد أهم النجوم الكبار، وبخلاف أجر الممثلين الآخرين أمام وخلف الكاميرا، وأضف لذلك طبيعة الفيلم واحتياجاته المختلفة عن أي فيلم آخر، مثل صناعة الدبابات والمتفجرات ومطاردة سيارات وتحطيمها إلخ. باختصار، فيلم “حرب كرموز” حطم مقولة محمد رمضان الشهيرة “أنا رقم واحد” وأثبت أن رقم واحد هو المنتج الذي لا يبخل علي فيلمه بأي عنصر ويعطي فرص لأسماء موهوبة تتوافر فيها مقومات النجومية ليتصدروا أفيش الفيلم السينمائي، لينضموا لنجوم الملايين. ومثلما تم صنع محمد رمضان وأمير كرارة كنجوم أكشن -وبجوارهم ياسر جلال- في الدراما التلفزيونية، سيتم صناعة آخرين، ليكون الاختيار في النهاية وفقا لما تحتاجه مواصفات الشخصية في السيناريو، سواء من الناحية العمرية أو من الناحية الشكلية.