محمد حكيم يكتب: أنا مريض بـ"النضج"!!

أقيم بحي شعبي، في شارع به ما يشبه السوق، حيث يتراص البائعون بما يعرضون لك من خضار، وفاكهة وأشياء اخرى، عادة يلفت نظري شيء في السوق فأقرر شراء كيلو او حزمة، ولا أعرف لماذا لفت نظري هذة المرة “النعناع الاخضر”؛ لا أدمنه ككثير من الناس، لكنني تذكرت فجأة الشاي بالنعناع الذي كنت احتسيه أثناء المذاكرة أيام امتحانات الثانوية العامة ووجدتني أشتاق بشدة لكوب منه.

اقتربت من بائع النعناع، ألتقطت حزمة، ولا أعرف لماذا قربتها من أنفي في محاولة للاستمتاع برائحتها النفاذة، فصدمتني الرائحة التي وجدتها خفيفة لا تكاد تميز.

صرخت في البائع: “هذا النعناع مغشوش، إنه بلا رائحة”، وبعد نقاش أشبه بالشجار صمم فيه البائع على أن النعناع جيد والعيب في قدرتي أنا على الشم، وبعد تدخل وسطاء من المارين بالشارع، اشتريت حزمة نعناع وعدت بها إلى زوجتي التي أخذت صف البائع بعدما تنفست رائحة النعناع التي غمرت المنزل.

لا أعرف لماذا استوقفتني تلك الواقعة كثيرا، وجعلتني أعيد النظر في أحداث مشابهة كنت امر عليها مرور الكرام، لكنني أراها الآن مرعبة ومخيفة، فهل تعني هذه الواقعة أن المشكلة طيلة هذه الأعوام المنقضية لم تكن فيما هو حولي بل كانت في شخصي أنا؟

نرشح لك : محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. رمضان وسجن النسا

هل لا تزال رائحة الموز تغمر المكان عند شق قشرته، وانا الذي لا أشم؟ هل لا يزال للعيد بهجة تطير النوم من العين وأنا الذي لا أفرح؟ هل لا تزال النساء في الشارع رائعات وأنا الذي لا أثار؟ وهل لم يتغير الزمن ولكنني أنا الذي كبرت وأصبت بمرض النضج؟!

نعم النضج مرض مؤلم، أبشع أعراضه أنك تدرك فجأة أنك لست بطلا، وأنك غير قادر على تغير العالم، الدنيا لا تدور من حولك أنت ولا خلقت من أجلك خصيصا.

قبل أن أمرض بالنضج كنت أتصور أنني مختلف عن كل الناس، سأصنع المستحيل، وأغير الواقع، وأكسر الحدود، سأصبح بموهبتي نجم مشهور، سأغير أفكار المجتمع البالية، سأبدل الوهم الذي يقول أن الرومانسية تموت بعد الزواج.

لكن النضج اللعين يجعلك تدرك أنك شخص عادي، قد تعمل وتبذل جهدا كبيرا ثم تفوتك الفرص، تعرف أنك مجرد إنسان قد يصيبك الملل وتضغطك المسؤليات فتفاجئك زوجتك -وهي تتابع مسلسل فاطمة التركي- بقولها “أنت ليه مش رومانسي زي كريم؟ انت ما بقتش زي زمان”.

الحقيقة أنني الآن مرضت بالنضج وأدركت أنني مجرد شخص عادي، لكنني أيضا تعلمت من هذا المرض، أن العبرة ليست في تغير العالم، العبرة الحقيقية في تغير النفس، القيمة ليست في أن تصبح نجما، بل في أن تكون مضيئا، الرومانسية ليست في أن تكون مثل كريم -بطل مسلسل فاطمة التركي- الرومانسية أن تشعر باحتياجات شريك حياتك وتحترمها، والأهم من كل ذلك أن تعرف أن النضج كأمراض الشيخوخة يقتل من يعانده ويصادق من يتصالح معه..