مي سعيد: إخلعوا الحجاب

هذه دعوة أخرى لخلع الحجاب، أدعو اليوم في مقالتي هذه لخلع الحجاب
لكنه نوع آخر من الحجاب، أدعو لخلع حجاب العقول و كم أتمنى ألا يكون مقالي هذا مجرد وشوشة كاتب داخل ردهات مقالته الواسعة، أو دعوات درويش في فجر قد فر لتوه من ظلام الليل، عندما يعيد العالم رسم خرائطه و حدوده و تشكيل جسده من جديد لا يحتاج سوى للعقل، فإذا ما حُجب و إحتجب، ضاع كل شئ و بقيت الصراعات و الإتهامات و صار التكفير هو الغالب و غاب التفكير و حل الخراب، لا أظن أن هذا ما نريد جميعاً لهذا البلد الأمين الذي أمننا على شرايين الحياة، فما معنى أن نجهضه في كل مرة يحملنا في حشاه، أكتب مقالي هذا لإيماني بأن هناك دائماً أمل حتى و لو كان يسكن الذاكرة البعيدة لتلك الحضارة العظيمة، و لنا في التجارب الأخرى التي مر بها العالم حياة و عبرة و خبرة، لا ننكر أن الثورة الفرنسية التي قامت في القرن الثامن عشر قد التهمت مقاصلها الكثير من الرؤؤس لكنها في الوقت نفسه ألهمت فرنسا و أوروبا كلها عقولاً وعلوماً و فنوناً و فلسفة، فهل لنا في هذا الجزء الرمادي من العالم أمل في مولود جديد بعد عقم طويل، و هل لنا بحَبل ينجب لنا مولود جميل، هل يمكننا أن نخلع عن عقولنا حجاب العنصرية و الجهل و التعصب القبلي الغير مبرر، هل يأتي اليوم الذي تتسع فيه صدورنا لكل الأطروحات و الأفكار، هل يأتي اليوم الذي لا تعارض فيه الفكرة سوى بالفكرة أو بالنقاش الهادئ البناء أو بالفن و العمل، هل يأتي اليوم الذي نؤجر فيه على دمائنا التي سالت في ثوراتنا أم أنها ستظل مهدورة ككرامتنا في هذا الجزء الحزين من العالم، هل سيأتي اليوم الذي نتجرع فيه دواء غير منتهي الصلاحية فنحظى بالشفاء من مرض هذا الحجاب العقلي المزمن الذي عانينا منه لسنوات طويلة، لو حدث ذلك سوف نتمكن من الوصول إلى حالة جديدة من إختلاف الرؤى المدعم بالتقبل و الإحترام و سوف ينتج عن ذلك شبكة مفاهيم جديدة تعبر عن مزيج مختلف مغاير ينتج عنه إعادة ترتيب العلاقات و الأدوار داخل المجتمع و سوف لن يتبقى لنا وقت نهدره فى صراعات عقيمة لا تفضي إلا إلى المزيد من التحجب للعقول و الأفكار، فالمجتمعات التي لا يشغلها سوى الدين و الطائفية و الجنس سوف ترتد لا محالة للخيمة و البعير .

اقرأ أيضًا:

مي سعيد : إيقاف إسلام لا علاقة له بالإسلام

مي سعيد ترد على محمود رضوان: كلنا مذنبون