مصطفى حمدي يكتب: خلينا نشوفك (5).. لماذا نحب دراما الانتقام؟

بين قصص المظلومية وحكايات الانتقام تتأرجح قائمة تفضيلات المصريين في الدارما منذ سنوات، أغلب الأعمال الناجحة جماهيريًا خلال السنوات الماضية دارت في فلك هاتين “التيمتين”، وهما بلا شك مرتبطتان ببعضهما البعض، فالظلم يقود إلى الانتقام، والانتقام غالبًا يولد خلفه مساحات من الظلم، وهكذا تستمر الدائرة التي منحت بعض النجوم قبلة الحياة مجددًا، وأعطت لبعض المخرجين والكتاب شرعية الاستمرار والنجاح داخل صناعة تحكم معايير المنافسة فيها أمور كثيرة على رأسها طبعًا التسويق ونسب المشاهدة!

نرشح لك: مصطفى حمدي يكتب: خلينا نشوفك (4).. المجلس الأعلى لدراما “الملائكة”

منذ عامين حقق مسلسل “الأسطورة” لمحمد رمضان نجاحا كبيرًا عند عرضه في موسم رمضان، السبب أن المسلسل تعاطف مع الفكرة الرئيسية للعمل وهي “الانتقام” وتحديدا عندما يأتي في سياق تحول لشخصية البطل من شاب ضعيف مسالم إلى رجل قوي مسيطر ، نفس الفكرة لعب عليها محمد رمضان في مسلسله الأول “ابن حلال” والذي ألمح إلى قضية مقتل ابنة الفنانة ليلى غفران، نالت وقتها شخصية حبيشة الشاب “الغلبان” المتهم ظلمًا بقتل الفتاة تعاطفًا كبيرًا، هنا تجلت فكرة المظلومية والانكسار، لتتبدل إلى تيمة الانتقام في الثلث الأخير من العمل، ولكن محمد رمضان وكاتبه المفضل محمد عبد المعطي لم يخرجا من إطار هذه التيمة في مسلسله الجديد “نسر الصعيد”، الفرق بينه وبين الأسطورة هو استبدال النموذج الرئيسي من بلطجي ومجرم إلى ضابط شرطة شريف، واستبدال القدوة والسند وهو الأخ في الأسطورة بالأب في نسر الصعيد، نفس الخط الدارمي الذي لمس صناع الدراما تعاطف المشاهد المصري معه باستمرار.

بنفس المنطق قاد المخرج بيتر ميمي والمؤلف باهر دويدار الخطوط الدرامية الرئيسية في مسلسل “كلبش 2” استثمارا لنجاح الجزء الأول، أمير كرارة حقق نجاحا وجماهيرية واسعة بين جماهير الشاشة الصغيرة منذ العام الماضي، نجاحا فرضته تيمة “الانتقام” بعد تعرض سليم الأنصاري للظلم في الجزء الأول ومحاولته كشف الحقيقة ليصل إلى غايته في النهاية، ولكن ذلك لم يمنع من مد الخط الدرامي الرئيسي للمسلسل حتى يصل لجزء ثان يحول سليم الأنصاري إلى أيقونة حقيقية لفريق الخير في مواجهة الشر المتمثل في الإرهاب، ولتشتعل الحبكة الدرامية أكثر كان قتل عائلة الأنصاري مع بداية المسلسل على يد الإرهابيين مبررًا منطقيًا لتوريط سليم في ثأر شخصي يدعم فكرة الانتقام طوال الأحداث بجانب الخط الوطني المتعلق بمكافحة الإرهاب كسبب رئيسي ومباشر في دعم العمل أصلًا!

تيمة الانتقام حضرت وبقوة في عملين من ضمن الأعمال الأكثر جدلًا ومناقشة على منصات التواصل الاجتماعي وهما “طايع” بطولة عمرو يوسف وتأليف الأخوة دياب وإخراج عمرو سلامة، ومسلسل “أيوب” لمصطفى شعبان، “أيوب” دفع الجمهور للتعاطف في البداية مع البطل المظلوم بتجسيد صورة مأساوية حقيقية لحياة شاب يعمل في ثلاثة مهن يوميا! ما بين ساعي وبائع خضار وبائع في مكتبة كي يواجه متطلبات الحياة ويسدد ديون عائلته، لسبب غير منطقي “واقعيا” يُسجن أيوب لعدم قدرته على سداد ديونه فيخرج لينتقم من كل من كانو سببا في ذلك بعد أن يقابل ملهمًا يمنحه مفاتيح القوة في السجن.

الالتفات لمسلسل مصطفى شعبان هذا العام يفسره أمرين، أولهما أن شعبان تخلص أخيرا من نوعية المسلسلات الموجهة لسوق الخليج والتي اعتمدت على تيمة الرجل المزواج أو الدنجوان بكافة صوره، ثانيًا أنه لعب على ذائقة وعاطفة المشاهد المصري المنحاز دائمًا لثنائية الظلم والانتقام.

بشكل أعمق وأكثر حرفية نجح مسلسل “طايع” في فرض حضوره معتمدا على نفس التيمة، إلا أن لجوء صناع العمل لقتل أغلب الابطال في محاولة لصناعة أحداث كبيرة “بلوت” مع امتداد الحلقات وانقاذ المشاهد من فكرة الملل لم يكن الخيار الدرامي الأفضل على الإطلاق، ولكن مقتل “مهجة” تحديدًا كان الحدث الدرامي الأبرز الذي دفع الجمهور للتعاطف بشكل أكبر انتظارا لانتقام طايع لفقد حبيبته.

المشاهد المصري يحب هذه التيمة “بطبعه” ولكن هذا ليس مبررًا أمام صناع الدراما كي يسيرون خلف تيمة واحدة تتنوع صورها وأشكالها وحكاياتها إلا أن عناصرها واحدة، والتجربة أثبتت أيضا أن الدراما الاجتماعية أرض خصبة لزراعة أفكار وتيمات كثيرة مشوقة ومثيرة بعيدًا عن تيمة الانتقام التي تصور المجتمع وكأن قانونه عاجز وحكاياته مكتوبة بالدم، لا أضع قيدًا أخلاقيًا جديدًا على الدراما المصرية التي أصبحت تحت رحمة طرفي مقص، بين قانون رقابة صارم وقيم منقوصة لـ “لجنة الدراما”، ولكنها دعوة لاكتشاف أشياء جديدة قد يحبها المشاهد بدلًا من فرض ذوق واحد وصوت واحد وفكرة واحدة على خلق الله..