إذا سقطت الصحافة بعد سنوات.. فماذا بعد؟!

صالح خيري الشرقاوي

تمر الصحافة المصرية في الوقت الحالي بحالة ضعف لا يمكن أن يختلف عليها اثنان، على الأقل من حيث غياب المهنية بفعل العاملين بالمهنة، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سيستمر حتى يصل ذروته خلال 5 سنوات؛ لنشهد أكبر سقوط منذ عشرات السنين.

الفقرة السابقة هي حكم يحتاج إلى أسباب ومقدمات ستقرؤها في السطور التالية، والحديث عن الصحافة دون هذه الجملة “مرت الصحافة على مدار تاريخها بفترات قوة وضعف لكنها بقيت وستبقى للأبد” ورغم أنها جملة مكررة لكنها في تقديري حقيقة ثابتة تاريخيا، لكن الجديد هذه الفترة هي حداثة أسباب السقوط، وهي مرحلة إذا ما جاءت ستأكل الأخضر واليابس من العاملين.

نرشح لك: الصحفي الروبوت.. هل أصبحت مهنة الصحفي مهددة بالانقراض؟

بدون مقدمات، تعاني المهنة في الوقت الحالي سيطرت الأنصاف على مفاصل المؤسسات الصحفية، وهم أفراد داخل “الشلة” هذه الكلمة التي يتداولها كل صحفي داخل أو خارج “الشلة” التى تكون وظيفتها السيطرة على المؤسسات الجديدة وربما القديمة واستغلال خيراتها بزعم أنهم أكثر مهنية وقدرة على إدارة المؤسسات، وفي الحقيقة “كذب الشلليون وإن فلحوا”.

“سيطرة الأنصاف” و”الشللية” ليسا اختراعين جديدين لكنهما موجودان منذ سنوات حتى قبل ثورة يناير، لكن الجديد سيطرتهم على المفاصل في المؤسسات الصحفية، تلك التى كانت متروكة قبل سنوات للمهنيين، وأصبح من أدوارهم تدريب طلاب الجامعات وحديثي التخرج، واختيار بعضهم للعمل وفق معيار “السمع والطاعة” في إطار منظومة “اربط الحمار مطرح ما يعوزه صاحبه”.

نرشح لك: حسين عثمان يكتب: أزمة تجميد دار “دلتا” ومذكرات عربجي

هذا الواقع القديم الجديد كان من الممكن أن لا يشكل خطورة بالغة إذا تواجدت مؤسسات تدريب للصحفيين ذات سمعة جيدة، والتى قدمت الخدمة لسنوات سواء بالمجان أو بمقابل بسيط، وهي مؤسسات أفرزت أجيالا متعاقبة من الصحفيين يلعبون في الوقت الحالى دور “رمانة الميزان” في بقاء بعض من المهنية داخل المؤسسات، يقفون خلف الستار يعرفون داخل الوسط بـ”الشغيلة”.

والحديث عن مؤسسات التدريب لا يمكن أن يمر دون ذكر مؤسسة الصوت الحر التي لعبت دورا مهما على مدار سنوات قبل أن تتوقف دوراتها التدريبية قبل 3 سنوات تقريبا، في تدريب مئات الصحفيين على أساسيات العمل الصحفي بمشاركة أجيال مختلفة من المدربين حتى كان حضور دورة تدريبية بها أحد مؤهلات وتصاريح العمل في الصحافة.

نرشح لك: إبراهيم عادل يكتب: في حضرة “الكاتبات الجدد”

لك أن تتخيل أن الأنصاف الجدد يقومون بدور “الصوت الحر” في الوقت الحالي في تدريب الطلاب وحديثي التخرج، وحتى لا أطيل في المعطيات والنتائج في هذه النقطة ستكون النتيجة هي أننا إذا كنا نعاني في الوقت الحالي حالة الاستسهال والنقل عن مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف الصياغة، وغياب الأخلاقيات واختفاء المعايير، ففي غضون خمس سنوات من الآن، أعتقد أننا سنعاني غياب الخبر من الأساس، وسيصبح الجميع في خبر كان. غياب مؤسسات التدريب لا يمكن أن يثنينا عن التلميح بوجود مؤسسات تقدم نفسها على أنها للتدريب لكن هي الأخرى يسيطر عليها “الشلة” سواء ما يعرفون بشباب الصحفيين والإعلاميين أو أبناء التيار الواحد، من اعتبروا المهنة واحدة من موروثاتهم.

السؤال المهم متى تتدخل نقابة الصحفيين لتؤدي دورها في تأهيل الصحفيين من خلال دورات تدريبية لأساتذة مشهود لهم بالمهنية وخبراء متميزين من كليات الإعلام وهم كثر؟ الأمر أصبح أكثر إلحاحا لتحقيقه، فلم يعد الوقت لصالحها أو لصالح المهنة، وستكون النقابة أول من يدفع ثمن وجود “أشباه” الصحفيين خلفاء “الأنصاف”، وعليها الآن أن تتدخل وتعيد الأمور إلى نصابها وهي صاحبة الحق الأصيل، كما عليها أن تعقد جلسات تواصل بين الأجيال المختلفة لتبادل الرؤى والخبرات.

نرشح لك: هل يطير “نسر الصعيد” بمحمد رمضان إلى القمة؟

إذا كان جانب كبير من المهنة يدار بدستور الشللية وقانون الأنصاف، فخلال سنوات قليلة لن تجد “شغيلة” وإذا وجدت لن يكون إلا هؤلاء الحريصون على إقامة علاقات تحقق مصالحهم الضيقة، وحتى لن تجد البعض الذي كان يحرص على علاقات تنقل مريضا إلى مستشفى.

وإذا كنا نواجه في الوقت الحالي أزمة صياغة ونحو، من خبر يبدأ بـ “قال فلان أن المصريون” يحتاج إلى “ديسك مان” و”مصحح لغوي”، و”مسئول نشر”، فبعد بضعة سنوات فسيخدم الخبر مصالح جهات وأشخاص بعينهم دون النظر للقارئ أو المواطن ومصلحته.

نرشح لك: شاهد: تعرف على قصة مدفع رمضان التاريخية

تبقى النهاية مفتوحة والسؤال مطروحا: “إذا سقطت الصحافة خلال السنوات القليلة المقبلة.. فماذا بعد؟”