أحمد عبد الصمد يكتب: مهمة خاصة.. الفارون من الحياة إلى المجهول

يرمقهم البعض بنظرات الشفقة، وأخرون بالاشمئزاز، ثوان.. لا تطيل فيها النظر خشية رد فعل عنيف، لكن تلك النظرات أيًا كانت تصيبهم بالألم، فلكل واحد منهم حكاية، اختلفت التفاصيل واتفقت نهاياتها، منهم من كان لديه عائلة، بيت، عمل، إلا أن حياته تغيرت فى لحظة ولم تعد كسابق عهدها.

مشردون بلا مأوى.. تجدهم فى كل مكان، كومة على جانب الطريق، أجسام هزيلة، وجوه شاحبة، عيون يملؤها الحزن، بلا سكن، بلا أمن، بلا طعام أو شراب.. الأرصفة فراشهم، والسماء سقفهم، وأوراق الجرائد غطاءهم.

كنت دومًا أحد رامقيهم بنظرات الشفقة، تتبعها كلمات الحمد ودعوات بظهر الغيب، إلى أن أصبحوا أحد أبطال قصصي الإخبارية، فمن السهل كمراسل صحفى أن ترصد معاناة المشردين لتقدمها للمشاهد كجرعة آلم، لكن الأصعب أن تقدم ذات القصص مغلفة بالأمل.

نرشح لك: أحمد عبد الصمد يكتب: مهمة خاصة (1).. الليلة الأولى بسيناء

دور وزارة التضامن وفريق التدخل السريع فى ايواء مشردى الشوارع وكبار السن

دور وزارة التضامن وفريق التدخل السريع فى ايواء مشردى الشوارع وكبار السن#مصر_النهارده#الأولى_قناة_مصر_الأولى

Posted by ‎برنامج مصر النهارده‎ on Monday, April 16, 2018

داخل الغرف المغلقة بوزارة التضامن كانت البداية، فريق للتدخل السريع مهمته إنقاذ المشردين من حياة الشارع وإعادة تأهيلهم بعد استقبال البلاغات علي الخط الساخن وموقع الوزارة بشأن أماكنهم، بلاغات.. كل واحد منهم يمثل تحديًا جديدًا.

رن الهاتف حاملا معه بلاغًا بوجود أحد المشردين قرب مطعم شهير بالعجوزة، استعد الفريق لمهمته الجديدة والوصول للهدف. على مقربة منه وقف أحد أعضاء الفريق، يتحدث إليه في خطوة تعد هي الأصعب وهي إقناعه بترك حياة الشارع ومرافقتهم إلى الدار. عرفت من الفريق خلال الطريق أن بعض المشردين يرفضون ترك حياة الشارع بل ويلجأون للسلوك العنيف – لكن هذه المرة لم يستغرق الأمر دقائق، كان فيها – الهدف – مسالما للغاية ووافق على الذهاب إلى الدار وهي مؤسسة “معانا” لإنقاذ إنسان.

اسمه رامى.. خلال الطريق لم ينطق بأي شيء سوى اسمه، وظل صامتًا، ثياب متسخة وممزقة، ساقه تنزف دمًا، وجه غابت ملامحه ولم تظهر منه سوى حدقتين يملأهما الحزن والتوهان.

مع وصول رامي الى الدار، بدأت على الفور عملية التهيئة لعالمه الجديد. خارج غرفة رامى انتظرت حتى ينتهى من نظافته. تجولت فى الدار فقابلت نزلاء أخرين ممن حملوا يوما لقب مشردين، ورووا لي حكاياتهم التي تؤكد جميعها أنهم نتاج ظروف اجتماعية قاسية أودت بهم إلى مصير يكتنفه الغموض.

عدت مجددًا إلى رامي وقد انتهى تماما من النظافة، وظهرت ملامحه التى غابت خلف سواد غبار الشارع والأيام التى مر بها، شاب ثلاثينى العمر، حسن الوجه، تبقى فقط مداواة جرح ساقه الذى بدأ أطباء الدار فى علاجه، بينما أخذ يروى لى حكايته التي لم تختلف كثيرا عن الأخرين، وفاة والديه كانت سببا في اللجوء الي الشارع بحثا عن قوت يومه ومع إصابه ساقه أصبح عاجزًا عن العمل ما أدى إلى طرده من السكن بسبب عدم قدرته علي دفع الإيجار.

ودعته وأنا أشعر براحة شديدة لأنه سيلقى رعاية جيدة حياة جديدة سيبدأها تليق به كإنسان احتاج فقط فرصة ثانية.. تركت الدار وخرجت إلى الشارع، فوجدت زحام القاهرة الصاخبة كالمعتاد، تعجبت كيف فى خضم هذا الكم من البشر يجد شخص نفسه وحيدا بلا أهل أو مأوى !!!

نرشح لك: أحمد عبد الصمد يكتب: مهمة خاصة (3).. أبناء سيناء في مواجهة الإرهاب

تحية لمن يعيدون الحياة لمن فقد معناها وضلت به الدنيا فبات الشارع ملاذه، وتحية خالصه لوزيرة لم تتخل عن انسانيتها رغم ما على كاهلها من ثقل، فلا أخفي عليكم سرا بأن حالات التقيتها في الدار جاءت بعدما رأتهم الوزيرة غادة والي أثناء طريقها للعمل.

فصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين قال: “الخير في أمتي إلي يوم الدين”.