جيهان الجوهري تكتب: "اضحك لما تموت".. مسرحية لم تفِ بوعدها

 

نقلًا عن مجلة صباح الخير

عندما تجد عرضًا ينتمي لأحد مسارح الدولة، فأنت على يقين بأن وقتك لن يُهدر، حين تُشاهد أحد هذه العروض أيًا كان انتمائها -كوميدي أو تراجيدي أو حتى ميلو دراما- إنها المتعة المقرونة بالإبداع الفني في عناصر العمل المسرحي، الذي لا يمت بصلة بمسرح القطاع الخاص الثري، بمفرداته السلبية، ومعاييره الخاصة لاختيار المشاركين بعروضه مع بعض الاستثناءات .

نرشح لك : صور: فنانات الزمن الجميل مع أبنائهن

من هذه العروض مسرحية “اضحك لما تموت” إنتاج البيت الفني للمسرح والمسرح القومي، التي تصدر أفيشها اسمان لهما وزنهما في الأداء التمثيلي بجانب الثنائي الشهير عصام السيد مُخرجًا ولينين الرملي مؤلفًا.

أسم المسرحية يعطي انطباعًا أنك ستشاهد عرضًا كوميديًا “حرفيًا” على عكس حقيقته التي تنتمي للتراجيدي كوميدي سياسي، والتي فضل  مؤلفها لينين الرملي عرض فكرته التي تعكس وضع المجتمع وحالة السخط المشتركة بين فئاته من خلال هذة النوعية.

“العام والخاص”

اتخذ المؤلف فكرة اتخاذ “الثورة” كمدخل لحياة صديقان يجمعهما الإحباط والسخط والرغبة في الرحيل الأبدي، وأرى أن الأمر لا يحتاج إلى إرجاع موقفهم السوداوي إلى “الثورة”، كم من بشر يحملون هم وحزن الدنيا ليس بسبب الثورة بل لأسباب أخرى، لذلك نحن أمام عرض إنساني من الدرجة الأولى، بعيداً عن الثورة.

يعتلي خشبة المسرح صديقان  في السبعينات من العمر جمعهما حالة نفسية واحدة تتسم بالإحباط والسخط على كل شيء، واجتمعا عقب ثورة 25 يناير في شقة أحدهما بميدان التحرير، ومن خلال حوارهما يكتشفان مدى التغيير الحاصل في المجتمع، سواء على مستوى العلاقات الأسرية أو غيرها من العلاقات.

أولهما نبيل الحلفاوي “يحيي” دكتوراة في التاريخ  يعيش منتظراً الموت لظروف صحية ونفسية مرتبطة بعمله وحرقه لمؤلفاته وسجن والده سياسياً ووفاة زوجته، حياة “يحيى” أشبه بالحي الميت خاصةً بعد اختفاء ابنه الذي نزل لميدان التحرير ولايعلم إن كان حياً أو ميتاً، ومن هذا المُنطلق نراه ضد الثورة، مُعتبراً نفسه من الفلول، على عكس صديقه محمود الجندي “طاهر” الذي شارك في الثورة من خلال توثيقه لأحداثها بالتصوير الفوتغرافي.

قضايا

منذ قديم الأزل نرى المجتمع شاهداً على تغيير العلاقات بين الأجيال وهناك دراسة علمية تؤكد على اختفاء المشاعر والإنسانيات، من حياتنا مُستقبلاً وقد عبر لينين الرملي في مسرحية “وداعا يا بكوات” في التسعينات التي قفز فيها أبطاله للمُستقبل  عن هذا المعنى، وأكد عليها أيضاً في روايته “اضحك لما تموت” بجوار القضايا الأخرى، حيث أظهر مدى وعمق المسافة بين الأجيال التي أفرغها الزمن في نفوسهم، وأزمات جيل الكبار نفسيًا ووجهة نظرهم للقضايا العامة والتغييرات المُجتمعية وانقسامنا حول فكرة “هل هي ثورة أم مؤامرة؟” ومن معها ومن ضدها، و”ضرورة التمسك بالأمل للنهاية”، ورغم ذلك إلا أن الإنسانيات بين الصديقان  وعلاقتهما بأبنائهما كانت هي الأكثر حضورًا.

نحن هنا أمام بطلين فقط لا غير حوارهما سويًا سيطر على الوقت الزمني للمسرحية، وحولهما تدور شخصيات فرعية للغاية في غرفة واحدة تحتل خشبة المسرح طوال أحداث العرض، ومن أجل كسر حالة الملل التي قد تتسرب للمتفرج   حول المُبدع عصام السيد ديكور “صالة الشقة” التي يدور فيها العرض على مدار ساعتين لمكان يضج بالحياة لا يشعر معه المُتفرج بأي ملل من خلال خلفيات “فيديو” سواءً كانت فلاش باك أو من الحاضر، وكلاهما أظهر هشاشة العلاقة بين جيل الآباء والأبناء -ابنة محمود الجندي التي تتواصل مع والدها من خارج البلاد بمكالمات قصيرة للغاية، وابن نبيل الحلفاوي الذي خرج  لميدان التحرير وقت الثورة ولم يعد-

“الأبطال”

نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي من أهم العناصر التي ساهمت بشكل كبير في نجاح العرض جماهيريًا، نحن أمام اسمين لعبا مباراة تمثيلية حية، ودار في فلكهما مجموعة أسماء، من مُحترفي التمثيل المُبدعين منهم “مريم” بديلة سلوى عثمان، والتي يختلف الصديقان على اسمها الحقيقي، هل هي حرية أم حورية لتفاجئهم بأن اسمها الحقيقي حربية -فكرة الإسقاط  بشكل عام واضحة فقد تكون شخصية “حرية” بمراحل عمرها المُختلفة عاكسة لأزمنة ورؤساء الحكم، وقد يرى البعض في شخصيتها ما يؤكد على حتمية “تغيُر” النفس البشرية بعد أن كانت أشبه بالحرية والحورية، في مراحل الشباب تحولت لحربية بفعل الزمن الذي غير الكثير من ملامحها، أما الذين عبروا عن الجيل الجديد بالعرض “إيمان إمام” الفتاة التي لم تجد مأوى يحميها سوى منزل نبيل الحلفاوي “يحيى”، وكشف دورها بالمسرحية أننا أمام موهبة تمثيلية مهدور حقها، لكنها قادمة بقوة، ومعها تألقت “مريم” بديلة سلوى عثمان، وكذلك زكريا معروف وتامر الكاشف.

وأخيراً

تحية للمخرج عصام السيد على، خبرته الحاضرة بقوة في العرض وظهر ذلك في تعامله باحتراف مع عمق  نص لينين الرملي ورؤيته الفلسفية التي تدفعك للابتسام ساخراً والتفكير مما يحدث لشخصياته الرئيسية حتى نهاية العرض.

وتحويلة الرواية  لعمل يضخ حيوية على خشبة المسرح بديكور واحد وممثلان من العيار الثقيل “نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي”.