مينا عادل جيد يكتب : ما اللذة في أن ترى بلدك مُدمرًا!؟

انتشرت في الأيام القليلة الماضية صورة معدلة ببرنامج الفوتوشوب، لمصممة جرافيك مصرية، تجسد ميدان طلعت حرب وهو مدمر وتظهر عليه معالم العدوان الحربي، وآثار النزاعات الأهلية المسلحة، تشبه الصورة التي باتت عليها ميادين وشوارع سوريا.

نرشح لك.. محمد حكيم يكتب: من موقع التفجير.. مراسل ما شافش حاجة

احتفى بهذه الصورة قطاع كبير من النشطاء والصفحات المعارضة للإدارة المصرية الحالية، وعلقت إحدى الصفحات على الصورة وقالت “مصممة مصرية تتخيل مصر تحت حكم السيسي”، وشاركها على صفحته مستخدم آخر إخواني وكتب عليها “لو ده ثمن إن البلد تنضف وتبقي دولة فعلا ونعيش زي أي بني أدمين في مجتمع سوي فأنا موافق جدا” بينما وضعها آخر غلافًا لصفحته على الفيس بوك من فرط تمنيه لهذه الصورة المرعبة والتي يتمنى أن يرى مصر عليها!.

يقول الأستاذ عماد الدين حسين في مقال سابق له بجريدة الشروق بعنوان «الفارق بين الشماتة والرأى المعارض»؛ “كنت اعتقد أن تجمع بعض الإقطاعيين قبل العدوان الثلاثى على مصر فى شتاء ١٩٥٦ هو مشهد تمثيلى بديع فى فيلم المؤلف المتميز محفوظ عبدالرحمن «ناصر ٥٦»، هؤلاء كانوا ينتظرون انتصار العدوان على بلادهم حتى يعودوا مرة أخرى إلى واجهة المشهد. اندحر العدوان، وسقط كل هؤلاء فى دائرة النسيان، ودخلوا التاريخ من اسوأ أبوابه. نفس المشهد يكاد يتكرر الآن تقريبا مع الفارق فى بعض التفاصيل، نرى مصريين يشنون اسوأ حملة شماتة ضد بلادهم متمنين سقوطها حتى يعودوا ليجلسوا فوق أطلالها” ويختم الأستاذ عماد مقاله : “هذه هى الخيانة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى..، “انتقدوا الرئيس أو الحكومة كما تشاءون، لكن لا تشمتوا فى بلدكم، ولا تصطفوا مع اعدائه”

لو نظرت لهذه الصورة، وسرعة انتشارها واحتفاء معجبينها بها، من «زاوية أخلاقية» سوف تراها قذارة، وإذا نظرت إليها من «زاوية وطنية» فهي خيانة، ولكن أنا رأيت هذه الصورة وكل صور الشماتة في الوطن السابقة، من زاوية نفسية ومرضية جدا.

يقول الفيلسوف اليوناني «سقراط»، المشهور بإسهاماته في مجال علم الأخلاق، “إن هناك بهجة سرية توجد في قلوبنا عندما نرى الآخرين يسقطون، وخاصة هؤلاء الذين نعتقد أنهم أفضل منا مكانةً واحترامًا، ونعتقد أن سقوطهم هذا يرفعنا فوقهم في المنزلة والمكانة الاجتماعية، أو حتى في الاحترام الاجتماعي، فهم سقطوا ونحن لم نسقط، وهم اخفقوا ونحن لم نخفق، لذلك فأن الحسد أو الحقد أو بمعنى أدق الشماتة، هي المصدر الحقيقي للذة، لكن هذه الشماتة تهبط بالروح إلى أسفل السافالين، وتسبب آلاما عقلية مبرحة، والطريقة الوحيدة للخروج من هذه المشقة الروحية – كما يشير سقراط – ، ألا نشعر بالبهجة لمصائب الآخرين، بل نشعر بالشفقة عليهم والتعاطف معهم.

قد يعتقد البعض إنه بالشماتة والشعور باللذة في دمار وطنه إنه يقدم خدمة للعدل والحق والحرية والكرامة الإنسانية (من وجهة نظره) ولكن الحقيقة أن هذه اللذة والشماتة والأفعال المنافية للإنسانية وحق الحياة والسلام هي أبشع صور العته النفسي وأبعد ما يمكن تخيله من أمراض نفسية وعقلية دفينة.

يا من تشعر باللذة والشماته في سقوط وطنك أو تتمنى حدوث ذلك فيه، عليك أن توقف الأفكار المراهقة قبل أن تسبقك، وأن توقف المشاعر الحاقدة قبل أن تسيطر عليك، عليك أن توقف حقدك عن أن يخبرك باستمرار بأن انتصارك الحقيقي يتجسد في سقوط وطنك حتى تثبت انك أنت الذي كنت على صواب حتى لو كان الثمن هو أن يصبح جسد وطنك ممزق، وتصبح دماء ابناء وطنك في كل مكان، عليك ألا تسمح لغرورك وعتهك أن ينغص عليك سلامك الداخلي ويخلط عليك الأوراق والمفاهيم ويجعل منك إرهابيًا من نوعًا جديد.